إمذكرة نورالدين ظاظا كمُرافعة في التمييز العنصري في سوريا
سامي داوود
اللغة في هذه المذكرة هي التأريخ. فالسجينُ نورالدين ظاظا يرافع عن شعبه لإدانة الدولة. السجين العارفُ مخاطبا المحكمة بما يجب أن تكون عليه العدالة داخل وخارج المحكمة. منازعاً “الحق بالحق للحق” وفقا لشذرةٍ من شذرات مولانا الجيلاني. يجادل السجينُ ظاظا في أخلاق السياسة عبر الأفعال العنصرية لممثلي الدولة في المدن الكردية. فحيث تكون رموز الدولة يكون الظلم و الإرهاب المنظم في صيغة قرارات عنصرية موجهة ضد الشعب الكردي و هويته التاريخية. لذلك أدمَجَ نورالدين ظاظا خلال مرافعته، هيكلية الدولة في اللغة. إذ لكي تكون الأقاليم السورية مُدناة بعدالة إلى الحقوق المعتمدة في وثائق الدولة، على هذه الأخيرة أن لا تعادي لغة وحقوق الأغلبية الكردية في “الإقليم الشمالي” وفقا للتسمية الإدارية التي كانت معتمدة رسميا سنة 1960 في الجمهورية المتحدة.
يصيغ نورالدين كمفكر سياسي، بداهة التجذر الكردي على أرضه بمفهوم منفتح على الأخوة الممكنة مع بقية الشعوب المجاورة و المختلطة في فضاء أوسع، توّفر فجأة، مع انهيار حدود و ظهور أخرى باسم دولة جديدة. مع تعليل بليغ لتوفر وشائج ثقافية ذات مرجعية دينية و تاريخية حُسن الجوار كبديل و مرتكز من أجل تعويم الحق في المواطنة العادلة في سوريا. فاللغة و الثقافة الكردية الثرية، و المشاركة السياسية الكردية في صنع القرار الوطني، سيجعل من سوريا دولة متصالحة مع ما تعاهدت نحوه من حقوق في الدستور وفي الوثائق الحقوقية الدولية.
بنباهة ووضوح، يشرح السجينُ صاحب الحق للقاضي، أن الدولة ككيان لاشخصي، تغدو،أو تترجم عبر فعل القوانين المطبقة إلى شأن مُعاش وملموس وجارٍ كوسيط موضوعي بين مختلف المكونات التي تأسس سوريا. لذلك، ليس في وسع سوريا أن تكون دولة، إن لم تراعي معايير العدالة في علاقتها مع جميع القوميات و الأديان. فمطابقة الدولة مع فئة عرقية ما، يحولها إلى كيان آخر، مجرد تنظيم لقبلية عرقية ليس إلا.
نجد في هذه المرافعة/ الوثيقة ، بداية تعليق العمل بالقوانين في المناطق الكردية في سورية. و يضع الدكتور نورالدين ظاظا الكيفية التي بدأت بها سياسات التمييز العنصري بالتمهيد لتنفيذ بقية المشاريع العنصرية اللاحقة على ذلك التاريخ. كمشروع تجريد 120 ألف كردي من الجنسية السورية، ومشروع الحزام العربي 365 كلم و عمق 20 كلم. و تجريم اللغة و الثقافة الكردية.
ويقابل في مواجهة كل سياسة عنصرية حينذاك بنقيضها. بديلا لتعايش سلمي بين مختلف القوميات في سوريا، تحت قوس المواطنة المجردة. مواطنة غير مطابقة لعرقية مهيمنة. فلا يكتب على هوية الكردي أو الأرمني بأنه عربي سوري. بل فقط سوري. يأتي خطاب نورالدين متقاطعا في جزء منه مع أفكار آنطوان سعادة حول ماهية المكونات المؤسسة للأمة السورية. بفارق أن ظاظا سعى لأن يحرّرَ مفهوم الأرض من محدودية و إكراهات التجذر العرقي. و طرح مفهوم المجال المدني، حيث تشكل فيه المواطنة عليته وحصنه الحقوقي.
