حوار/ غاندي إسكندر [1]
الموسيقا غذاء الروح، وملاذ التائه في بحر الأفراح، والأتراح من خلالها تتطهر أرواحنا من شوائب الحياة، وتلامس شغاف الأفئدة عتبات الحب، وهي اللغة الوحيدة التي يفهما كل البشر، فهي تجمع الأبيض، والأسود، وهي الدواء الشافي والملجأ الفريد للباحثين عن الراحة النفسية في مجتمع الصخب، وعندما يريد المرء أن يشعر بالعراقة، والأصالة، ويسرح بخياله باحثاً عن نسائم الزمن الجميل عليه أن يستمع إلى الألحان التي تجود بها أنامل فنان.
والفنان عازف الكمان ابن ريف إقليم الجزيرة بهيج شريف، من أولئك الفنانين الذين أحببنا التواصل معهم للتعرف عليه عن قرب، والنهل من ينابيع الموسيقا معهم، وهو فنان مخضرم من مناطق آليان تأثر كثيراً بأجواء المنطقة وجغرافيتها الطبيعية والبشرية الخلاقة المتميزة، وكان لنا هذا الحوار:
من هو بهيج شريف ومتى كانت البداية الفنية؟
أنا ابن القرية التي كان أطفالها يرسمون آلة البزق، والطبل، والمزمار على جدران المدرسة، ويحولون أعواد الخشب إلى آلات للعزف، ولدت عام 1950في قرية ديرونا آغي التابعة لمنطقة ديرك ترعرعت على حب الموسيقا، وسماع أغاني فريد الأطرش، وسيد درويش، ومعزوفات رياض السنباطي من خلال المذياع، لقد بدأت علاقتي مع الموسيقا في منتصف الستينات عندما سمعني الفنان غسان ناجي وهو أحد مؤسسي نقابة الفنانين السورية، وأنا أغني الآهات وأدندن أثناء عملي في أحد مطاعم دمشق، فقد أعجب بصوتي، وطلب مني أن أتعلم فنون الموسيقا، والغناء وأن أنتسب إلى معهد الشبيبة للفنون الموسيقية التابع لوزارة الثقافة، وعند انتسابي للمعهد تعلمت العزف على معظم الآلات لكن آلة الكمان كانت لها الحظوة، وبعد مضي عدة أشهر من تعلّم العزف على يد العازف ريمون ناصر حصلت على المركز الأول من بين طلاب المعهد، وبعد نيلي للشهادة وانتهائي من خدمة العلم نلت شرف العضوية في نقابة الفنانين في سورية، وبعدها ترأست العديد من الفرق الموسيقية وشاركت مع العديد من العازفين والمطربين في الحفلات كالفنان صبحي جارور وهادي بقدونس والفنان عصمت رشيد، وسميرة بنت توفيق، وأسست في الثمانينات فرقة رابرين، وفرقة هلات في مدينة دمشق فمنذ خمسة وخمسين عاماً لم أفارق الموسيقا، ولم يفارقني الكمان.
آلة الكمان هي آلة غربية، ما قصتك معها وما خصائصها؟
نعم آلة الكمان آلة غربية لكن لا ضير من مزج النفس الغربي مع الشرقي وباعتقادي الموسيقا لها لغة واحدة هي لغة تماهي العواطف مع صدى النغمة أما عن حكايتي مع الكمان، فعندما التحقت بمعهد الشبيبة للفنون أدخلني مدير المعهد إلى غرفة الآلات وجد بأن آلة الكمان هي التي تناسبني، ومنذ ذلك الحين أصبحت معشوقتي، ومن أهم خصائصها أنها تتميز بصوتها الشجي، وقدرتها الفائقة عن التعبير عن مكنونات الإنسان، وخوالج الذات، ولها قدرة على أداء أكثر من صوت في آن واحد، وتعد من أرقى الآلات الموسيقية الوترية، وأهم آلة تستخدم في الفرق الموسيقية حيث يعتمد عليها في عزف السيمفونيات.
أي الآلات الأفضل والأنسب للتلحين الموسيقي؟
إن أفضل، وأنسب الآلات الموسيقية للتأليف الموسيقي، وبلا منازع آلة العود لما لها من قدرة على التماشي مع الخط البياني للتضاريس الصوتية للمغني في التصاعد، والهبوط، ومجاراة الحالة التعبيرية التي تشي بها الكلمات.
العازف جندي مجهول من ناحية الشهرة الجماهيرية ما صحة هذا القول؟
نعم للأسف الجمهور دائما يهتم بالمطرب، والمستمع لا يهتم سوى بالمغني، وهو أمر محزن، فهناك هوة عميقة بين الجمهور المتلقي، والموسيقي نتمنى أن يعي المستمع بأن الفن هو كالبناء المتكامل المتعاضد.
كيف تنظرون إلى المشهد الموسيقي في الجزيرة السورية؟
أقولها بصراحة شعبنا في الجزيرة يفتقر إلى الثقافة الموسيقية مقارنة بالعاصمة دمشق، وحلب، وحمص، فنحن نحتاج إلى معاهد عالية للفنون في كافة مدن الإقليم، ويجب أن تُفتتح أكاديميات خاصة للتعريف بالموسيقا، وتاريخها، وعلينا أن نولي رعاية خاصة بالهواة فعندنا خامات، واعدة سيكتب لها التفوق، والتميز إن فُتح لهم المجال، وعندما يدرك الجمهور ويصل إلى قناعة أن الموسيقى ليست فقط للترفيه حينذاك سيكتب له الخلود.