إعداد/ آرين شنكالي
أحياء دمشق شاهدة على جرائم الغزاة:
تخفي أغلب الأحياء الدمشقية والمعالم فيها حكايات تاريخية تقشعر لها الأبدان وتكشف الوجه القبيح للدولة العثمانية وأحفادها المتباكين على إرثها الآن، ففي ساحة المرجة بقلب العاصمة السورية دمشق، يوجد ساري كبير سيبقى شاهداً على جرائم الأتراك في سوريا فهذا الساري كان في موضعه منذ قرون بات واحداً من أكبر دلائل الفظائع التي استخدمت في إعدام المعارضين السياسيين وهو يسمى الخازوق.
ولم تقتصر جرائم العثمانيين على هذا الشيء وإنما هجروا الأهالي، وفرضوا الضرائب، ونكلوا بأهل الذمة وأصدروا مراسيم مشددة بألا يركبوا الخيل ولا الحمير في وجود مسلمين داخل المدن.
طوال أربعة قرون من الطغيان والنهب والانتهاكات تبين بأن الأتراك شعب يعيش على هذه الجرائم وليس صانع حضارة فكانت دولتهم دائماً سلطة الغرامات والضرائب والنهب والإتاوات، ولم يبرعوا في تجارة ولا صناعة وكان نصيب الشام وافراً من لعنتهم منذ عام 1516م. حتى خروجهم عام 1918م.
المؤرخ الدمشقي شمس الدين بن طولون المعاصر للمآسي والذي كان شاهد عيان على المهازل التي ارتكبها الاحتلال العثماني يقص ما رآه في كتابه “مفاكهة الخلان في حوادث الزمان”:
“وبعد موقعة مرج دابق عام 1516 التي انهزم فيها المماليك أمام العثمانيين، دخل السلطان سليم حلب، وكان أول عمله نهب مال قلعة حلب وأموال السكان حتى صار له مئة وثمانية عشر حملاً من الأموال، وقد سلم السكان المدن اتقاءً لشر الجنود إلا أن هذا التسليم لم ينقذهم من النهب”.
العثمانيون…القتل سيد الأحكام:
منذ بداية دخول السلطان سليم الأول للشام عبّر عن احتقاره للعلماء والطلبة، ويقول ابن طولون: “لم يجتمع ملك الروم سليم خان بجمع الطلبة وعلماء الشام في دمشق، واجتمع مع الإفرنج وقنصل الإفرنج”.
ولم يخف العثمانيون وجههم الحقيقي طويلاً فبعد يومين من دخول دمشق قاموا بعملية السلب الممنهج للمدينة ويقول ابن طولون: “في يوم الثلاثاء، هجمت العساكر الرومية على دمشق وضواحيها، وأخرجت أناس كثيرة من بيوتهم ورُميت حوائجهم ومؤنهم وتعرضوا لشدة لم تقع على أهل دمشق من قبل”.
واتسمت حقبة حكم العثمانيين بأن لا قانون لها فلم يعرفوا قانوناً سوى القتل، فكان الخازوق وسيلتهم المفضلة في تنفيذ أحكامهم البربرية التي تخالف كافة القوانين والشرائع. وكل ما حل السلطان سليم الأول في مكان حلت اللعنة على أهله حيث ينهبون البيوت ويصادرون حتى الأطعمة ويسخرون من الأهالي لخدمة السلطان. وبحسب بعض الكتب صدر أمر سلطاني بمصادرة جزء كبير من القمح والشعير من بيوت أهل دمشق. وألغى العثمانيون ملكية الأراضي الزراعية وأعلنوا ضمها إلى ملكية السلطان.
ونهب السلطان سليم أموال الناس بحيلة خبيثة، عبر صك “عملة” جديدة وخفض قيمة القديمة، ما أدى إلى خسارة كبيرة لجميع الناس وقال ابن طولون: “نودي على الفلوس الجدد التي ضربت باسم الملك المظفر سليم خان، كل ستة عشر فلساً بدرهم، بعدما كانت كل ثمانية بدرهم، فذهب للناس مال كثير في ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
فيما نقل المؤرخ المعاصر للأحداث ابن الحمصي في كتابه “حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران” هذه الفظائع بقوله: “دخلوا البلد ونهبوا قماش الناس وحوائجهم ونهبوا دكاكين السوقة ولم يتركوا لأحد شيئاً في الدكاكين، ونهبوا البيوت والضياع ولم يسلم أحد منهم إلا ما قل، وارتجت دمشق رجة عظيمة أعظم من وقعة تيمور لنك، وأخذوا من دمشق حريماً كثيراً وأولاداً وعبيداً ولم يخلوا فيها لأحد فرساً ولا بغل”.
جهل ديني وتعصب أعمى:
وأظهر العسكر الأتراك تعصباً للمذهب الحنفي عن جهل فيما هاجموا المذاهب الأخرى ومنعوهم من الصلاة، كل ما دخل العثمانيون منطقة حتى ارتفعت الأسعار وتفشت المجاعة وذلك بسبب النهب فيقول ابن طولون: “لما دخلت العساكر العثمانية دمشق مع السلطان سليمان خان أغاروا على المدينة وغوطتها فنهبوا كل شيء وصلت إليه أيديهم وأخرجوا الناس من بيوتهم.
وكان العثمانيون يتدخلون بأدق التفاصيل وصولاً إلى اللباس وذلك رغبة منهم في إذلال الناس، يقول ابن طولون: “نادى –الدفتردار- بأن لا يخرج أحد من بيته إلا بلبس سراويل عليه، ومن خرج بعد ثلاثة أيام بلا سروال خُصي”، وكعادتهم أمعن الأتراك في اضطهاد المسيحين، وصدر منشور سلطاني جاء فيه “لا يركب فرساً ولا حماراً ولا غير ذلك نصراني ولا يهودي ولا سامري ولا أفرنجي في دمشق ” حسب ابن طولون.
قتل ما يزيد عن أربعين ألف علوي في مجزرة التل بحلب:
عندما دخل السلطان سليم الأول مدينة حلب بعد معركة مرج دابق عام 1516 ارتكب مجزرة بحق أبناء الطائفة المسلمة العلوية والتي أدّت إلى شبه إنهاء الوجود العلوي في مدينة حلب، وتعرف هذه المجزرة ب “مجزرة التل”. إذ عمد الجيش العثماني على تجميع رؤوس القتلى على شاكلة تلة وسط المدينة على بعد 2 كم غرباً من قلعة حلب، ولذلك عرفت المجزرة بهذا الاسم. ويقدر عدد العلويين الذين ذبحهم وقتلهم العثمانيون في حلب ب 40 ألفاً، في حين أن مصادر أخرى تتحدث عن 90 ألفاً من الرجال والنساء والأطفال، فيما أُجبر من نجى من الموت على التوجه إلى جبال اللاذقية. [1]