هوزان امين
عد الكاتب والشاعر الكوردي كوني رش من الكتاب المعروفين على الصعيد الثقافي في كوردستان سوريا، لا بل وتجاوز ذلك واصبح من المشهورين على صعيد المشهد الثقافي الكوردي العام، كونه كاتباً نشطاً ومشاركاً نهماً
في اغلب المحافل الثقافية على صعيد كوردستان سوريا وخارجها ، حيث لم يترك مجالاً في الادب إلا وولجه ووضع بعض لمساته وافكاره وخيالاته التي لا تعرف الحدود عليه ، اجرى ابحاثاً ودراسات حول العائلة البدرخانية ونبش تاريخها وسرده في كتاب ، مارس الكتابة باللغة الكوردية منذ بداياته ، واهتم بالتراث والفولكلور يكاد يكون على رأس اي حراك ثقافي صغير منها وكبير في سوريا، ينشر المقالات والابحاث والقصائد في اغلب الجرائد والمجلات الكوردية في اجزاء كوردستان الاربعة، وتقديراً له ولجهوده في خدمة الادب واللغة الكورديين نال العديد من الجوائز وابرزها كان في عام 1998 حيث حاز على الوسام الذهبي من حكومة اقليم كوردستان العراق بمناسبة الذكرى المئوية للصحافة الكوردية .
اسمه الحقيقي سلمان عثمان عبدو ولد عام 1953 في قرية (دودا) القريبة من مدينة القامشلي (سوريا)، درس الابتدائية في قريته ، ثم انتقل الى القامشلي والحسكة لاتمام دراسته الاعدادية والثانوية .
سافر الى المانيا الغربية آنذاك عام 1977 لاكمال دراسته الجامعية، لكنه سرعان ما عاد الى الوطن بسبب تكاليف الدراسة الباهظة، ومنذ ذلك الوقت تفرغ للكتابة، والف العديد من الدوواين الشعرية والكتب الادبية باللغتين الكوردية والعربية، ولايزال مثابراً على العطاء والكتابة .
لمعرفة المزيد عن هذه الشخصية المثيرة والاطلاع اكثر على نتاجاته الادبية وابرز فعالياته ونشاطاته اجرينا معه لجريدة التآخي الحوار الآتي :
*استاذ كوني رش في البداية شكراً لاعطائك الفرصة لنا لاجراء هذا الحوار، لنعد بعض الشيء الى الوراء، متى كانت بداياتك، وما هي العوامل التي ادت الى تشكيل شخصيتك الادبية و سلوكك طريق الادب والثقافة ؟
-مع بداياتي الطفولية كنت أظن بان العالم أجمع يتكلم اللغة الكوردية ولا توجد لغة أخرى غيرها.. ونحن قابعون في تلك القرية (دودا )الواقعة على طريق الحرير، حيث كان أهالي القرية يجهلون تماما اللغة العربية.. دخلنا المدارس.. تعلمنا اللغة العربية.. أكملنا دراساتنا الثانوية والعالية (لم اكمل دراستي الجامعية رغم محاولاتي، أما اخوتي فمنهم الطبيب المختص والمحامي والمخبري والمدّرس والمدّرسة). بداية كنت اقتني مجلة (العربي)، ولها فضل كبير على اطلاعي الثقافي.. وبعد محاولتي القصيرة والفاشلة في إكمال الدراسة بألمانيا الغربية آنذاك ورجوعي للوطن، قررت الكتابة باللغة الكوردية نتيجة عشقي لها وكتحد .. كونها ممنوعة التداول. في بداية الثمانينيات ، مع قدوم الطلائع المثقفة من أرمينيا السوفيتية سابقا إلى قامشلي أمثال د. جليل جليلي وشقيقه د. أورد يخان جليلي ود. عسكري بوييك واشرف آشيريان وغيرهم وتأثري بهم بدأت بشكل عملي وجدي في جمع التراث الشفوي والكتابة بالكوردية.. وهكذا لغاية الآن..
قد تكون عوامل تشكيل شخصيتي الأدبية، كي ترفرف الطيور بحرية في كبد سمائنا، قد تكون لأجل عيون الصبايا الحالمات كي ينتعش الأمل والأمان، للربيع كي يزدهر الفرح في قلوب العشاق، للجبال كي تحافظ على شموخها، للحجل كي يشدو بين بيادر النرجس بحرية، للأيائل وجبال سيبانى خلاتى، كي يتمكن كل(سيامند) في البحث عن (خجاه )... قد أكتب لآرارات وجودي وبيره مكرون، لباكوك وتربه سبيه وقامشلو وعامودا، للمناضلين الراقدين في مقبرة النبلاء بقرية دوكر… ويمكنني القول: قد تكون العوامل ترجمة عما أعانيه وأكابده من آلام وأوجاع وآمال وأحلام… وهكذا تكون شخصيتي الأدبية ودون تخطيط سلكت طريق الأدب والثقافة الكوردية.
