سروه عثمان مصطفى (شاعرة وٲدیبة كردية)
د. محمد فتحي عبد العال (كاتب وباحث مصري)
قصة حب من طراز نادر، جمعت بين قلبين آثرا أن يكونا معاً؛ قلباً وعقلاً وجسداً حتى في الفراق.
ملحمة سيامند وخجي تدخل في إطار الأدب الشفاهي الكردي، وتعرف الملحمة لدى الكرد بقصّة (Gurrî) وتعني الأجرب أو الأصلع، تقول بعض الروايات، إنّ سيامند عاش في كنف زوجة عمه، ما يؤكد أنّه يتيم الوالدين، فيما تدعي بعض الروايات، أنّ له أخا حمل وصايتهما، وهو عم لهما، ويحمل نفس صفات سيامند، وهو قره كيتران. أيا كان الأمر؛ فسيامند الشاب البسيط، الذي حرمته الأقدار من أبويه، عاش يتيما طوال حياته، ولم تمنعه خشونة العيش مع الرعاة بين الغابات، والوديان، واعتماده على الذات منذ نعومة أظفاره، دون أنيس، أو ونيس من البحث عن حب يحتويه، وقلب يعانق قلبه، ويشعره بالأمان والطمأنينة، وإن تجشم في ذلك المشاق، فتقوده رحلة صيد بحصانه إلى جبال (سيبان) إلى مبتغاه.
حيث قادته قدماه، إلى بيت تسكنه فتاة جميلة وحيدة هي “خجي” مع أشقائها الذكور.
ما إن رأى سيامند خجي حتى تملكت فؤاده، فهام بها حباً، وعشقاً، وقرر أن يرتبط بها، لكنه اصطدم بكونها مخطوبة لابن زعيم العشيرة، وما زاد الطين بلة، رفض أشقاء الفتاة زواجه منها!…حقا يا لها من عقبات شداد، وسوء طالع!!..
لم تفت في عضد سيامند هذه العقبات، فخرج يبحث عن أقرانه الصيادين الأقوياء؛ لمعاونته في اختطاف الفتاة، ووضع عشيرتها أمام أمر واقع، لكن الوقت لم يكن ليسعفه، إذ فوجئ بأن حفل زفاف خجي، قد أقيم، وأنها على وشك أن تصبح في عصمة غيره، فعاد من فوره مصمما أن تكون خجي له وحده.
لكن الحب ليس فقط تعلقاً وإحساساً عاطفياً فقط، الحب أيضا مشاركة، واقتسام الحياة، وتحمل خشونة العيش معه، ومفارقة الوطن والأهل، وهي أمور ليست هينة، ومتقبلة خاصة لفتاة مدللة وجميلة ك خجي فكان عليه مصارحتها تاركاً لها الاختيار.
اختارت خجي الحب، والانتصار له، مهما كانت المصاعب، التي تنتظرها، ما شجع سيامند أن يكون خروجه بخجي على مرأى ومسمع من الجميع، وليس هروبا في جوف الليل، بل إعلانا وإشهارا لحبهما، فالحب ليس عيبا أو جرما يخفيه ويكبته.
حمل سيامند حبيبته خجي على حصانه، ودفع بالمال لعازفي الموسيقى، والمنشد في الحفل المنصوب؛ لعقد قرآن خجي على ابن زعيم العشيرة، للإعلان أن المجد لسيامند وخجي، ولقصة حبهما الطاهرة.
حاول رجال العشيرة ومعهم أخوة خجي مطاردة سيامند، وارجاع خجي، لكن جواد الحبيبين كان يسابق الريح، حتى وصل جبل (خلات)، وهناك قرر الحبيبان أخذ قسطٍ من الراحة، وقد أجهدتهما رحلة المطاردة.
وأثناء فترة الاستراحة، كان مرور مجموعة من الأيائل، ومن بينهما أيل أعور أعرج مكسور القرن، كان مخيفا لخجي، فنهض سيامند ليذهب عن قلب محبوبته الرعب والخوف، وسدد سهامه في اتجاه الأيل فاضطرب، وأصاب الأيل الأعور ونزف، فظن أنه أجهز عليه، وأصبح غنيمة سائغة، تقر بها عينا محبوبته، فلا تخاف ولا تحزن، واقترب من موقعها.
وهنا كان موعد سيامند مع الموت، إذ كان الأيل على قيد الحياة، فأصابه بحركة من رجله، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فسقط من حرف الجبل على جذع شجرة حاد، ليغدو صريعا، قاب قوسين أو أدنى، من الموت.
استبطأت خجي حبيبها، فخرجت تبحث عنه، وقادها أنينه الخافت إلى موضعه، وقد فارق الحياة، فحزنت حزنا شديدا وفي هذه اللحظة، وصل إخوتها، ورجال العشيرة إلى المكان، يريدون إرجاعها بالقوة، فتحججت بفقد خلخالها بجانب سيامند لتعود إليه.
اختارت الحبيبة أن تلاقي المصير نفسه لحبيبها، وكما منحتهما الحياة فرصة التعارف؛ فليكن الموت هو المصير الأبدي لحبهما، وفي ثوان معدودة ألقت بنفسها على جذع الشجرة ذاته، فظلا ينهلان من العشق الأبدي في حمية الموت الرهيب.[1]