يُعدُّ القاموس الشعري للأب الروحي للشعر الكردي، ورائد المدرسة الشعرية الكلاسيكية (Ehmedê Xanî/ أحمد خاني) الموسوم ب (Nû Buhar/ الربيع الجديد) للصغار، عام (1094ه 1682م) يعدّ أقدم أثر تعليمي ثقافي مدوّن للأطفال على مستوى الأدب الكردي، ومن المصادر التعليمية الرائدة على مستوى العالم آنذاك، وقد أشار (خاني) عبر هذا العمل، وهو رائد الاهتمام بتعليم الأطفال لدى الكرد، إلى مبادئ تعليمية وتهذيبية عامّة، أراد منها أولاً، تعليمهم لغتهم الأم، وإنشاء جيل كرديّ متنوّر.
يتألف هذا القاموس المصوغ باللغتين العربية والكرديّة، من 216 بيتاً مبنيّاً على أوزان عروضية عدّة. يقول (خاني) في مقدِّمة قاموسه:(Ne ji bo sahib rewancan, belkî ji bo biçûkêt kurmancan– ليس للمتنوّرين الكرد، ربما لأجل صغارهم).
ويذكر (جان دوست) أنّ الشاعر قد نوّه في فاتحة القاموس النثرية، بأنّه نظّم هذه المفردات مشروحة للأطفال الذين يختمون قراءة القرآن الكريم، وينتقلون إلى مرحلة تعليم جديدة، وقد بلغ نظم المفردات العربية المشروحة حوالي 1000 مفردة.
يرى الأديب والشاعر (Konê Reş/ كوني ره ش) أنّ أول عمل متعلّق بالأطفال عند الكرد في التاريخ الحديث، هو قصيدة شعرية من نظم: أمين عالي بدرخان، بعنوان (Delaliya Zarwan/ دلال الأطفال) نُشرت في جريدة كردستان أول جريدة كرديّة صدرت في القاهرة عام 1898 وتُشير بعض الدراسات والمراجع التاريخية إلى ذكر مخطوطة كتاب مدرسي لسعيد كابان صدقي، مؤلّف من 67 صفحة عام 1927، ويضمّ بعض النصوص التي تحثّ على القيم الأخلاقية والدينية والأدبية، كاحترام المعلمين لجهودهم في تعليم التلاميذ ورعايتهم، لكنني لم أتمكّن من الحصول على نسخة منه، كما تشير مراجع أخرى إلى اهتمام كانت تبديها حكومة جمهورية مهاباد الكردية، عام 1946 بمسائل التربية والتعليم للأطفال، وسعيها لطباعة بعض الكتب، وإصدار مجلّة لهم طيلة فترة دوامها.
في العصر الحديث عاشت المجتمعات في الدول الحاكمة لبلاد الكرد؛ عاشت نهضة حديثة نسبياً، وتطوّرت الحياة فيها بشكل ملحوظ، فانتشر التعليم، ونشطت حركات ثقافية شاملة، وتأسّست مراكز ومعاهد متخصّصة في هذه المجالات، كما تلقّى أطفال هذه المجتمعات مختلف المعارف والمفاهيم في الأدب والتراث الإنسانيين، على عكس الأطفال الكرد الذين عاشت مجتمعاتهم في ظلمة الجهل والاستبداد والاستغلال لفترة طويلة، ولم تشهد نهضة تنموية في مجالات الحياة بصفة عامة، وعلى الرغم من ذلك فقد ظهر بعض الكتّاب والأدباء والباحثين الكرد قدِّموا نتاجات متنوِّعة للأطفال، سواءً بأعمال مخصّصة، أو اهتمام بمتعلّقات ثقافتهم وفنونهم. من المنصف التذكير بتجارب بعضهم بما أسعفتني به مصادري:” عبد الواحد نوري، شاكر فتاح، لطيف هلمت، محمد كه ساس، محمود باكسي، عسكر بوييك”
أبرز التجارب الأدبية للأطفال الكُرد في سورية:
بدايةً يمكننا الإشارة إلى ثلاثة انعطافات هامة، سنأتي على نتاجاتها بشكل تفصيلي:
المرحلة الأولى: مجلة Hawar/ الصرخة، وما نشرته للأطفال في فترة زمنية مبكرة، والتي أعدّها تأسيس حقيقي للتوجّه الأدبي والثقافي للأطفال الكرد بلغتهم الأم.