لكن، و للمفارقة، كانت الدولة السورية، قبل اتحادها مع مصر في كيان الجمهورية المتحدة 1958 1961. قد أحاطت نفسها بمتراس متحجر من الجمود العقائدي للعنصرية التي وصلت ذروة تعقيدها، في التزاوج الذي حصل بين حزب البعث العربي بقيادة ميشيل عفلق، و الحزب الاشتراكي بقيادة عراب العنصرية أكرم الحوراني. ثم جاءت الناصرية التي كانت شعاراتها متعارضة مع تطبيقاتها التي حرصت على تمجيد مفهوم الزعيم الناصري، لدرجة أنها حظرت خلال فترة حكمها في سوريا، حزب البعث من العمل. وفي حضور الزعيم تغيب المؤسسة. لذلك، لم يبقى في سوريا مجال لظهور السياسات المتفقة مع المواثيق و المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. وهو ما يعيد ظاظا تذكير القاضي به في مرافعته، رغم يقينه بأن الدولة قد تمّ تفريغها من القوانين.
يمكن اعتماد هذه المرافعة كوثيقة على ما كان وما يجب أن يؤول إليه الحال في سوريا اليوم. إذ لا مفر من الاعتراف بأن هذه الجغرافية قد تأطرت قسرا بحدود غير متطابقة موضوعيا مع الحدود الفعلية لتاريخ كل مكون من مكونات سوريا الراهنة. نحن هنا، على هذه الأرض، مع الآخرين. نُبسطُ أيدينا لنحرر تصوراتنا المتبادلة عن بعض من الكراهية. وثمة ضرورة إلى فعل من أفعال النسيان التاريخية رينان لأجل أيجاد منافذ إلى التعرُّف. أن يَعرِفَ أحدنا الآخر بالحق. دون أن يكون النسيان تبرئة للتاريخ. بل علينا أن ندين التاريخ الذي أدى إلى تبني العنصرية في سياسات الدولة السورية ضد الشعب الكردي. و من ثم تحول العنصرية إلى ايديولوجية رسمية و صريحة في الكتل السياسية المتعارضة شكلا، و المتناظرة في ماهيتها. أي النظام البعثي ومرآته الائتلاف. يشتغل النسيان التاريخي كأوالية تأسيس اجتماعي لهوية جامعة، عبر الإدانة الذاتية لأفعالنا، و التصحيح التشاركي لكل ما يمكن أن يعتبر خطأً تاريخيا.
إن أهمية هذه المرافعة لا تقتصر وحسب على توثيقها للخصوصية السياسية للشعب الكردي في سوريا. بل وأيضا، لتوفرها على نداء صريح إلى المواطنة السورية بما هي تمثيل لابديل له، للاختلاف الثري للقوميات والأديان في سوريا. ومن قدرة هذه المرافعة على تحويل الدولة إلى مدانة بالتمييز العنصري. و طرحها للبدائل السياسية الأمثل من أجل بناء دولة القانون في سوريا.
سيكون كل شيء ناقصا، وظالما، ومسكونا بالخراب، ما لم يؤخذ محتوى هذه المرافعة في اعتبار البناء الدستوري في سوريا. رغم يقيني، أن السياق التاريخي المفرغ من السياسة في سوريا، قد أثمر كل ما هو بالضد من كل سياسة حق. إلاّ أنَه لا محيد عن وضع المبدأ الأخلاقي ل ما يجب أن يكون، فوق كل ما بات كائنا كخراب سياسي و إنساني.
—————————————————————————
مذكرة د. نور الدين ظاظا
إلى سيادة رئيس محكمة أمن الدولة العسكرية العليا :
حسب طلبكم في الجلسة السابقة التي انعقدت بتاريخ 31 /12/1960 لمحاكمتنا في محكمتكم الموقرة ، اقدم إليكم بياناً بالوقائع والحوادث التي تثبت سياسة التمييز العنصري تجاه الشعب الكردي في الأقليم الشمالي في الجمهورية العربية المتحدة، أملاً أن تكون وسيلة تتفهمون بها وضع الشعب الكردي في الإقليم الشمالي، وتبرير موقفنا نحن بالذات حينما اتخذنا هذا الطريق الجماعي للوصول إلى حقوقنا الطبيعية والإنسانية .
