تقرير/ آزاد كردي [1]
روناهي/ منبج: نظّمت مكتبة محمد منلا غزيل العامة؛ التابعة للجنة الثقافة والفن؛ ندوة، حملت عنوان “التركمان أصول وجذور”، وذلك في صالة المكتبة العامة؛ الكائنة في الثانوية الصناعية. بحضور العديد من المثقفين والمهتمين بالثقافة والأدب، فضلاً إلى حضور العشرات من أهالي مدينة منبج وريفها.
في ندوة “التركمان أصول وجذور”، التي نظمتها مكتبة “محمد منلا غزيل” العامة في مدينة منبج، تم التطرق فيها إلى بيوغرافيا السيرة التاريخية للشعب “التركماني” الذي يُعد من أقدم شعوب المنطقة، وأذخرها تاريخاً لعظمة إنجازاتهم، وأكثرها أدباً وبطولات، وأعظمها وضاءة، وألقى المحاضرة الكاتب “جمعة الحيدر”، وتناول فيها الحديث بإسهاب شديد التركمان وأصولهم وعشائرهم وقبائلهم ومناطق توزعهم وأبرز مصادرهم وعلومهم وشخصياتهم ولغتهم وسيرهم والفروق بينهم وبين الأصل التركي.
أصل الهوية التركمانية، واختلافها مع التُرك:
وتحدث المحاضر عن ماهية شعب التركمان، وقبائله، وأصل الاسم، والفروق عن الأصل التركي قائلاً:(التركمان، هو الشعب الذي يتحدث اللغة التركمانية، وهي لغة تابعة للفرع الجنوبي الغربي من اللغات التركية، وقد بلغ عددهم الكلي أكثر من مليون في بداية القرن الحادي والعشرين. ويتوزع التركمان في العديد من المناطق، ويعيش معظمهم في تركمانستان، وفي المناطق المجاورة من آسيا الوسطى، كما يعيش حوالي ثلثهم في إيران، وخاصة بالجزء الشمالي، كما ويتواجدون في شمال شرق وشمال غرب أفغانستان، وتسمى هذه الجماعات “بالتركمان العابرين”، وتنتشر جماعات من التركمان أيضاً في شمال العراق وسوريا، وتعيش مجموعات أصغر في وسط تركيا).
الحيدر أضاف:” إن هناك فرقاً بين الأتراك والتركمان. فالترك: هم قبائل الأورو الآسيوية، تقيم في مناطق آسيا الوسطى، وتعود أصولهم إلى ترك بن كومر بن يافت بن نوح عليه السلام. وتنقسم هذه القبائل إلى نحو عشرين قبيلة؛ وأشهرها؛ الأوغوز، وتعد أهم الفروع التركية، وقد ارتقوا إلى المرتبة الأولى من حكم الأتراك بظهور السلاجقة منهم على مسرح التاريخ. أما أتراك الأوغوز؛ فقد فتحوا الأناضول وأسسوا الدولة التركية الحالية. وانتشر الإسلام بصورة واسعة بين الأغوز في عام 915م وفي النصف الأول من القرن الحادي عشر. ونتيجة لذلك، فقد أطلق العرب على هذه القبيلة التركية التي أسلمت بأكملها؛ باسم ترك إيمان، تمييزاً لهم عن غيرهم من الأتراك الذين لم يُسلموا بعد، ثم ولضرورة تسهيل اللفظ، ومع الزمن، حُذفت الألف والياء، فأصبحت الكلمة تُلفظ -تركمان- أي التركماني”.
أصل تسمية التركمان، في أمهات الكتب:
وأكد المحاضر أن هناك اختلاقاً واضحاً حول أصل التسمية بالقول:” اختلف المؤرخون؛ بتسمية الأتراك، فمنهم من قال إنها تعود إلى شعوب صينية، ومنهم من قال إنها تعود إلى الشعوب الأذربيجانية، ومنهم من قال إنها ناجمة من تأثير (الأفكار القومية العلمانية) لكن الفاصل الوحيد أن تسمية الأتراك، تطلق اليوم على فئة المسلمين في الدولة التركية، أما اليهود؛ فيفضلون بدلاً منها؛ تسميتهم بالترك. وقد أطلق العرب على التركمان هذه التسمية؛ لتمييزهم عن الكفار الترك في أواخر أيام الدولة العثمانية، وهو لفظ يشاع على الفلاحين والقرويين، بينما الأتراك، فكانت تعني التمدن. ويرجع عرق التركمان لجدهم الأسطوري أوغوزهان بأحفاده الأربع والعشرين، ويعد هؤلاء أصل الترك ويتواجدون في تركمانستان وتركية وأذربيجان وأفغانستان و إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وليبيا، ويتكلم التركمان اللغة التركمانية، وهو فرع من اللغات التركية المنبثقة من اللغات الألطية. وقد وردت لفظة التركمان في كتاب” تاريخ سيستان” لمؤلف مجهول من القرن الخامس. ويبدو أن كلمة التركمان لها علاقتها بدخول السلاجقة إلى منطقة سيستان في عام 428 ه/1026م، وهنا يقصد المؤلف بالتركمان جماعات السلاجقة. كما ووردت بتاريخ ابن الفضل البيهقي (ت 470/1077) مع الإشارة إلى السلاجقة، فيدعوهم المؤلف مرة بالتركمان، وأحياناً فرّق فيما بينهم وبين السلاجقة. ومن المفترض تمييز مجموعة من التركمان (الغز)، وهاجر القسم الأكبر منهم نحو السلاجقة، وآخرون تدفقوا نحو هذه البلاد بعد الحملات السلجوقية.