* ما هي دوافع واسباب اختيارك للكتابة باللغة الكوردية في حين كان كل رفاق جيلك يتجهون للكتابة باللغة العربية ؟
-رغم إجادتي اللغة العربية وكتابتي بها في بعض الأحيان ورغم إن معظم أصدقائي يكتبون بها، إلا أنني لا أستطيع التعبير عن خلجات نفسي سوى باللغة الكوردية لأن هذه اللغة بالنسبة لي هي الكيان وهي الشخصية والمشاعر الصادقة وبالتالي الوجود والهوية، ثم هنالك حالات لا يمكنني التعبير عنها سوى باللغة الكوردية كما هو الحال عند الكاتب العربي الذي لا يستطيع التعبير الا بلغته العربية. عندما اكتب فأنني أفكر بالكوردية لكنني أستفيد من اللغة العربية أيضا ً خاصة في مطالعاتي وتوسيع آفاق معرفتي... كون ثقافتي الرسمية هي الثقافة العربية وحقيقة جمعت مخزوناً هائلاً من الثقافة والمعرفة عبر اللغة العربية وأنا مدين لهذه اللغة الجميلة. أن الكاتب الذي يختار لغة ما للكتابة، يتوجه بها مباشرة لمن يتداولون هذه اللغة وأنا عندما أكتب باللغة الكوردية فأنني أكتب لبني جلدتي أولئك الذين يتكلمون ويقرأون بالكوردية، وحالتي هذه مشابهة للذين يكتبون بالعربية أو التركية أو الفارسية أو الإنكليزية لبني جلدتهم.
* لديك اهتمام وتخصص في مجال البحث عن العائلة البدرخانية، ما الذي شدك اليهم وما هي اكثر الجوانب التفاتاً في تاريخ ونضال تلك العائلة ؟
-ظلمت العائلة البدرخانية ثقافة وسياسة وحياة ولا يمكن لمثل هذا السؤال ان يشفي غليلي للحديث عن البدرخانيين مع إنني دائم الكتابة عنهم، لكن هذه الكتابات متواضعة لا تتعدى حدود التعريف بهم والاحتفاء بأسمائهم المختلفة...
كان المؤسس الأول لهذه العائلة المضحية هو الأمير بدرخان البوتاني الكبير الذي سعى جاهداً إلى إنشاء إمارة كوردية عام 1843، إمارة واسعة الأرجاء ما بين أجزاء كوردستان المختلفة، صك النقود باسمه وعلا اسمه فوق المنابر أثناء خطب الجمعة، وفي عهده سادت العدالة أرجاء إمارته حتى قيل في وصفه: ( العدالة هي بدرخان و بدرخان هو العدالة )، سلك هذا الأمير النبيل درب الثورة الفرنسية / 1789، وذلك بفصل الدين عن الدولة من خلال شعاره ( الدين لله و الوطن للجميع)، كان هذا الشعار كفيل بتوحيد الأمة والارتقاء بها، كي يمضي بثقة نحو إنشاء إمارته والوقوف بحزم وثبات أمام الباب العالي..
أسر الأمير بدرخان البوتاني في صيف 1847 ونفي إلى استانبول وجزيرة كريت ودمشق حيث توفي فيها عام 1868، لكن قبل أن يرحل وجه مقولته الشهيرة إلى أولاده و قال: ( من منكم ينسى لغة بوتان فهو ليس بولدي) ....
