عبد الحميد محمد
تميزت سري كانيه ولفترة ليست ببعيدة بكثرة ينابيعها العذبة الصافية التي كانت تحيط بالمدينة خاصة من القسم الجنوبي مشكّلة مع التلال الصغيرة نموذجاً مصغراً عن الطبيعة الكاملة، أذ كانت تتميز ينابيعها بوجود أحجار ملونة وصخور بيضاء تبهج عين الناظر ودهشة الزائر، حيث ذكر المؤرخون بأنها كانت تحوي 365 نبعاً أي بعدد أيام السنة. وقد ذكرها (ياقوت الحموي) في كتابه “معجم البلدان” بأنها مدينة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين.
أسماء عدة ل “سري كانيه”
وقد سُميت ب “رأس العين” نسبة إلى موقعها فهي تقع على أكبر عيون منابع نهر الخابور الذي كان بمر بها التجار إلى بغداد وبقية مدن ما بين النهرين.
وتعد سري كانيه قديمة ببنائها بقدم التاريخ وكانت تعرف باسم (كابارا) في العهد الآرامي و(كوزانا) في العهد الآشوري وكانت تعرف ب (رازينا وريسن) في العهد الروماني، ثم سميت “رش عينوه” وبعد ذلك سميت قطف الزهور وعين ورد وأخيراً سميت ب “رأس العين” أو “سري كانيه” باسمها الحالي.
كانت مركزاً تجارياً ومصيافاً
وقد كانت رأس العين/ سري كانيه في العصر العباسي مركزا تجارياً هاماً ومحطة مهمة للقوافل التجارية وقد كانت مصيفاً للخليفة العباسي (المتوكل) وغيره من الخلفاء العباسيين حتى أنه وفقاً لبعض الروايات كان الخليفة العباسي هارون الرشيد عندما يسافر لبغداد كان يستريح من تعب السفر في سري كانيه لنقاء هوائها وخضرة أراضيها وصفاء مياهها، وروى البعض أنه كان يرمي الدنانير الفضية والذهبية في الينابيع وكان الأهالي يرونها في قاع النبع من شدة صفائه ثم يغوصون ويستخرجونها.
كما اتخذ منها القائد صلاح الدين الأيوبي مركزاً لاستراحته لمدة عام كامل أثناء فتحه للجزيرة العليا وشمال العراق وحلب.
موطن عمران وحضارة
ولا يخفى ما كان للمياه من شأن كبير في جذب الأقوام وتوفير مقومات الاستقرار والسكن ولذلك كانت منطقة الخابور وينابيعها توفر بشكل خاص عقدة مواصلات هامة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. وقد هيأتها هذه الظروف الاستثنائية لأن تكون موطن عمران وحضارة منذ فجر التاريخ. وتشكل مدينة رأس العين أقدم مظهر حضاري على مستوى العالم وهذا ما باحت به المستكشفات الأثرية في تل حلف فقد دلت على وجود شعب عامل نشيط عرفه التاريخ باسم الشعب (السوباري) الذي أسس دولة واسعة الأطراف. وكانت عاصمة الدولة التي شكلها السوباري هي (تل حلف) ويعود ذلك الى الألف الرابع قبل الميلاد.
مواقع أثرية وذاكرة العصور
وسري كانيه بالإضافة لتل حلف وتل الفخيرية هي مواقع تختزن تاريخ المنطقة وذاكرة العصور لمدة تزيد عن ستة آلاف سنة، أي أنها منطقة غنية بالآثار التي تدل على تعاقب الحضارات الأصلية القديمة جداً والتي ربما كانت موجودة قبل حضارة الفراعنة ولكن بسبب قلة التنقيب والاهتمام من قِبل علماء الآثار وكشف حقيقة ما تخفيه المنطقة من كنوز تاريخية وعلمية وعمرانية لازالت العناوين الحقيقية لتلك الحضارية لم تبصر النور بعد.
ولكنها ومهما توالت عليها الأيام سيأتي يوم بالتأكيد وستبصر به هذه الحضارات النور وتبهر العالم بما تحتويه من تاريخ وتعود بالفائدة على منطقة روج آفا لأنها بالتأكيد ستصبح منطقة سياحية يأمّها العلماء وعامة الناس، كما كانت مدينة سري كانيه أو رأس العين مقصداً لجميع أهالي الجزيرة كونها كانت تشتهر ببعض الحدائق السياحية للترفيه على زائريها.[1]