علي مسلم [1]
يعيش الكرد موزعين في بعض المدن السورية الرئيسية كدمشق وحلب واللاذقية وحمص بالإضافة إلى أماكن تواجدهم الأصلية في كل من محافظات الحسكة وحلب والرقة وإدلب وحماة وجبل الكرد في اللاذقية كما الحال لدى باقي المكونات ، وقد نجحوا مع الزمن في بناء علاقات اقتصادية واجتماعية مشتركة مع الجوار المتباين في الارياف والمدن كتعبير حقيقي عن قابلية الانسجام وإمكانية التعايش المشترك فيما لو توفرت أسس دستورية وقانونية واضحة من شأنها صيانة هذا التعايش وتطوير هذا الانسجام وضبط العلاقة بينهم بشكل ديموقراطي وفق مفهوم تشاركي وطني توافقي منسجم مع شرائع حقوق الإنسان وجوهر القانون الدولي وعلى أساس عقد اجتماعي واضح وصريح يحافظ على النسيج الوطني المتشكل ويصون حقوق الجميع دونما فرض أو إكراه ، وقد استمد هذا التعايش المشترك قوته من وحدة المصير ووحدة الانتماء الذي تعزز عبر الاندفاع الطوعي من الجميع للدفاع عن حرمة تراب الوطن وحرية مكوناته خصوصاً في مرحلة الانتداب الفرنسي حيث خرج الكرد كما الجميع للدفاع عن سورية الوطن وشهدت المناطق الكردية بدءاً من احياء دمشق والغوطة وجبل الكرد في اللاذقية ومناطق حلب والجزيرة في الشمال انتفاضات وثورات متلاحقة وقدموا على ثراها قوافل من الشهداء وعلى راسهم يوسف العظمة أول وزير دفاع سوري لكن وبعد تحقيق الاستقلال وجلاء القوات الفرنسية عن أرض الوطن في 17 نيسان عام 1946 جرى العديد من المتحولات الدراماتيكية ساهمت الى حد كبير في سطوة القوميين العرب على مجمل مفاصل الحياة بدءاً من مرحلة الوحدة مع مصر (1958 – 1961 ) ومرحلة الانفصال وانتهاء بمرحلة سطوة البعثيين على السلطة عام 1963 وتم على أساسها حرمان ابناء القوميات الاخرى خصوصاً الكرد من المساهمة الفعلية في بناء الحياة السياسية وتم استهداف التعايش المتشكل نتيجة الاستفراد بالسلطة وفرض ثقافة القومية الواحدة ، فحالة التعايش المشتركة لم تكن وليدة الجبر والإكراه بقدر ما كانت وليدة القناعة والإحساس بوحدة الوطن وبالتالي وحدة المصير وتمثل ذلك جلياً في السعي الى استهداف الكرد أولاً عبر اجراءات ومراسيم شوفينية عززت الاجراءات الاستثنائية التي تمت في مرحلة الانفصال سيما حالات التجريد من الجنسية التي طالت ما يزيد على ال 150000 الف مدني كردي وسياسات التعريب التي طالت الانسان والمكان والاستبعاد الممنهج من المناصب السيادية العسكرية منها والسياسية وحرمانهم من الاستفادة من قانون الاصلاح الزراعي في محافظة الحسكة والتي كانت بداية لمشروع عنصري شوفيني صنعها النظام البعثي كمقدمة لبداية صراع بين الكرد وباقي المكونات السورية مستقبلا خدمة لمشروع لا يمت الى الواقع الوطني السوري بأية صلة سوى زرع الشقاق بينهم لتمرير المشروع البعثي عن طريق ضربهم ببعض كون الدولة البعثية حالها كحال باقي الأنظمة التي تكونت بعد انتهاء الحرب الكونية الاولى والتي كرست مفهوم الدولة المركزية الاستبدادية والتي تحولت الى دولة الحزب ثم دولة الطائفة ومن ثم دولة العائلة وذلك على حساب التعددية السياسية الديموقراطية مستغلة تنامي النهوض القومي وحلم بناء الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج .
وقد حاول الكرد خلال تلك المراحل الدفاع سياسياً عن وجودهم المتجذر سلمياً عبر الانخراط في جمعيات واحزاب وطنية وقومية بغية ازالة الغبن والانكار الذي طال وجودهم التاريخي وبالتالي الاطمئنان على مستقبلهم حيث كانوا متهمين على الدوام بانهم يسعون الى ضرب اللحمة الوطنية ويعملون لصالح جهات معادية للوطن ويسيرون في جهة وهن نفسية الامة الى آخر ذلك من تهم من أجل توسيع الشرخ المجتمعي بينهم وبين اقرانهم من القوميات الاخرى ما أمكن .
