عبدالرحمن محمد .[1]
بلند الحيدري اسم طالما تردّدَ في عالم الشعر العراقي والعربي، وهو شاعر كردي الأصل من أبوين معروفين فوالده كان ضابطاً ومن عائلة مرموقة وكذلك والدته فاطمة ابنة أحد أبرز رجال الدين في إسطنبول، وهو من مواليد بغداد 1926م.
نشأ بلند في كنف عائلة معروف وكانت له علاقات وثيقة ومنافسات وسِجالات مع أخيه الأكبر صفاء الحيدري وكذلك تعرف وعاشر الشاعر المعروف حسين مردان، وعُرف الشعراء الثلاثة على مستوى العراق فالعالم العربي.
أقام الحيدري وتنقل في عدة مدن كردية بحكم عمل والده، وعانا الكثير بسبب انفصال والديه ومن ثم وفاة والدته وتلا ذلك وفاة والده عام 1945م، مما دفعة للتشرد والتسكع، ليبدأ بعد ذلك بالعمل في كتابة العرائض أمام وزارة العدل وكان خاله داوود الحيدري وزيراً للعدل.
بالرغم من تشرده كان بلند حريصاً على تثقيف نفسه فكان يذهب إلى المكتبة العامة لسنين ليبقى فيها حتى ساعات متأخرة من الليل اذ كوّن صداقة مع حارس المكتبة الذي كان يسمح له بالبقاء بعد إقفال المكتبة. كانت ثقافته انتقائية، فدرس الأدب العربي والنقد والتراث وعلم النفس وكان معجباً بفرويد وقرأ الفلسفة وتبنى الوجودية لفترة ثم الماركسية والديمقراطية، علاوة على قراءته للأدب العربي من خلال الترجمات، وكتب ودوّن المئات من القصائد والمقالات والمراسلات ولكافة النخب والأطياف والشرائح المجتمعية، وضاعت الكثير من أعماله المخطوطة، وتوفي سنة 1996 في نيويورك.
“موت شاعر”
أسلم الرأس لكفيه خذولاً
وتمطتْ بازدراء
شفتاه
خفقت بسمته دنيا أسى
كنهار شرب الغيم سناه
هزأ القرطاس من أقراطه
مُذ رأى الحيرة تودي برجاه
مُذ رأى أجفانه مخمورة
بلحون
لم ترها الشفاه
عصرتها مهجة خفاقة لتروّي
بدماها مبتغاه
رام أن يبصرها
في أحرف صدقت وعداً
وما خانت هواه
رامها طير حبيباً علقت
بجناحيه نشيداً
خانه الحرف
وها … أحلامه
قد ذوت مخذولة
فوق لماه
ومضى يستعطف الكأس فما
أنقذته
من دياجير دجاه
جمدت أنظاره في خمرها
وتلظى في الحواشي محجراه
*********
بزغ الفجر وقد مدّ تليلا
فرح النور
رقيقاً من ضياه
فرأى شاعرنا مستلقياً
فوق دنيا
من خيالات رؤاه
كان في عينيه سطر للمُنى
فمشى
الموت عليه فمحاه
وإذا بالشاعر الغريد جسم
متلاش
لا حِراك في قواه
ورأى الكأس حطاما نثرت
بين كفيه وغاصت في دماه
وسكوناً
مثقل الصدر جهوماً
يتخطى عالماً جُلَّ أساه
ورأى فيما رأى
أحلامه
قد هوت تعبى
وما حاذت ذُراه
ورأى فيما رأى
أسفاره
كقبورٍ جَثِمت تحت كواه
طيها أبلى شباباً يافعاً
شرب الموت
و أسقاها الحياة
************
أيها الجُرح الذي كنا به
مدية لم تدرِ ما طعم دماه
كيف أصبحت نشيداً خالداً
ليست الدنيا سوى بعض صداه