إعداد/ هايستان روناهي [1]
“درية عوني” أبنة أسرة عريقة خدمت قضيتها على أتم وجه, ولِدت في مصر من أب كردى وأم مصرية، وهي ابنة المؤرخ محمد علي عوني الذي هرب من باكور بسبب ملاحقة السلطة التركية للطلبة الكرد، ومن ثم إلى مصر للدراسة في الأزهر وحصل على شهادة تعادل شهادة الدكتوراه، وهو الذي ترجم كتاب (شرفنامه) إلى العربية وحافظ على هويته الكردية، وأوجد جسوراً للتفاهم بين الكرد والعرب, ولعله ورث لابنته صفاته وقوميته القوية فابنته “درية عوني” درست في المدارس الفرنسية وأكملت دراستها الجامعية في فرنسا وعملت صحفية في وكالة الأنباء الفرنسية في باريس حيث كانت تكتب باللغة الفرنسية أخبار العالم العربي، والكرد، راسلت باللغة العربية صحف مصرية وعربية من باريس كما كانت على رأس نقابة الصحفيين الفرنسية في فرنسا، صدر لها المئات من المقالات بالفرنسية والعربية، كما صدر لها كتابات عن القضية الكردية، كانت الصحفية المصرية الأولى التي عملت في بداية مسيرتها في وكالة الأنباء الفرنسية في باريس وتترجم أخبار الوطن العربي إلى الفرنسية وخاصة أخبار الحرب والمجازر ضد الكرد في عهد صدام حسين.
أهمية مصر للكُرد على مرِّ التاريخ:
توفت الكاتبة والصحفية والأكاديمية الكردية الثورية “درية محمد علي عوني” عام 2015 بعد رحلة طويلة قطعتها في الدفاع عن القضية الكردية وتعريف حقوقها بمختلف دول العالم، وسعت جاهدة عبر مشاركتها في عشرات الندوات والتجمعات ومنتديات الصداقة العربية الكردية، وكتاباتها المتواصلة لخلق آفاق للتواصل بين الحضارتين الكردية والعربية، فقد ترعرعت في أسرة وطنية عريقة وخدمت قضيتها وقضية أسرتها على أكمل وجه، كتبت خلال مسيرتها الكثير من المقالات عن القضية الكردية ورموزها ونضال حركاتها التحررية، ووطدت علاقات مع قادة الحركة الكردية في العراق وتركيا وسوريا، ولعبت الراحلة دوراَ أساسياً في منتدى الحوار العربي الكردي في القاهرة عام 1998 لاستقطاب خيرة الكتّاب والمثقفين البارزين المصريين والعرب العراقيين آنذاك، فهي كانت على دراية بأهمية مصر بالنسبة للكرد، فأول صحيفة كردية نُشرت في القاهرة، وخصص القائد صلاح الدين الأيوبي غرفة خاصة لتعليم الطلبة الكرد في جامع الأزهر، وسُمي ذلك الركن برواق الأكراد، وسعت درية إلى توثيق التمازج في الحضارة والثقافة وقدمت العديد من البحوث التاريخية عن دور الكرد في الحضارة العربية، وكانت جسر التواصل المتين بين العرب والكرد في عصرنا الحديث.
الكلام عن درية وأقرانها الآخرين لا ينتهي فهم الذين قاموا بتوصيل الرسالة الإنسانية والقيم والمبادئ بكل شفافية ووضوح، وبرحيلها فقدنا إحدى أهم أعمدة الثقافة والحوار والتواصل الحضاري العربي الكردي، وحملت هموم الشعب ضمن المؤامرات الدولية للكرد على مرِّ التاريخ، ولكنها مازالت حاضرة في قلوب وذاكرة كل كردي فهي التي سلكت درب حق الشعب في تقرير مصيره بكل حرية.