هذا وأريد أن الفت نظر سيادتكم إلى أنني في وضعي هذا في السجن لا أستطيع إلا أن اقدم الخطوط العريضة لبعض حوادث التمييز العنصري التي أتذكرها، والتي ما زالت بعضها مستمرة إلى الآن .
سيدي : بالرغم من أن حوادث التفرقة والتمييز العنصري تجري وتطبق في مجالات عديدة ، بطرق شتى، فأريد أن اكشف لسيادتكم قبل عرض الوقائع، عن السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى تلك الوقائع والحوادث المؤسفة، وذلك السبب الرئيسي هو: أن في الإقليم الشمالي من العربية المتحدة واقع ملموس وموضوعي هو حقيقة وجود الشعب الكردي، الذي كان ولا يزال يعيش في أرضه ضمن نطاق جمهوريته العربية المتحدة، جنباً إلى جنب مع إخوانه العرب وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به . وهو غيور على هذه اللغة والعادات والتقاليد وقد حافظ على مقوماته من غناء وشعر وموسيقى ، وهي لا تقل روعة عن أية لغة من اللغات المجاورة . وقد ظل متمسكاً بها، ومحتفظاً بسماتها على مر التاريخ وتوالي العصور، فاعتنق الإسلام منذ الأيام الأولى، ولم تضع اللغة الكردية والعادات والتقاليد الكردية لدى الشعب الكردي . ونحن الآن في زمن تسعى فيه البشرية حثيثة من اجل تعاون وتفاهم الشعوب لتحقيق تقدم ورخاء افضل للإنسان، وتوطيد السلام والارتقاء بالشعوب والكرامة الإنسانية إلى مستواها اللائق . وكما قلت أن اللغة الكردية والتقاليد الكردية لدى الشعب الكردي وتمسكه بها، لم تكن في يوم من الأيام مصدراً من مصادر التفرقة والخلاف بين الشعبين العربي والكردي، وان جميع المؤتمرات والهيئات الاجتماعية، الدولية منها والشعبية، تعتبر الخصائص والمقومات الشعبية حقوقاً مشروعة وضرورية لكل شعب، فمن واجب الشعوب والدول المتقدمة تأييدها والمحافظة عليها، بل وتطويرها وتنميتها لدى الشعوب المختلفة، وعلى راس هذه الجمعيات والمؤتمرات (الجمعية العامة للأمم المتحدة) ، التي اعتبرت في ميثاقها لحقوق الإنسان مسألة قتل ثقافة شعب جرماً يعاقب عليه (مؤتمر “باندونغ” ومؤتمر “تضامن شعوب آسيا وأفريقيا” في القاهرة، وكذلك في اغلب المؤتمرات والاجتماعات التي حضرها سيادة الرئيس جمال عبد الناصر) ، وتؤكد بإصرار على حقوق الشعوب وضرورة احترام مطاليبها ورغباتها . ولي أن اذكر انه عقب زيارة سيادة الرئيس للسودان الشقيق، جاء في البيان المشترك الذي صدر عن الرئيس العربي والسوداني ما يلي بالحرف الواحد “استنكار كل سياسة ترمي لإذلال الشعوب واستعبادها، وتنقص من كرامة الإنسان بسبب اللون والجنس والعقيدة” .
قلت إن الواقع الموضوعي الملموس للشعب الكردي في الإقليم الشمالي، مع وجود تلك المواثيق والبيانات التي صدرت وتصدر عن هيئات ومؤتمرات دولية وشعبية إذ كانت الجمهورية العربية المتحدة عضواً وطرفاً فيها، يجعل من حقوق الشعب الكردي اللغوية وما إليها حقوقاً مشروعة وطبيعية للأكراد في الجمهورية العربية المتحدة، لا يمكن التغاضي عنها أو إنكارها . إن هذا الواقع من جانب، والتغاضي وإنكار السلطات هذه الحقوق على الشعب الكردي، بل واتباع سياسة طمس هذه الحقوق وسياسة صهر ودمج وتعريب الأكراد بشتى الوسائل من جانب أخر، يؤدي إلى (سياسة العنصرية) بالضرورة وبشكل حتمي، وهذه السياسة أساس كل عوامل التفرقة والتجزئة التي سأورد بعض وقائعها كما ذكرت. وقبل أن أورد تلكم الوقائع والحوادث، لا يسعني إلا أن اعرض لسيادتكم ثلاث نقاط أرجو أن تحوز على حسن تفهمكم واعتباركم لها، وهي :
– في هذا الظرف التاريخي الراقي، لم تعد حقوق الشعب مجرد قرارات وبيانات تسطر على صفحات وتحفظ بين المصنفات والأضابير، بل دخلت تلك الحقوق إلى مستواها التطبيقي العملي في بلدان عديدة من تلك التي تضم قوميات أو شعوباً متعددة، منها : يوغسلافيا، سويسرا، بلجيكا، كندا، العراق، الهند، أفغانستان، إندنوسيا، الاتحاد السوفيتي، الصين . وقد جنت هذه البلدان من وراء تطبيق المساواة التامة بين مختلف شعوبها وجعلها جميعاً تتمتع بكل حقوقها المشروعة فوائد كثيرة من النواحي السياسية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبذلك حلت مشاكلها الداخلية دون اضطرابات وقلاقل .
