إعداد: آرين شنكالي
تعتبر مقاطعة الشهباء صلة وصل بين ميزبوتاميا والغرب وصولاً إلى إسكندرون على البحر المتوسط، كما تعد البوابة الرئيسية والخاصرة السهلية الخصبة لسلسلة جبال طوروس والجبال الساحلية للبحر الأبيض المتوسط، وتعتبر ممراً نحو عمق سوريا باعتبارها عقدة المواصلات والطريق البري الوحيد للعبور والوصول إلى أوروبا.
تشكل مقاطعة الشهباء جزءاً هاماً من ريف حلب الشمالي، على طول الحدود التركية، وتضم مساحة جغرافية تصل لما يقارب خمسة آلاف كم2، على امتداد طولي يصل إلى حوالي أكثر من 95 كم وبعمق 55 كم من ضفاف نهر الفرات وحتى سلسلة جبال ليلون غرباً، وتضم مدن مثل جرابلس (كركميش)، ومنبج، والباب، بالإضافة إلى منطقة السفيرة وما يقارب 600 قرية.
الشهباء تمازج بشري وتكامل ثقافي:
التنوع الثقافي والتجانس البشري المميز في مناطق الشهباء كافة مثال نادر ويتجلى ذلك في أغلب المدن والقرى والبلدات، ففي جرابلس “كركميش” التي تبعد 125كم شمال شرق حلب، والتي قارب عدد سكانها مئة ألف نسمة هناك تمازج وتعايش منذ مئات السنين بين العرب والكرد، وتعتبر مهد للحضارة الإنسانية، وقد أجرى العديد من علماء الآثار دراسات وتنقيبات حولها، وعرفت ب “كركميش” في عهد الحثيين منذ أكثر من خمسة آلاف عام.
وكذلك منطقة منبج التي تضم مدينة منبج ومئات القرى الكردية والعربية والتركمانية والشركسية، وهي إحدى أقدم المدن التاريخية في ريف حلب الشمالي، وتبعد مسافة “75 كم” عن مدينة حلب، يصل عدد سكانها إلى نصف مليون نسمة بحسب إحصائيات عام 2004م، أما منطقة الباب فهي تتألف من مدينة الباب والمئات من القرى والبلدات والنواحي الكردية والعربية مثل “تادف ودير حافر والراعي”، وتعتبر المدينة من أقدم المدن التاريخية التابعة للشهباء، ويعود تاريخها إلى العهد الروماني، وهي من أولى المدن التي نظمت المظاهرات ضد النظام السوري في 8 نيسان 2011.وتقع المدينة شمال شرق حلب ب 38 كم. وبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة حسب إحصائيات عام 2008، وتشكل أيضاً نموذجاً لتعايش المكونات من الكرد والعرب والتركمان والأرمن.
وكذلك الحال في منطقة السفيرة: تتألف من مدينة السفيرة، ومئات القرى والبلدات العربية والكردية، مثل تل حاصل وتل عران، ومنطقة إعزاز التي تضم مدن وبلدات مثل أخترين ودوديان وتل رفعت ومارع، والتي تضم آثار عريقة تعود لآلاف السنين.
أهمية مقاطعة الشهباء الجيوسياسية والاستراتيجية:
تمتاز مقاطعة الشهباء بأهميتها الاستراتيجية الكبيرة، في البوابة السهلية لجبال طوروس والمعبر البري نحو أوربا، فتحاول العديد من الدول الإقليمية والعالمية الوصول إليها لتنفيذ أجنداتها عن طريقها، وخاصة الدولة التركية المحتلة. وتجسد مقاطعة الشهباء مثالاً مصغراً من ثقافة المجتمع السوري، فتحاول القوى الخارجية وضعها تحت سيطرتها، لذلك استخدمت دولة الاحتلال التركي مقاطعة الشهباء للعبور إلى العمق السوري، وإرسال مرتزقتها وأجنداتها، وإرسال الدعم اللوجيستي والعتاد العسكري لمجاميعها المرتزقة.
التنوع البشري والعمق الحضاري:
يقطن في مقاطعة الشهباء نسيج من المكونات والطوائف مثل الكرد والعرب والشركس والأرمن والتركمان، والإبزيدينن بالإضافة إلى الحضر من الجذور الأوربية، كما أنه هناك قلةً قليلة من السريان والآشور والكلدان والأرناؤوط.
تتميز الشهباء بمعالمها الأثرية، وأسواقها الشعبية والمخافر القديمة والمساجد التاريخية والعمارات القديمة، إضافةً لوجود أقنية مياه جوفية مندثرة، تعود للعهد الروماني وكان يمر من خلالها نهر الذهب. وتشتهر مقاطعة الشهباء بكثرة تلالها الأثرية والتاريخية القديمة يعود تاريخها إلى فترة ما قبل الميلاد.