اذا نستطيع ان نستخلص وفق هذا السرد السريع ما هو المطلوب وطنيا وما هو المطلوب من كل مكون على حدة:
أولا: المطلوب من المعارضة السورية ذات الطابع العربي السني
يقع على عاتق هذا المكون المسؤولية الكبرى ليس لأنه المكون الأساسي فحسب بل لأنه كان بمثابة الحاضن للمشروع القومي العربي الذي عمل عليه النظام ، هذا المشروع السياسي الذي مزق عبره النظام النسيج المجتمعي الذي كان قائما قبل ذلك بحيث اعتبر ان باقي المكونات غير العربية انما هي بمثابة حالات لاجئة ودخيلة على الحالة الوطنية السورية و تعمل على اقتطاع وتجزئة الوطن السوري وضم الأجزاء الى دول أخرى مما فسح المجال امام ذاك التوجه في تمرير جملة من المشاريع مثل استدامة الاحصاء الاستثنائي الذي جرد بموجبه اكثر من150000 مواطن كردي من الجنسية السورية آنذاك والذي حرمه من حق التعلم والسفر والتملك كذلك الامر بالنسبة لمشروع الحزام العربي والذي تم وفقه إفراغ مساحات حدودية واسعة من سكانها الكرد المتاخمة للدولة التركية وجلب الاخرين الى مناطق سكناهم وبناء ما يشبه الكانتونات لهم اضافة الى حرمان المناطق الكردية من المعاهد الدراسية والتجمعات الصناعية في خطة كانت ترمي الى الإفراغ الاختياري للسكان من مناطقهم ولجوئهم الى المدن المتروبولية لغرض العمل والتعلم كل هذه الامور لم تلقى المعارضة من لدن هذا المكون الاساسي مما خلق حالة من عدم الثقة لدى ابناء الشعب الكردي المتضرر الاكبر ، لذلك عليها المبادرة الفورية لبناء جسور الثقة من جديد واعادة التوازن للتشابك المجتمعي وترسيخ مفهوم الشراكة الوطنية الحقيقية على اسس دستورية ،بحيث تتضمن النقاط التالية :
1- الإقرار بالوجود التاريخي لهذه المكونات على أرض الوطن السوري مدعومة بالوثائق والادلة وذلك قبل وبعد تشكل الدولة السورية وضرورة الإشارة الى اتفاقيات سايكس بيكو عام 1916وتبعاتها الجغرافية حيث تم ذلك دون راي المكونات حينها .
2- الإقرار بالدور التاريخي للمكونات ( كل مكون على حدة ) في بلورة وتشكيل مقومات الدولة السورية وذلك بانخراطهم في الدفاع عنها عبر كل مراحلها التاريخية خصوصا مرحلة الانتداب الفرنسي وما تلاها من مراحل .
3- الإشارة الى الدور التاريخي للرموز الوطنية لكل مكون على حدة وتسميتهم والتعريف بهم وشرح ما قاموا به من ادوار وذلك بالاعتماد على الوثائق الموجودة والتي كانت محجوبة طيلة السنين الماضية .
4- الإشارة الى الجانب التراثي الثقافي منها والفلكلوري لكل مكون ودور كل منها في رفد الفلكلور والمخزون الفكري الوطني العام .
5- القيام بتعداد حقيقي للسكان تقوم بها لجان وطنية مختلطة تمهد لحالة انتخابية حقيقية يتحدد وفقها مصير وشكل الدولة المنشودة بحيث تكون معبرة عن التطلعات السياسية للجميع بشكل حقيقي وبمراقبة واشراف جهات دولية محايدة .
المطلوب من المكونات الاخرى غير العربية
بناء على ما تقدم وبالنظر الى حالات الفرقة الموجودة على مستوى الأعراق والأديان وأشكال النزاعات الموجودة والتي قد تتحول إلى أشكال صدامية قومية او طائفية هذا من جهة ومن جهة أخرى النزاع المتكون بين المواطن والدولة، وبين الريف والمدينة الناتج أصلا من ثقافة الإستبداد هذا الميراث الثقيل الذي سيلاحقنا لعقود نحو المستقبل، نجد ان المكونات غير العربية كانت وما زالت مغيبة عن المسرح الوطني الرسمي وكانوا يعاملون على أساس المواطن الثانوي لذلك عليهم أن يبادروا إلى إعادة بناء الذات الوطنية من جديد من جهة التعريف الحقيقي بواقع وجودهم وتأطير حقوقهم بحيث تكون منسجمة مع الواقع وان لا تكون مبنية على أساس الانتقاص من حقوق الآخرين من خلال توحيد الإرادة بحيث يصل كل مكون عرقي او ديني الى هيكلية تمثيلية تكون بمثابة مركز قرار لها بحيث تكون ممثلة للغالبية المطلقة من تلك المكونات ومصدر تشريعي يفاوض على مصير هذا المكون في خارطة سوريا المستقبلية
بعد وصول المكونات كل على حدة إلى شكل من التمثيل الخاص بهم وإجراء تعداد حقيقي للسكان بشكله العام والتعداد السكاني ضمن كل مكون تحت إشراف ومراقبة جهات دولية محايدة يتم الدعوة إلى مؤتمر وطني عام وشامل يتم من خلاله تقرير مصير الدولة السورية بما فيها شكل الدولة السياسي وكذلك إقرار وانتخاب لجنة وطنية لصياغة الدستور وفق جدول زمني يحدد من خلال هذا المؤتمر وتكون القرارات الصادرة بمثابة القرارات الدستورية الملزمة للجميع وبضمانة دولية واضحة
