إعداد/ آرين شنكالي
في قرية “آخزونيك” التابعة ولاية ديرسم ولد الشخصية الوطنية والمثقف نوري ديرسمي في آذار 1893. والده إبراهيم، وأمه زليخة. ينتمي إلى عشيرة ملان، فقد أمه وهو طفل، وترعرع في بيت عمه ملا حسن، درس الابتدائية في بلدة “خوزات”، ثم هاجر مع والده إلى “خاربوط” وتابع دراسته الإعدادية في مدارسها، وهناك بدأ نشاطه السياسي وهو شاب يافع، حيث قام بتأسيس اتحاد طلبة كردستان، واستمر نشاطه حتى المرحلة الثانوية.
ترك ديرسمي بلدته وقصد إسطنبول سنة 1911م، وتابع دراسته حيث دخل كلية الطب البيطري، واستمر في نشاطه الفكري والسياسي، ووطد علاقاته مع العمال والفنانين إضافة إلى الطلبة. وفي الجامعة انتسب إلى جمعية “هيفي”.
كان ديرسمي من الشخصيات اللافتة بنشاطاتها وتحركها الدائم وبخاصة في جمعية هيفي، وفي عام 1912أسس مع مجموعة من رفاقه “جمعية عاشقي كردستان”. أرسلته الدولة العثمانية بصفة مسؤول عسكري إلى أذربيجان بداية الحرب العالمية الأولى (1914 1918)، وهناك أيضا تابع نشاطه السياسي، وعقد صلاته مع الكرد الأذربيجانيين، واستمر نضاله بين أبناء قومه الذي تعارض مع ما طلبه منه العثمانيين، وحثهم بعدم الانخراط في أتون الحرب إلى جانب السلطنة الهرمة، وهذا ما أزعج العثمانيين، وأدى إلى عزله من الجيش ونفيه إلى منطقة “كيره سون” على البحر الأسود.
عاد نوري ديرسمي من جديد إلى إسطنبول وأكمل دراسته الجامعية، وتخرج كطبيب بيطري، وتابع نشاطه السياسي بانضمامه إلى (جمعية تعالي كردستان) ، وبدأ بالتحضيرات التنظيمية والعسكرية للقيام بانتفاضة كردية للحصول على الحقوق القومية، حيث استطاع تأمين (1500) بندقية حربية ووزعها على (1200) عامل كردي في إسطنبول وأنقرة.
كانت عيون المخابرات التركية مفتوحة علية وترصده، تم اعتقاله، لكنه تحرر من الأسر بمساعدة رئيس الديوان الحربي نمرود مصطفى كردي الأصل، حيث تعاطف معه وكان من بني جلدته، ومن ثم أرسلته الدولة إلى “سيواس”، وهناك راسله مصطفى كمال من أجل ضمه إلى حركته، لكنه رفض لقاءه، وبسبب رفضه اعتقله والي “سيواس” بتأثير من أتاتورك. وبعد أن أفرج عنه حدثت الحرب التركية الكردية على إثر(انتفاضة قوجكيري)، فانضم مباشرة إلى الانتفاضة، ولنشاطه الكبير صدر حكم الإعدام بحقه في 25/6/1921 وتمكن من الهرب إلى ديرسم، وهناك كلفه “سيد رضا” بتوحيد العشائر الكردية والقيام بالتحضيرات اللازمة للانتفاضة الجديدة المرتقبة، فباشر عمله بتعبئة الجماهير وحثهم على الجهاد إلى جانب تعليمهم اللغة الكردية. وعندما بدأت الانتفاضة تعرّضت منطقة ديرسم لهجوم عسكري تركي وحشي وبكافة صنوف الأسلحة، وأثناء القصف الجوي الوحشي استشهد ولده الوحيد علي. وعندما اشتدت الحرب وتوسعت ساحتها كلفه “سيد رضا” بمهمة إلى خارج الوطن، لعقد العلاقات والمهام الدبلوماسية ونشر الفكر القومي التحرري، ولخوفه من الأوربيين بتسليم الدكتور نوري ديرسمي إلى الأتراك وجهه إلى سورية، في 11/9/1937 .
في سورية التقى مع المثقف والسياسي المعروف “كاميران” بدرخان الذي ساعده بالتوجه إلى الإسكندرية في مصر لإعلام المسؤولين العرب بالقضية الكردية والمجازر التي ترتكبها تركيا بحقهم في ديرسم، وأجرى اتصالات مع الشخصيات الكردية في سورية، ثم انضم إلى (جمعية خويبون) وكُلف بتسيير الفعاليات في سورية. فقامت تركيا برصد مبلغ أربعة آلاف ليرة ذهبية لاغتيال نوري ديرسمي، وتم قمع انتفاضة ديرسم وإعدام سيد رضا وقتل عشرات الآلاف من السكان وتدمير المدينة بالكامل وتغيير اسمها إلى تونجلي، وقرر الفرنسيون تسليمه إلى تركيا ومن ثم عدلوا عن رأيهم، وتوجه إلى عمان في 24/12/1938، لكن تركيا كثفت ضغطها على الملك الأردني عبدالله لإخراجه، لكنها لم تفلح في مطلبها.
عاد الدكتور ديرسمي إلى سوريا وتوجه إلى حلب واستقر فيها بتاريخ 27/9/1940، وترك العمل السياسي، وتفرغ لتدوين كتابه المشهور “ديرسم في تاريخ كردستان”. توفّي يوم 22/8/ 1973 عن عمر يناهز 81 عاماً، ودُفن عفرين. [1]