تقرير/ شيار كرزيلي [1]
صناعة الآلات الموسيقية هي صناعة قديمة جداً، ظهرت هذه الصناعات بعد أن تعرّف الإنسان على بعض الأدوات التي تصدر أصواتاً فتطرب السمع، فبعضها إيقاعية كانت تنتج أصوات عند الضرب أو القرع، وأخرى وترية كانت تعطي أصوات في حين الاحتكاك، وهنالك آلات نفخية، وقد استخدم الإنسان في صناعة هذه الآلات العديد من المواد مثل الشعر وأمعاء الحيوانات والخشب والعظام، ومن الآلات القديمة التي لا زلنا نراها حتى يومنا هذا القيثارة والربابة والطنبور (الساز) والقانون وهي من الوتريات ويعتبر الطبل والدف والدربكة من الإيقاعيات وهنالك الناي والقصبة والمزمار والمجوز التي تعتبر من الآلات النفخية.
ومع مرور الوقت طرأت العديد من التغيرات على شكل بعض الآلات وتم تصميمها بشكل علمي مدروس وخرجت من طابعها الكلاسيكي.
الآلات الموسيقية التراثية العفرينية القديمة:
مقاطعة عفرين من المقاطعات التي تمتلك تراثاً قديماً وخاصة في الأغاني والموسيقى التراثية وبقيت الأغنية والموسيقى التراثية العفرينية تتوارث من جيل إلى جيل وهي باقية إلى يومنا هذا وتعتمد الموسيقى التراثية العفرينية على العديد من الآلات الموسيقية الأساسية وهي الطنبور الطبل والمزماز الزرناية والناي والقصبة (البلور) والدف وكان هنالك من يصنع الآلات في عفرين حيث إن صناعة آلة الطنبور (الساز) والناي والقصبة والطبل تعتبر من تراث عفرين ومن أشهر من كان يصنع الطنبور “آديك نجار”، المعروف بالعم “آديك” الذي أعتبر أيضاً من أهم العازفين على آلة الطنبور كما لم يكن في تلك الفترة حدود بين العفرين وأنطاكيا وغازي عنتاب فكان العازفين يقومون بإحضار الآلات من المدن الكردية الأخرى في باكور كردستان الآن .
من صناع آلة الطنبور المهرة في عفرين “زكريا عثمان” (أبو دليل) تحدث عن صنع هذه الآلة التراثية قائلاً: (تعتبر صناعة الطنبور من الصناعات القديمة في عفرين وهي متوارثة من الأجداد إلى الآباء لأنها من الآلات التي تستخدم في الموسيقى العفرينية وقبل الأزمة السورية كانت عفرين تعج بورشات صناعة الطنبور ومراكز بيعها، ولكن كانت للأزمة تأثيرها الكبير على هذه الصناعة وقد تم توقفها وهجر الكثير من صناعها من عفرين).
طرق تقليدية قديمة لصناعة الطنبور:
أما عن كيفية صناعة الطنبور فتحدث زكريا قائلاً:(يستخدم في صناعة الطنبور خشب شجرة التوت والجوز فنقوم بقطعها بالقياسات المطلوبة ثم تسخينها على القالب بشكل قطع، ثم يتم تجميع تلك الأخشاب وتركيب الزند الذي يكون من خشب الزان، والعيارات والأوتار والوجه يكون من خشب شجرة الشوح، وبعد تركيب كل الأجزاء تصبح الآلة جاهزة للعزف بعد طلائها بالدهان).
والطنبور قبل التسعينات كان يأتي محفور ويعتبر الطنبور الذي يكون جسمه “كود” محفور أفضل من الذي تم تجميعه عن طريق القطع لأنها تحافظ على نقاوة صوت الآلة دون تداخل المواد الكيميائية التي تمنع الصوت وتغيرها، إلا إن صناعته تأخذ الكثير من الوقت ولهذا يعتمد الصناع على صناعته من القطع ولكن مازال هنالك ورشات تصنع الطنبور بطريقة الحفر وتفريغ الهيكل ويختلف سعره ويكون بسعرٍ أثمن من الذي تم تجميعه.
حِرف متناقلة عبر الزمن:
كما تحدث أحد عازفي الآلات النفخية الذي يسكن في قرية زارت، بشيراوا “حجي ناصر” قائلاً:(كنت في الثانية عشرة من العمر حين تعلمت العزف على آلة المزمار (الزرناية)، وقد تعلمت العزف من والدي وعمي، كما تعلمت صناعة الطبل من والدي الذي تعلم بدوره من جدي وكان والدي يقوم بصيانة المزمار “الزرناية” والعديد من الآلات النفخية في حال تعرضها للكسر أو العطب عن طريق المواد اللاصقة والغراء والاسلاك النحاسية ونخالة الخشب، فنقوم بثقب المزمار من الجانبين ثم نقوم بشدها وتقطيبها بالأسلاك النحاسية وإدخالها في الثقوب التي قمنا بثقبها ثم نقوم بشدها بأسلوب يشبه خياطة الملابس، ونقوم بإخفائها بطريقة فنية داخل خشب الآلة عن طريق المادة اللاصقة التي نقوم بخلطها مع نخالة الخشب وإشباع المنطقة المكسورة كي تكسوها بطبقة سميكة تعبئ المنطقة المكسورة).
أما عن صناعة الطبول فقال حجي:(نقوم بإحضار جلد الخاروف أو الماعز ونقوم بتنظيفه من الوبر وبعد انتهاء أعمال التنظيف نقوم بإحضار منخل الطحين ثم نقوم بجمع ثلاثة مناخل مع بعضها البعض عن طريق الغراء والمسامير ثم نقوم بإحضار الجلد المناسب الذي يوضع في طرفي الطبلة وعن طريق القشاط التي تكون من الحرير نقوم بشدها وربطها لتكون جاهزة.
أشار الفنان العازف على آلة المزماز “جميل شعنك” قائلاً: (نحن كفنانين نقوم بإحضار الآلات من أجل العزف عليها من حلب وتركيا فهنالك عدة ورشات تقوم بصناعة الآلات الموسيقية النفخية في حلب، أما عن الفرق بين الآلات الموسيقية الحلبية والتركية فهنالك فرق كبير بين المزمار التركي والحلبي ونحن نفضل المزمار الحلبي لأنه مدروس موسيقياً لكن المزمار التركي غير مدروس وقد يعطي بعض الأصوات الشاذة أحياناً حين العزف).