شكل الدولة السورية القادمة :
من القضايا المهمة التي سوف تواجه السوريين هي شكل الدولة السورية المرتقبة وكذلك مستقبل التلون المذهبي والاثني على مستوى الجغرافية السورية عموما وهذا التلون قد يقود الى شكل من النزاع المتعدد الاشكال وقد لا تنتهي بسهولة لذلك يتوجب وضع دستور توافقي يصون الحقوق المختلفة للجميع وهذا الدستور سيكون دستورا يعتمد اللامركزية بحيث يتم توزيع السلطات المختلفة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) بين المركز في العاصمة والاقاليم التي يتم اعتمادها بعيدا عن المركزية المستبدة على مستوى عموم البلاد إلى جانب دساتير فرعية محلية خاصة بكل اقليم بعد الاتفاق على عدد الاقاليم وشكلها عن طريق استفتاء عام بحيث يحقق توازنا منطقيا على المستويات الاساسية التالية:
1- اللغة يجب الاقرار بوجود اكثر من حالة قومية في الدستور المنشود موزعة بشكل فسيفسائي وبالتالي سوف يكون هناك لغة رئيسية مشتركة بين الجميع ولغة محلية لكل اقليم الى جانب اللغة الرئيسية بحيث يتم التعليم بأكثر من لغة في كل اقليم ففي اقليم الجزيرة مثلا يتم تدريس اللغة الكردية الى جانب اللغة العربية في المراحل الانتقالية للصفوف البدائية والمتوسطة وفق جدول زمني ولمدة محددة يتم بعدها الانتقال الى الصفوف العليا فالأعلى وهكذا الحال بالنسبة للأقاليم الاخرى بحيث تختص اللغة المحلية في الجانب التعليمي الصرف كمرحلة اولى لكي نصل بكل مكون الى مستوى لغوي اكاديمي ليصار الى اعتماده كلغة علمية وتعليمية بعد مدة يتم تحديدها مسبقا وخلال تلك الفترة تعتمد اللغة الرئيسية كلغة علمية .
2- يتم الاتفاق في الدستور الرئيسي على المكونات الاساسية والمكونات الثانوية على المستوى القومي من خلال معايير قانونية دولية للانتقال الى تحديد عدد الاقاليم فمثلا وجود الاقلية الارمنية في حلب كمكون ثانوي الى جانب المكونين الرئيسيين العربي والكردي
3- تحديد علم رئيسي للدولة يأخذ في الاعتبار كل المكونات من ناحية الدلالة والرمز(العلم الوطني) الى جانب الاعلام المحلية ويتفق دستوريا على اي من العلمين سوف يكون الاعلى
4- يقر الدستور ا بحرية كل مكون في تبني رموزها الوطنية وكذلك الامر بالنسبة للأعياد والمناسبات الوطنية الخاصة بكل مكون الى جانب الاعياد والمناسبات العامة على مستوى البلاد
5- يتم تحديد صلاحيات المركز ( العاصمة ) في الدستور بشكل دقيق وواضح ويترك باقي الامور للدساتير المحلية او تحديد صلاحيات الدساتير المحلية وترك باقي الامور وفق شكل الاتفاق المعتمد ، فالخارجية والجيش والمالية حتماً ستكون من اختصاص المركز – العاصمة اما باقي المهام والاختصاصات ستكون من اختصاص حكومات الأقاليم
6- يعتمد صيغة قانونية بصدد موضوع لغة المحاكم والاختام والطوابع وشكل جمع الضرائب وتنظيم عمل المعابر الحدودية وضبط الجمارك بشكل متوازن في كل اقليم على حدة كما يتم تحديد نسبة المركز من الواردات المحلية في الاقاليم بما فيها الضرائب والرسوم .
7- يعتمد صيغة قانونية ايضا فيما يخص الموارد الطبيعية والية توزيعها ونسبة المركز منها مثل مياه الانهار والموارد الزراعية والبترول …..الخ
8- دعم وحماية المؤسسات الدينية وتوفير الحرية الكافية للجميع بممارسة طقوسه وشعائره الدينية والاقرار دستوريا بالتعددية الدينية .
9- الاقاليم التي يمكن اعتمادها تكون مبنية على اساس الحضور القومي المتباين دون الارتهان الى العامل الجغرافي و بناء عليه يتم تحديد سبعة أقاليم وهي :
أ – اقليم دمشق وتتضمن ثلاثة محافظات دمشق وريف دمشق والقنيطرة
ب – اقليم الجنوب وتضم كل من محافظة درعا والسويداء
ت – اقليم الوسط وتضم كل من محافظة حمص حماة وادلب
ث – اقليم الساحل وتضم كل من محافظة اللاذقية وطرطوس
ج – اقليم حلب وتضم محافظة حلب فقط
ح – اقليم الجزيرة وتضم محافظة الحسكة فقط
خ – الإقليم الشرقي وتضم كل من محافظة الرقة ودير الزور