إعداد/ عبدالرحمن محمد –
في كنف أسرة كرديّة امتلأت قلوب أفرادها بحب الكرد وكردستان، وكرست حياتها لخدمة الشعب الكردي وتراثه القومي والأدبي. كانت ولادة الدكتور والباحث الكردي جليلي جاسم جليل، في أرمينيا، فقد كان والده جاسم جليل كاتباً وشاعراً معروفاً، وله إسهامات كثيرة في شتى المجالات الثقافية الكردية، ومن أوائل المهتمين بالأدب الكردي الحديث في ما وراء القفقاس، ومن مؤسسي القسم الكردي في إذاعة يريفان عام 1955م.
والجانب الآخر من تاريخ العائلة ذات الصيت الأدبي والتراثي فكان شقيقه الدكتور «أورديخان جليل» الذي وهب حياته لنشر التراث الكردي بشقيه الشفاهي والمدون، ولهما مجلدين عن الفلكلور الكردي. أما أخته جميلة جليل فهي موسيقية معروفة بذلت جهوداً كبيرة في جمع وإحياء الألحان الكردية الشعبية، ووضع النوتات الموسيقية لأكثر من (500) أغنية، وجعلتها في متناول محبي الغناء الكردي.
درس جليلي جليل الأدب والتاريخ الكرديين الى جانب التراث، كما عمل على مدى اربعين عاماً من الجهد العلمي المتواصل، وعبر العديد من الكتب وعشرات البحوث والدراسات الجادة المنشورة باللغات الكردية والأرمينية والروسية، على دراسة وتوثيق مراحل وأحداث مهمة من تاريخ الكرد الحديث، وفي جمع ونقل روائع من الأدب الشفاهي الكردي.
في عام 1959م تخرج جليلي جليل من كلية التاريخ بجامعة يريفان، ثم نال شهادة الدكتوراه في عام 1963م. بعد أن تابع دراسته العليا بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، وكانت رسالة الدكتوراه التي قدمها بعنوان: (حركة التحرر الكردي من خمسينات إلى تسعينات القرن التاسع عشر)، والتي صدرت بالروسية عن أكاديمية العلوم في موسكو عام 1966م في موسكو تحت عنوان: (الانتفاضة الكردية في عام 1880م ) كما ترجمت إلى العربية.
في عام 1973م أصدر كتابه «أكراد الامبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر»، في موسكو، الذي حمل شرحاً وتحليلاً شاملاً لعلاقات الإمارات الكردية (بابان، بادينان، سوران، هكاري، بوتان) التي كانت قائمة في تلك الفترة وعلاقتها بإسطنبول، وتنظيمها الداخلي والسياسي والمجتمعي والناحية العسكرية، وبعض الانتفاضات في ذاك الوقت ومنها انتفاضة يزدان شير وعلاقات روسيا وتركيا، وتناول الكتاب الفترة بين عامي 1820-1880م في التاريخ الكردي الحديث.
وفيما يخص الجانب التراثي فمنذ بداية السبعينات عمل الدكتور جليلي مع شقيقة الدكتور اورديخان على جمع ما امكن من أدب شفاهي متداول كتابيا وشفاهياً فجمعا ما يناهز «15ألف» حكمة ومثل شعبي في كتاب واحد ضم «508 صفحات» عام 1973م مع مقدمة هامة في ذلك. بالإضافة إلى كتاب هام جداً يضم روائع من الأدب الشفاهي الكردي بعنوان (زاركوتنا كردا) عام 1978م شمل على (534) صفحة، ويعد من أهم كتب الفولكلور الكردي.
قام الدكتور جليلي بإجراء دراسات باللغة الروسية حول تاريخ الصحافة الكردية ودورها في نشر وتعميق الوعي القومي والفكر السياسي لدى الكرد، وهي دراسات علمية رصينة معمقة، وغنية بالمعلومات والأفكار والاستنتاجات بأسلوب واضح جميل.
لجليلي جليل عدد من الأعمال الهامة والتي ترجمت الى اللغة العربية ومنها:(انتفاضة عبيد الله النهري عام 1880)، وكتاب:(نهضة الأكراد الثقافية والقومية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، وكتاب (قصائد من الفلكلور الكردي).
وانصرافه إلى العلم في هدوء وصمت، ونكران الذات. ونتطلع إلى من يقوم بترجمة أبحاثه وكتبه إلى اللغة الكردية والعربية، التي لا يمكن أن يستغني عنها أي باحث أو مهتم بالشأن الكردي (3).
الدكتور جليلي جاسم جليل من رواد ونوابغ الكرد اللذين تركو بصمة واضحة في الادب والتراث الكردي، بما قدمة من أعمال متميزة ومن كتب ودراسات وأبحاث نشرت باللغات الكردية والأرمنية والروسية وترجم بعضها إلى العربية، كما أنه عمل أستاذاً «للكردولوجيا» في جامعة فيينا بالنمسا وساهم كثيراً في التحقيق ونشر روائع التراث الإبداعي الشفاهي الكردي.[1]