إعداد/ هايستان روناهي
حلم تأسيس دولة كردية مستقلة تمنح الأكراد حقوقهم فيها ظل يراود الملايين منهم المنتشرين بين أربع دول في الشرق الأوسط، وهي تركيا وإيران وسوريا والعراق، محاولات عديدة لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة انتهت بالفشل للأسف بعد تدخل قوى المنطقة لتقويض الدولة الكردية المنشودة، ظل الكرد وما يزالون ضحية لقوى دولية وإقليمية وصراعات حزبية ضيقة بسبب المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية العسكرية، يذهبون ضحايا تلك المصالح على حساب تاريخهم وجغرافيتهم.
جمهورية مهاباد الكردية التي اضمحلت وهي في مهدها لم ترَ النور سوى أقل من سنة، تلك الجمهورية العظيمة التي ماتزال محفورة في ذاكرة وقلوب الكردستانيين قاطبة وإيران خاصة، حيث كان الكرد في إيران من بين تلك القوميات التي حرمت من حقوقها القومية في عهد رضا شاه وقبله، وكانت سياسة طهران هي طمس الثقافة الكردية ومعالم تاريخها، وكذلك سياسة التهجير وتجريد الكرد من أسلحتهم، حاولت بريطانيا أن تدعم الحكومة الإيرانية، أما الاتحاد السوفيتي فكان متأرجحاً ومتقلباً بشأن الطموحات الكردية، حيث أخبروا الكرد بأن الاتحاد السوفيتي يدعم حق تقرير المصير للأقليات، لكن الظروف لم تكن ناضجة بعد للاستقلال الكردي، وبعد تلبية القائد الكردي قاضي محمد لطلب السوفييت بتشكيل وفد مكون من رؤساء العشائر لزيارة “باكو” للحوار وترأس الوفد قاضي محمد، وكانت حاجة الوفد إلى دعم عسكري ومالي لقيام جمهورية كردية، فأخبرهم “باقروف” أن قيام حكومة كردية في إيران موضوع سابق لأوانه، ولكنه وعد الوفد الكردي أنه سيدعمهم عسكرياً ومالياً.
إعلان جمهورية مهاباد:
وفي الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 1946، وسط احتفال كبير وأمام حشد من الكرد والعديد من رؤساء العشائر ورجال الدين، أعلن القاضي محمد في ساحة (جار جرا- المشاعل الأربعة) في مهاباد عن تأسيس جمهورية مهاباد الكردية ورفع العلم الكردي لأول مرة، وانتخب ممثلو جميع الطوائف والعشائر القاضي محمد ليصبح رئيس جمهورية مهاباد، ثم ألقى القاضي محمد خطاباً جماهيرياً في وسط مهاباد مستعرضاً تاريخ شعبه الكردي مؤكداً أن لشعبه الحق في تقرير مصيره، ودعا في نهاية خطابه إلى توحيد صفوف الكرد واستغلال هذه الفرصة التاريخية لتحقيق الدولة الكردية والتطلع نحو الاستقلال والحرية.
وانتشرت رسالة القاضي محمد بين الناس بسرعة البرق، وتوسعت القاعدة الشعبية لأعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في المدينة، لتحوي أغلب الشباب والشيوخ وحتى النساء، وشجع القاضي محمد المرأة في الدخول في العملية السياسية الاجتماعية، وحث على مشاركة المرأة مشاركة أساسية لأول مرة وكذلك أسس أتحاد النساء في جمهورية مهاباد، على الرغم من أن هذه الجمهورية لم تدم أكثر من أحد عشر شهراً، إلا أنها كانت حافلة بالمنجزات العظيمة، فأسست محطة للإذاعة وسينما جوالة لتوعية الكرد، وازدهارٍ الثقافة في كل المجالات وإصدار صحف ومجلات، دور النشر، تأسيس مطبعة كردستان، فتح المدارس لكلا الجنسين باللغة الكردية.
حلم تحقق واندثر خلال مدة وجيزة دام فقط ثلاثمائة وثلاثين يوماً بسبب اعتماد الكرد على الدعم السوفيتي الذي انسحب بكل سهولة ولم يفي بوعوه لهم، وحصول الحكومة الإيرانية على دعم بريطاني أميركي واستغلت انسحاب القوات السوفياتية لتقتحم أراضي مهاباد وتقضي على الجمهورية هناك وأعدمت القاضي محمد، مهاباد الكردية التي ستبقى رغم الانكسار نجمة تلمع في سماء الكرد. [1]