2- . إن التمييز العنصري لا يؤدي إلى تفسخ الأخوة العربية الكردية فحسب ، وإنما يؤدي أيضاً إلى بذر بذور الشك وعدم الثقة بين الشعبين العربي والكردي ، اللذين عاشا في إخاء ووئام طول عصور الظلام ، في عصر الحكمين العثماني والفرنسي اللعينين . فسياسة التمييز العنصري لا تضر بالأكراد فحسب ، ولكنها لا تنفع الشعب العربي في شيء أيضاً ، بل اكثر من ذلك تضر بالمصلحة الوطنية بخلق مشاكل داخلية لا مبرر لها ولا طائل منها. وبالعكس من ذلك ، فأن ترك هذه السياسة وإعطاء الأكراد حقوقهم ، التي ظلوا محرومين منها طول العصور السابقة ، تبتر تلك المشاكل من الأساس ، وتربط الأخوة العربية والكردية بروابط مادية لا تنفصم ، وتوطد أركان التضامن العربي الكردي ، وتظهر البلاد بمظهر تعاوني ديمقراطي صحيح .
– ارتقاء اللغة الكردية إلى المجال الدولي ، وكونها لغة شعبية حية تردد كلماتها وآدابها وموسيقاها في عدة إذاعات عالمية ، في مقدمتها إذاعة القاهرة والعراق وإيران والاتحاد السوفيتي ، وهي تدرس في مدارس وجامعات عدة بلدان (أوبسالا ، السويد ، ييريفان ، موسكو ، لندن ، باريس ، لينينغراد ، إيران .. الخ) . وحرمان الشعب الكردي في الإقليم الشمالي من استعمالها والتعبير عن مشاعره وعواطفه عن طريقها ، مع استعمال وسائل العنف و الإرهاب مع القائمين بها ، إنما يدفع الشعب الكردي بحكم الضرورة إلى إشباع تلك الرغبة الطبيعية بشتى الطرق والوسائل الممكنة .
أما الحوادث والوقائع التي طلبتموها فهي :
أولاً :
– عدم الاعتراف رسمياً بوجود كيان للشعب الكردي في الإقليم الشمالي ، وبفتح المجال أمام بعض الموظفين ، وخصوصاً التنفيذيين ، وبإطلاق نعوت من قبيل “شعوبي” ، “شيوعي” ، “كردي” ، “خائن” ، “يهودي” على المواطنين الأكراد دون رادع . ووصلت هذه العبارات حتى الى الصحف . فنرجو متابعة الصحف التي تصل إلى الإقليم الشمالي من لبنان عام 1958، وكذلك الصحف المصرية والسورية .
2- . في ديريك ، يستوقف مساعد شرطة ملقب ب”أبى حسن” الشخص في سوق البلدة ويسأله : أنت كردي آم مسيحي ؟” فإذا قال كردي ، يضرب ويهان على مرأى من الناس ، وربما يوقف في السجن . أرجو الاستزادة من الاظناء (“احمد ملا إبراهيم”، “عبد القادر كوي”) .
– في المناطق الكردية ، تقوم السلطات بتغيير الأسماء الكردية إلى أسماء عربية ، مع ان المعلوم آن هناك في الإقليم الشمالي قرى ومدن لا تعد ولا تحصى ذات أسماء غير عربية (مثل : دوما ، زبداني ، بلودان ، حرستا) .