المرحلة الثانية: نتاجات بعض الكتّاب في الصحف والمجلات الكردية في الداخل والخارج، وأهمهم: (Cegerxwîn/ جگرخوين).
المرحلة الثالثة: ظهور تجارب عدّة منذ تسعينات القرن العشرين، انبرى خلالها مجموعة من الكتّاب والأدباء للتوجّه الجادّ للأطفال، فأصدروا مجموعات شعرية وقصصية أسهمت في نقل هذا الأدب إلى مرحلة جديدة، وشكّلت نقطة انعطاف هامة بالنسبة له. من هؤلاء: عبد الرزاق أوسي/ Rezo، د. محمد عبدو النجاري، والشعراء: (Konê Reş/ كوني ره ش، Ferhad Içmo/ فرهاد عجمو، Rêwî/ ريوي).
المرحلة الأولى: مجلة Hawar.الصرخة والانطلاقة:
يعود الفضل في انطلاقة هذه المجلة إلى النخبة المثقّفة التي هاجرت من شمال كردستان إلى سوريا، منذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، ونشطت بفضلها الحركة الثقافية والفكرية والأدبية الكردية عموماً، وقد قدّم مُؤسّس (هاوار) الأديب واللغوي الأمير جلادت عالي بدرخان، زاداً ثقافياً مفيداً للأطفال، عبر نشر الكثير من المواد الأدبية على صفحاتها، وتمّ تخصيص صفحة لهم بعنوان: (Stûna Zarwan/ ركن الأطفال) شكّلت مساحة جميلة في مجال الكتابة للأطفال الكرد، وقد استمرّ هذا التقليد لبعض الأعداد فقط، ولكن لم تتوقّف الموادّ الموجّهة للأطفال حتى الأعداد الأخيرة من المجلة.
لعل تخصيص مثل هذه المساحات للأطفال في تلك الفترة الزمنية، عدّت سابقة صحافية لم تفعلها أيّ من المجلات الأدبية للشعوب المجاورة آنذاك، وقد تناوب الكتابة فيها عدد من الكتّاب والشعراء والقصاصّين، إلى جانب الأمير جلادت بدرخان، نذكر منهم: أوصمان صبري، بكري قوطرش، مصطفى أحمد البوطي، محمد أمين سليمان، وغيرهم، والجدير بالذكر أن (جلادت) أصدر كتاباً لقواعد اللغة الكردية للأطفال، بعنوان: (Kitaba Sînem-Xan/ كتاب سينم خان).
– (Hawar) ونتاجاتها للأطفال:
نشرت المجلة التي صدر منها بين عامي (1932–1943) سبعة وخمسين عدداً، نشرت الكثير من القصص والقصائد والفوائد التربوية والتعليمية والترفيهية للأطفال، سنأتي على ذكرها في حينها، ونكتفي بعرض قصيدة لجلادت نشرها في العدد الأول، الذي صدر في 15 أيّار/ مايو، عام 1932 مع الترجمة العربية، وهي القصيدة بعنوان (Buhar/ الربيع).
“الربيع، آن الربيع
الطبيعةُ كلّها منشغلة
ما أعظم جلالها وأحوالها
كلّ شيء حيٌّ ويافع الربيع
آن الربيع
الطبيعةُ كلّها منشغلة
الثلجُ يذوب في قمم الجبال
الأشواك مخضرّةٌ
في السهول الزهور
تبدو بهية نضرة
والورد والبلبل رفيقان
الربيع، آن الربيع
الضباب يكسو الأشجار
المطر يهطل رذاذاً
الشمس تُشرق كالعروس
الريح أدبرت
ومضى الزمهرير”
أعطت هاوار دفعاً قوياً للصحافة الكرديِّة بشكل عام، فصدرت بعدها مجلة (Ronahî/ الضياء) التي أسّسها جلادت بدرخان أيضاً، مع كوكبة المثقفين والكُتّاب عام 1942 بدمشق، كما صدرت في بيروت (Roja nû/ اليوم الجديد) على يد الدكتور كاميران بدرخان، في الفترة نفسها، ولكن لا عِلم لي باهتمامها بالأطفال كما فعلت هاوار.
من بحث مطول للكاتب عبدالمجيد قاسم بعنوان ” الكُرد وأدب الأطفال” نشر في مركز الفرات. [1]