أما بالنسبة لأبنائه وأحفاده وما قدموه من تضحيات جمة في سبيل قضية شعبهم سالكين بذلك نهج الأمير بدرخان الكبير خاصة حفاظهم على اللغة الكوردية، لكن للأسف الشديد كان مصيرهم النفي والقتل والتشتت في أرجاء الكون الأربعة، لأن مستعمريهم كانوا يحاربونهم بضراوة وكانت الدول الاستعمارية دائمة الخوف من إنشاء دولة كوردية قوية في منطقة ما بين النهرين على غرار دولة محمد علي باشا في مصر، حفاظاً على مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط واتصالاتهم مع القارة الهندية.ومن الناحية الثقافية، لا أظن بوجود عائلة بين شعوب العالم خدمت أمتها ثقافياً مثل العائلة البدرخانية، إنهم يعتبرون بحق أباً للصحافة الكوردية والأدب الكوردي الحديث، هم أول من أسس الصحف والمجلات باللغة الكوردية, وأول من أسس الجمعيات الكوردية، وأول من كتب النثر الكوردي، وأول من استعمل الأبجدية اللاتينية وهناك أشياء أخرى كثيرة، ونحن ما زلنا بصدد ماذا قدموا ؟! نعم.. لقد قدموا الكثير وتعرضوا لأقسى أنواع العذاب والتعتيم، رحل أفرادها واحداً تلو الآخر في المهاجر والمنافي البعيدة، في المعتقلات والسجون الباردة، أمام فوهات البنادق وفوق أعواد المشانق... لكن ! حلم كوردستان لم يفارق مخيلتهم، هذه العائلة التي كانت تعتبر من العائلات المثقفة الأولى في الإمبراطورية العثمانية.
*مارست الصحافة واصدرت مجلة ثقافية، وتكتب في العديد من الدوريات والمجلات على صعيد كوردستان عامة، ونلت جوائز حبذا لو تحدثنا عن تجربتك في الصحافة، وكيف تقيم واقع الصحافة الكوردية في سوريا اليوم باختصار مع العلم ان هذا السؤال متشعب ويحتاج الى شرح واف ؟
- كيف يمكنني التحدث عن صحافة كوردية بين الكورد في سوريا وسواد الشعب الكوردي محروم منها، حيث كانت ومازالت تتوزع بين الحزبيين فقط وبشكل سري.. أنني أعتبر الصحافة الكوردية يتيمة لأنها غير رسمية ومحظورة عن التداول.. وما ظهر من صحف ومجلات حزبية ليس إلا تعبيراً عن صوت يريد الأنعتاق والتحرر واثبات الوجود.. كيف يمكن لأربعة ملايين كوردي العيش بدون صحافة ؟ لغاية اليوم ليس هناك صحيفة أو مجلة كوردية بالمعنى الدقيق للكلمة.. بعد الانتفاضة المليونية في كوردستان الجنوبية اندلعت ثورة ثقافية بين الكورد في سوريا إلا إنها افلت.. كان هناك العديد من الصحف والمجلات الجيدة لكنها توقفت عن الصدور مثل مجلة: كولستان، كلاويز، خناف، ستير.. وتجربتي في مجلة (كورزك كول) لا تتعدى هذا الإطار.. ورغم هذه المنغصات والعراقيل التي رافقت وترافق الصحافة الكوردية إلا إنني متفائل بمستقبل باهر لصحافتنا الكوردية خاصة في خضم هذه التغيرات الدولية وبشكل خاص التي تعصف بسوريا الآن.
* تكتب الشعر واصدرت العديد من الدواوين، ما هو تصنيفك لاشعارك وكيف تقيمها، وفي ايه خانة تضعها، وهل تحب ان تلقب بالشاعر او كاتب بشكل عام ؟
-كتابة الشعر حالة وجدانية فردية، عندما تجتاحني هذه الحالة دون وعي وإرادة مني، ألجأ إلى الحياة الاجتماعية التي هي بحد ذاتها وفي منتهاها عبارة عن مشاهد درامية مثيرة ومؤثرة، في نفس الوقت وكوني من المهتمين بالتراث الشفوي الكوردي المليء بالأساطير والملاحم والقصص الدرامية الشيقة، إضافة إلى الحكم والأمثال المعبرة في الجانب الآخر لذا، قد تراني أزين قصائدي بجمل تتماها في أصالتها وقوتها والتي بدوري أنمنمها على طريقة ( ايديوم ) حصرا،ً وهذه الجمل بحد ذاتها تركيبية هادفة وقد أستعير من التراث شخصيات أسطورية معروفة، ولها دورها الفعال في التراث الكوردي وأوظفها في كتاباتي بشكل رمزي، في الوقت الذي أمنحها معاني ودلالات الشخصية التي تؤول هي بدورها في تحويل المعاناة الفردية إلى معاناة جماعية، وهكذا تكون لدي قصيدة شعرية أو قصيدة على شكل قصة شعرية تراجيدية أدفع بها إلى القارئ؛ أنا أكتب للإنسان بعيداً عن الأثنيات العرقية... ؟؟ .كم أتمنى أن أحترف كتابة الرواية وأنا حالياً عاكف على مشروع روائي.. مارست فيما مضى وما أزال كتابة الأجناس الأدبية المختلفة، الدراسات والبحوث التاريخية، الكتابة الصحفية والمقالة والخاطرة والشعر، وما يخص منه على وجه التحديد والدقة - قصيدة النثر - ومن خلال كتاباتي تلك أرى نفسي مرتاحاً في الكتابة النثرية والتاريخية أكثر من غيرهما من الأنواع الأدبية الأخرى.