– في دوائر النفوس و مخافر الشرطة ، يمنع ويهان كل من يتقدم بأوراق تسجيل أولاده بأسماء كردية .
– أوقف مدير ناحية الدرباسية المواطن “عبد الحميد سليمان” لأنه لبس العمامة الكردية على رأسه ، وهدده أن لبسها . هذا ويمكن ان تسألوا أهل الدرباسية عن الأعمال الأخرى الاستفزازية والتعسفية التي قام بها مدير الناحية في الدرباسية عام 1958
6- كتبت جريدة الطليعة التي تصدر في الإقليم الشمالي ، في عنوانها الرئيسي ، “الأخوة العربية الكردية” ، فكان من نتيجة ذلك إغلاق الجريدة واستدعاء صاحبها إلى الدوائر المسؤولة لسؤاله عن سبب كتابة ذلك ، وربما كانت هناك أسباب أخرى لإغلاق تلك الجريدة ، ولكن هذا العنوان كان السبب الرئيسي في ذلك .
ثانياً : عدم السماح بممارسة واستعمال الحقوق اللغوية والثقافية للأكراد ، وينتج عن ذلك كثير من حوادث مصادرة الكتب و الأشخاص :
– عام 1955 صودرت كتب “ألفباء” كردية من ” عثمان صبري” ، وبالرغم من محاولاته العديدة ومراجعته رئيس الدولة آنذاك ، لم ترد أليه الكتب
2- . صودرت دواوين الشاعر الكردي “جكرخوين” الشعرية ، عدة مرات ، وكذلك لم تجب طلباته في استردادها ، بالإضافة إلى كتاب “أمثال كردية”كان قد طبعه ، ولكنها صودرت وهي في المطبعة عام 1958 .
– في عام 1957 ، أوقف رجال الشعبة الثانية المواطن “عبد المجيد حاجو” لحيازته كتاباً كردياً باللغة العربية يبحث في الأكراد ، وسيق إلى دير الزور ، ثم إلى دمشق ، حيث افرج عنه هناك .
– أوقف رجال المباحث المواطن “حمزة نويران” مع عدة أشخاص آخرين من قرى الدرباسية لأن إخبارية أعطيت عنه بوجود كتب كردية لديه .
– في عام 1958 ، تقدم بعض المواطنين الأكراد من القامشلي وهم 🙁 الدكتور “احمد نافذ” ، “سليمان حاجو” ، “إبراهيم متيني” ، يوسف ميرزار” ، “عبد الحميد شيخموس” ، “جميل إبراهيم”) بطلب رخصة لنادي ثقافي . وبالرغم من انهم اختاروا لهذا النادي اسم “نادي جمال عبد الناصر الثقافي” ، فقد رفض طلبهم ، رغم وجود ناد للسريان ، وناديين للأرمن في القامشلي ، عدا مدارسهم الابتدائية والثانوية .
– في عام 1957 ، دخل رقيب من الشعبة الثانية إلى المقهى العام في القامشلي واخذ يحطم الاسطوانات الكردية ، بالرغم من وجود اسطوانات أخرى تركية و أرمنية .
ثالثاً : أن النظرة العنصرية تؤدي إلى حرمان الأكراد من حقوقهم كمواطنين ، ومن الدلائل على ذلك :
1- . في جنوب الجزيرة ، بين الحسكة وتل كوجك (تل كوجر) توجد ارض أملاك الدولة ، وتعرف باسم “الرد” . وقد قامت السلطة بتوزيعها على أفراد العشائر ، ولكنها خصت بها العرب دون الأكراد ، ولم يستفد منها كردي واحد ، مع العلم أن الذين وزعت عليهم تلك الأراضي لا يقومون باستغلالها بأنفسهم بل يؤجرونها إلى ذوي المصالح ، وهم أنفسهم من الرحل المتنقلين .
– في قضايا العقارات المختلف عليها بين العرب والأكراد ، ينحاز الموظفون إلى جانب العرب ويساندوهم بتقاريرهم وكشوفاتهم بامتلاك هذه العقارات ، وهذا الشيء يلاحظ بين عشيرتي “جبور” و “شمر” العربيتين وعشيرتي “ميرسينا” و “العباسة” الكرديتين .