الاقتصاد والنشاط السكاني:
تمتاز الشهباء بوجود العديد من المقومات الاقتصادية التي تعتبر عماد الاقتصاد على مدى التاريخ، حيث يتواجد فيها ثروات باطنية عدة، وتضم مخزون من المياه الجوفية، لامتلاكها الأنهار مثل نهر الفرات ونهر القويق ونهر الساجور، بالإضافة إلى أن تربتها غنية وصالحة للزراعة. ويمكنها ذلك من زراعة العديد من أنواع الحبوب والبقول، كالقمح والشعير والعدس والحمّص، إضافةً للخضراوات والتي تنتج بكميات كبيرة. ويعمل سكانها في الزراعة وتربية المواشي والحيوانات الأليفة والبناء والصناعة والتجارة.
الخارطة الديمغرافية والسياسات الشوفينية:
بدأ التغيير الديموغرافي في سوريا منذ عام 1516 بعد احتلالها من قبل الإمبراطورية العثمانية، حيث أخضع الاحتلال مقاطعة الشهباء لتغيير ديموغرافي، نظراً لغناها بكافة المقومات والمجالات الحياتية، ليكملها النظام البعثي فيما بعد بسياسة التعريب.
بتاريخ 2013 عاد الاحتلال التركي بسياساته العدوانية ضد مكونات وشعوب شمال سوريا، وعلى رأسها الشعب الكردي، بارتكاب أول مجزرة بحق أهالي تل عران وتل حاصل بمنطقة السفيرة، عبر مرتزقتها من جبهة النصرة ولواء التوحيد.
ومارس الاحتلال التركي النهج التعسّفي بأساليب مختلفة وسياسة تغيير التركيبة السكانية ذات الطابع المميز والخاص، عبر دمج جماعات ليس لها ارتباطات لا ثقافي ولا اجتماعي ولا تاريخي فيها، في محاولات لإعادة أحلام السلطنة العثمانية. واحتلت دولة الاحتلال التركي بشكل مباشر مدناً من مقاطعة الشهباء بدءاً من آب 2016 من مدينة جرابلس، بعد أن سملتها مرتزقة داعش التي تدعمها تركيا منذ نشأتها في سوريا، ومن ثم توغل الاحتلال التركي في المنطقة وانتشر في، قباسين واخترين والراعي، مارع ومنطقة الباب، وإعزاز، ليصل إلى احتلال مساحة 2000 كيلو متر مربع. وتتبادر تركيا ومرتزقة داعش والنصرة أدوار السيطرة على المنطقة.
الخلاصة:
عانى سكان مناطق الشهباء بكل أطيافهم من شوفينية تركيا لقرون وكذلك ممارسات النظام غير الاخلاقية الشوفينية وممارسات المجموعات المرتزقة اللاإنسانية، وإبان سيطرة داعش عليها نزح الآلاف من أهالي المنطقة إلى مقاطعة عفرين وكوباني. وتم افتتاح مخيمي الشهباء وروبار في عفرين لإيوائهم. فالتف النازحون حول الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين، بعد المعاملة الحسنة التي تلقوها من قبلهم، وفي عفرين شكلوا مجلس منطقة الباب، لإدارة الأهالي، حيث قرروا أن ينظموا أنفسهم عبر تشكل مجلس إدارة الشهباء، ومنذ مطلع عام 2016، حيث بدأت الفصائل الثورية بحملة تحرير قرى وبلدات ومدن مقاطعة الشهباء، وبعد تحرير جزء من الشهباء، انتقل المجلس للعمل في المنطقة على الفور، وافتتح مركزاً له في قرية أحرص، وخلال فترة شكل المجلس مجالس محلية في المناطق المحررة. وقام المجلس بتشكيل نواحي وأتبع القرى إليها وهي “ناحية تل رفعت، ناحية كفر نايا، ناحية احرص، ناحية أم حوش، وناحية فافين”.
بعد دخول جيش الاحتلال التركي ومرتزقته عفرين، استقبل أهالي الشهباء، أهالي مقاطعة عفرين المهجرين بصدرٍ رحب، بعد أن ساندهم أهالي عفرين في محنتهم عامي 2014 و2015.
وتعاون مجلس مقاطعة الشهباء مع الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة عفرين في إنشاء المخيمات في ناحية فافين، وتل سوسين، والشهباء في ناحية شيراوا، وتقديم المساعدات والدعم للأهالي، فيما تم إسكان البعض من سكان عفرين وتقسم السكن معهم في بيوت أهالي المنطقة.[1]