*ما هو واقع الثقافة في كوردستان سوريا، وكيف تتخيل شكلها في ظل المتغيرات التي تعصف بسوريا ؟
-المشهد الثقافي الكوردي في سوريا متشعب الجوانب ومليء بالمصاعب ولا أظن بأنه قد تبلور.. ثم لا أعلم عن واقع أية حركة ثقافية تتحدث! كل ما أعرفه ويعرفه الجميع أنه لدينا بين الكورد في سوريا حركة ثقافية كوردية تكتب بالأبجدية اللاتينية يكتبها أدباء كورد غيورون على لغة آبائهم وأجدادهم، كما يوجد بيننا أدباء كورد يكتبون باللغة العربية. ولكن الآداب التي تكتب بالكوردية محدودة الانتشار والأسباب كثيرة منها: حظر اللغة الكوردية وانتشار أمية القراءة والكتابة باللغة الكوردية بين السواد الأعظم من الشعب الكوردي في سوريا، ثم عدم وجود مؤسسات تعليمية وصحافة حقيقية باللغة الكوردية، وبالتالي عدم وجود قارئ حقيقي، والقراء الموجودون على الساحة هم أنفسهم الكتاب الذين يكتبون ومن الطبيعي أن يكون النقد غائباً في هذه الحالة ولا يمكن لأي جنس أدبي أن يتطور ويتقدم بدون نقد.وهكذا نرى بأن الحركة الأدبية الكوردية في سوريا بين مد وجزر وهي رهينة الأوضاع السياسية والثقافية، وبشكل خاص المرتبطة بالصحف والمجلات الكوردية التابعة للأحزاب الكوردية والتي تطبع وتتوزع بشكل سري.
وأخيرا أقول بقدر السماح للكورد في سوريا باستعمال لغتهم ستأخذ الآداب الكوردية دورها وفعاليتها بين الشعب، وستنشط الحركة الثقافية الكوردية وتتكامل رويداً رويدا وفي خضم هذه الثورة أنا متفائل بنتائجهاً.
*نتيجة قمع الحريات والتعبير، هاجر اغلب المثقفين الكورد السوريين الى خارج الوطن، هل تكون هناك عودة لهؤلاء المثقفين الى الوطن بعد زوال النظام البعثي عن سوريا حسب رأيك ؟
- قد يرجعون بشكل مؤقت لرؤية الأهل والأحباب، قد تشدهم الذكريات الأليمة منها والمفرحة ولكن لا أظن بأنهم سيضحون بالاستقرار في سوريا بعد الرجوع.. كونهم تأقلموا في بلاد الغربة ومستقبل أبنائهم هناك سيكون افضل بكثير مما قد يجدونه في سوريا..
(من أعماله المطبوعة)
*قصص الأمراء ( بالكوردية ) 1990 بيروت.
* سيبان وجين ( Sîpan û Jînê ) مجموعة شعرية للأطفال 1993 بيروت.
*الأمير جلادت بدرخان (حياته وفكره) بالعربية 1992 دمشق. وبالكوردية في استوكهولم 1997 - السويد.
*انتفاضة ساسون ( 1925 - 1936 ) بالعربية دمشق، بالكوردية دهوك 2001 اقليم كوردستان العراق.
*عثمان صبري (1905 - 1993) بالكوردية بيروت 1997.
*أنا تلميذ بدرخان مجموعة شعرية للأطفال، 1996 بيروت.
agîrtê BedirXan nim *ياوطن ! (Welato!) مجموعة شعرية بالكوردية 1998 بيروت.
*جمعية خويبون 1927 ووقائع ثورة آرارات 1930، تقديم مراجعة الدكتور عبد الفتاح بوتاني، باللغة العربية، أربيل 2000.
*صور من الذاكرة ( حوار شامل مع كونى ره ش.. ) حوار وتقديم بيوار إبراهيم... دمشق 2000.
*بوابة الحياة والحب: (Dergehê Jîn û Evînê) مجموعة شعرية بالكوردية 2001.
*جودي جبل المقاصد، ترجمة هجار إبراهيم من الكوردية إلى العربية 2004.
*كتاب قامشلي دراسة في جغرافيا المدن 2003. اسطنبول وطبعة حلب2004.[1]