حسام اسماعيل
عين عيسى ماحلا لذة مصيفها زاهي بستانها وجاري نهرها
هذا الوصف أطلقه أحد شعراء قبيلة الفدعان على عين عيسى، وكيف كانت كالواحة الغناء وسط الأراضي الجرداء التي تحيط بها، وعلى الدوام كانت المياه هي المصدر الأساسي لقيام الحضارات على مر التاريخ، فشكل النبع مصدر الحياة، والتجمعات السكانية الأولى، فعندما تتخيل منظر عين عيسى قبل جفاف نبعها، حيث إنها كانت المكان الذي يجذب الناس من كلِّ حدبٍ وصوب وكأنما صارت محجاً لهؤلاء، يشربون من مائها العذب ويملؤون أوعيتهم منها، فهي أشبه ما تكون رمز الحياة وأيقونة التعايش بين جميع الناس ومن كافة المكونات التي مرّت بها.
الأواني الفخارية المحطمة على تلتها تدل على وجود تجمع بشري قديم
الكثير من الناس طاب لهم العيش في عين عيسى بجانب مصدر الحياة (النبع) وبنوا المساكن الأولى منذ مئة وخمسون عامٍ تقريباً، هذا بالنسبة للمساكن الأولى، أما بالنسبة إلى المساكن القديمة فيقال بحسب السكان المحليين بأن عين عيسى التي يتوسطها تلة تشرف على مناطق واسعة كانت وعلى مرِّ العصور القديمة عبارة عن حامية عسكرية، أو منطقة ثغور ونقطة إمداد لتلك الجيوش التي غزت المنطقة، إذ أن التلة التي تتوسطها تدل على ذلك وهي امتداد للتلال الموجودة في المنطقة، وسهَّل وجود النبع وتوفر المياه لاتخاذها حامية عسكرية ربما على مرِّ العصور الماضية، وبقايا الأوعية والأواني الفخاريَّة التي توجد فوق التل تدل على وجود سكان فيها، وهذا الأمر يثير عدة تساؤلات حول المساكن القديمة التي كانت موجودة في عين عيسى وما هي طبيعتها، وبسبب عدم وجود بعثات أثرية استكشافية تدرس تاريخ المنطقة يبقى هذا الأمر مبهماً ويحتاج إلى بعثات أثرية تكشف تاريخ عين عيسى القديم.
القباب شكلت نقلة نوعية بسبب تغير أسلوب المعيشة
وفي كتاب “عشائر الشام” لأحمد وصفي زكريا، وصف فيها المساكن الأولى لأهالي عين عيسى وهي عبارة عن قباب حسنة للشيخ مجحم المهيد وحاشيته وهو شيخ قبيلة الفدعان، رغم أن البيوت الأولى كانت عبارة عن قباب تصنع من اللبن المصنوع من التراب الممزوج بالقش، إلا أن هذا الأمر شكل تطور هام في البناء نتيجة تغير أسلوب معيشة السكان آنذاك، من تربية المواشي التي تتطلب الحل والترحال وتتناسب مع بيوت الشعر المتنقلة، إلى امتهان الزراعة لدى أهالي عين عيسى التي تتطلب الاستقرار، هذا الأمر أدى إلى التحول، وتأسس عين عيسى بشكلها الحالي المعروف.
ولازالت القباب الأولى في عين عيسى موجودة حتى وقتنا الحالي تشهد على الحقبة التي سبقت زحف الحديد والإسمنت، لتشكل نقلة أخرى في طريق تغير البناء والعمران.
التطور العمراني الذي شهدته الناحية والدمار الذي تلاه
شهدت عين عيسى التطور العمراني بشكله الحالي في سبعينيات القرن العشرين، مع دخول الإسمنت والحديد إلى الأبنية السكنية الحديثة، والتي شكلت نقلة نوعية أخرى، ورسمت الملامح الحديثة للبناء والتطور، ومع تشييد المباني الحكوميَّة في عين عيسى، إبان حكم النظام في سبعينيات القرن العشرين، أصبح لها موقع هام على الصعيد التجاري والخدمي وتسيير معاملات الأهالي ضمن الناحية وريفها، فشيّدت البيوت وحصل تحول في طريقة البناء.
ومع انفجار الأزمة في سوريا التي تسببت بدمار كبير للأبنية السكنية، حصلت عين عيسى على نصيب من هذا الدمار، في المباني الخاصة والعامة وخاصة في القسم الجنوبي والغربي من الناحية، الذي شهد معارك بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام السوري، بالإضافة لأسلوب (التدمير الشامل) من قِبل مرتزقة داعش، الذين استخدموا العبوات الناسفة والسيارات المفخخة في تدمير البيوت السكنية والأبنية العامة، وبعد تحرير ناحية عين عيسى في الشهر السادس من عام 2015 شهدت الناحية الاستقرار من جديد، ورجوع الأهالي الذين بدؤوا بتشييد المباني وإصلاح منازلهم من جديد، والآن تشهد الناحية تطوراً غير مسبوق على كلِّ الأصعدة وبخاصة التطور العمراني. [1]