– غالبية الأكراد غير مسجلين بدوائر النفوس ، وبالتالي فهم محرومون من حقوق الانتخابات وخدمة العلم والتعليم ، كما يمكن أن يحرموا من قانون الإصلاح الزراعي . ولذلك ، يتقدمون بمعاملات تسجيل المكتومين ،مع العلم أن هذه المعاملات التي يتقدم بها أفراد العشائر العربية تنتهي بسرعة وبدون عرقلة ، فيكفي أن يثبت الفرد منهم أنه من الفخذ الفلاني أو البطن الفلاني .
4- . تم طرد وترسيب معظم الطلاب الأكراد في الامتحانات في المدارس الثانوية ، رغم انهم كانوا بارزين ومتفوقين . أرجو السؤال والاستفسار عن هذه الناحية من أفراد مدينة القامشلي ، منهم “سامي ملا احمد نامي” .
– انتخب من منطقة الجزيرة (14) نائباً ، منهم كرديان ومسيحي وجاجاني و (10) عرب، رغم أن الأكثرية الساحقة من السكان هم من الأكراد . ومما يلاحظ أنه يوجد (3) نواب من عشيرة “شمر” وعدد أفرادها في سوريا لا يتجاوز الأربعة آلاف ، وسكان مدينة القامشلي وحدها من الأكراد لا يقلون عن (30) ألف نسمة . إلا يحق للأكراد أن يتساءلوا عن سبب هذه النسبة غير العادلة ؟
رابعاً : أن سياسة التميز العنصري تدفع بعض المسؤولين إلى القيام بأعمال تجاه الأكراد تمسهم في كرامتهم الوطنية و تشعرهم بانهم أناس غير موثوقين ، ومن هذه الأعمال :
في السنتين الأخيرتين ، سرح كثير من الموظفين الأكراد ، وخاصة المعلمين ، أما الذين لم يسرحوا فقد أبعدوا عن مناطقهم ، دون مبرر سوى انهم أكراد ، بالرغم من ان الموظفين العرب الموجودين في المناطق الكردية مضطرين للاستعانة بالترجمة للتفاهم مع المواطنين . هذا بالإضافة إلى انه لم يسجل في المدة الأخيرة في المعاهد ، مثل دور المعلمين و البعثات الحكومية ومدارس الشرطة والكليات العسكرية ، إلا عدد قليل يعد على أصابع اليد الواحدة من الأكراد المتقدمين ، دون مبررات قانونية .
– في ربيع عام 1958 ، أقدم شخص كردي على خطف زوجة “عبد الرحمن المدلول” ، أحد شيوخ عشيرة “شمر” فقام أفراد هذه العشيرة ، المسلحين بالبواريد والبنادق الرشاشة ، بالتفتيش عنهما في كل مكان ، ولكنهم قاموا بأعمال انتقامية وتعسفية في القرى الكردية فقط ، فكانوا يعتقلون مخاتير ووجهاء هذه القرى ويربطونهم ، ويدلونهم في الآبار ويعفرونهم بعد ذلك بالتراب ، بالإضافة إلى الضرب والإهانات الأخرى ؛ إلى أن عثر قائد فصيل شرطة “ديريك” على الرجل والمرأة و أوقفهما في سجن “ديريك” . ولما سمع أفراد عشيرة شمر بذلك ، ذهبت جموعهم المسلحة إلى هنالك وهددوا القائم مقام و قائد الفصيل وغيره من الموظفين لتسليمهم الشخصين ، أو أنهم سيأخذونهما بالقوة . فسلمتهم السلطات الشخصين ، بعد الاتفاق مع سلطات القامشلي والحسكة فأخذوهما إلى قراهم ، حيث قتلوهما مع ابنة صغيرة من زوجها ، لم يتجاوز عمرها (6) سنوات . وقد قام بعض الأكراد من تلك القرى وغيرها بإرسال برقيات احتجاج إلى السلطات المسؤولة في الحسكة ودمشق ؛ ولم يكن الاحتجاج بسبب الرجل الكردي المعتقل ، لأن الأكراد هناك لا يزالون عشائريين ، يقدرون قضايا الشرف والعرف ، وإنما كان الاحتجاج ضد تصرفات رجال الشمر التعسفية الانتقامية ضد الأبرياء من سكان تلك القرى . وبالرغم من أن هذا الاحتجاج كان تلقائياً لدى الناس ، وكان ذلك ضمن ما يمكن أن يأتي به مواطن ذو ضمير، لكن السلطات اعتبرت مرسلي البرقيات مشاغبين ، فقدمتهم إلى محاكم أمن الدولة في القامشلي بتهمة إثارة النعرات العنصرية. أما بالنسبة إلى “الشمر” فقد أوقفت السلطات أربعة عشر شخصاً توقيفاً إدارياً ، ثم أفرجت عنهم دون محاكمة وكأنه لم يحدث شيء .
3- –منذ سنة ونصف تقريباً ، جمعت أسلحة المقاومة الشعبية من الأكراد فقط ، بينما بقيت لدى العرب .
وقبل أن أنهي هذه الحوادث ، أريد أن أسرد لسيادتكم حادثتين لهما علاقة مباشرة بي شخصياً:
– في أيلول 1958 ، أردت الذهاب إلى الخارج للقيام ببعض الأمور المتعلقة بعملي الخاص كوكيل عام لبعض معامل الأدوية . ذهبت إلى المطار وأنا مستوفي كل المعاملات و الشروط اللازمة للسفر إلى الخارج ، ويلزم فقط أن يؤشر ضابط الأمن .ولما قابلته اخبرني بأنني ممنوع على مغادرة البلاد بأي شكل كان . وسحب مني جواز السفر . وحدث هذا بينما انا في انتظار الصعود إلى الطائرة ، وإذا باسمي يذاع في المكبرة لمراجعة ضابط الأمن ، وحدث ما رويته . ولما راجعت وزارة الداخلية وقدمت طلباً للاستفسار عن هذه المعاملة ، احالوني إلى المكتب الخاص ، وهناك احالوني إلى وزارة الداخلية ، وهكذا عدة مرات . وفي النهاية طلبت مقابلة وزير الداخلية فلم أوفق ، فعلمت أنه لا طائل من المراجعة فتركتها . ولا أزال احتفظ بوصل الطلب الذي قدمته بين كتبي .
– وفي نيسان 1960 ، أردت الذهاب إلى حمامات الحمة للاستشفاء من مرض الروماتيزم . وبعد أن اخذ الموظف المختص الطلب في المحطة ، طلب مراجعته بعد الظهر . ولما راجعته ، قال لي أنهم لم يوافقوا على طلبي ، وسلمني ظرفاً فيه هويتي مكتوب عليه (عدم الموافقة) بالخط الأحمر .وقد اخذ رجال المباحث هذا الطلب أثناء تفتيش منزلي .أما الموظف الذي أعلمني في المحطة ، فأذكر أن اسمه كان “محمد المدني ” . وأنني الآن أتساءل كمواطن له حق و حرية التنقل ، هل هناك مانع يحرمني و يمنعني من ذلك سوى صفتي الكردية ؟ كل هذه الأمور وعشرات غيرها تجري علانية وفي الخفاء ، وتسيء إلي الأخوة العربية و الكردية ، و التضامن بين الشعبين ، وتكون سبباً لعقد نفسية وشعور غريب لدى الأكراد . آمل وضع حد لها والنظر إلي الأكراد نظرة واقعية تتناسب مع واقعهم الموضوعي كمواطنين عاديين في الجمهورية العربية المتحدة ولكنهم أكراد . وأن تقتنع السلطات المسؤولة بأن طريق الحل إلى مشاكل الشعب الكردي في الإقليم الشمالي ليست الإعتقالات والسجون والتعذيب ، وأن القضية تتطلب نظرة جديدة لهذا الواقع الذي نحن فيه وحلاً جذرياً لرغبات ومطالب الأكراد العادية والطبيعية . وان محكمتكم الموقرة سوف تلعب دورها الإيجابي في هذه القضية بمساندتها للمظلومين والمحرومين وكشفها الحقائق المرة والدوافع الشريفة المخلصة لأعمالنا موضوع الاهتمام .
نور الدين ظاظا.[1]