وتابع المحاضر قائلاً:” هناك مؤلفون فرّقوا بين التركمان والغز. ولعل السبب في ذلك كما يقول: (مينورسكي)؛” إن السلاجقة استحسنوا لأتباعهم تعريفاً معيناً؛ ليميزوا أنفسهم من القبائل الغزية الأخرى. كذلك ليميزوا أنفسهم عن القبائل المناهضة لهم، والقبائل التي ألقت فيما بعد القبض على السلطان سنجر. (513-552/1119-1157م)، واحتفظت به أسيراً عندها من 1153 م- 1156م. وكذلك ورد تعبير التركمان في كتاب مشهور، باسم (طبائع الحيوان). ألّفه المروزي حوالي 514ه/1120م وأطلق تعبير التركمان على الغز المسلمين، لمجرد أنهم اعتنقوا الإسلام. وعندما اشتعلت الحرب بين المسلمين منهم، وغير المسلمين، انسحبت الجموع الأخيرة نحو منطقة خوارزم، وهاجرت إلى منطقة (البجنك)، الأمر الذي دعا الكاتب مينورسكي للقول: “إنَّ تعبير التركمان يطابق إسلام الغز”. وورد أول نزوح للقبائل التركمانية، حين نزلوا دمشق وأطرافها، في كتاب” معجم البلدان” للبلاذري، كما وردت في كتاب” البرق الشامي”، للقاضي الإمام عماد الدين الأصفهاني362م، إشارة إلى أوضاع التركمان وبطولاتهم وفتوحاتهم وجهادهم ورباطهم لثغور لبلاد الشام في حلب وحماة وإعزاز واللاذقية ودمشق، وأحوال قبائلهم وجيوشهم وأمرائهم؛ أمثال الأمير ياروق الذي بنى محلة الياروقية الكبيرة بمدينة حلب، حيث نزل فيها مع عسكره ورجاله، وعمّر فيها مع عسكره ورجاله ومات ياروق في سنة 564م، وكان من أمراء السلاطين التركمان؛ شجرة الدر، وعلاء الدين أيبك التركماني، وقطز، والظاهر بيبرس، ونور الدين الزنكي”.
ومضات من أصل التركمان:
وحول أصل التركمان، أضاف المحاضر :”هم أولاد عم المغول انحدروا من إحدى أكبر القبائل التركية بحسب ملحمة “أوغوزكاغان”؛ أحد أهم المراجع عن التاريخ التركي. وانحدرت منها الدول والإمبراطوريات التركية التي عرفها التاريخ، ونقصد هنا كل من السلاجقة والزنكيين والعثمانيين. أما التركمان فقد هاجروا من أفخاذ مختلفة عبر دفعات واستقروا تدريجياً في المنطقة بعد انفصالهم عن السلطنة العثمانية أواخر القرن العشرين، وعملوا بالزراعة والرعي بالإضافة إلى كونهم محاربين أشداء، وكانوا على صراع مع الإمبراطورية الصينية، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل السلاجقة، يعتمدون عليهم ويستعينون بهم في أكثر من معركة وحرب شهدتها منطقة الشرق الأوسط”. مستدركاً بالقول:” إن هجرات التركمان على دفعات من موطنهم آسيا الوسطى، وبشكل تدريجي إلى منطقة الشرق الأوسط مقتربين أكثر فأكثر من منبع الحضارة، مع كونه عبارة عن ترحال مستمر وتدريجي. وأسسوا بناء على ذلك دول مثل؛ الخوارزمية، والقراخانات حيث دأب البدو على هجرات عشوائية بحثاً عن الكلأ والمرعى، واستقروا في بادئ الأمر بسوريا الحالية في القرن السابع، واستقروا في كل من حلب ودمشق بحيث شكلت مركز تجاري وثقافي في البلاد. ودخل التركمان الإسلام مع التركمان السامانيين، ولاحقاً أسلمت دولة القراخانات ” الملوك السود” عام960م وكانت أول دولة تركمانية تعلن إسلامها وشكل السلاجقة أول دولة في منطقة الشرق الأوسط، ورافقهم الزنكيون ومع فوز السلاجقة بمعركة ” داندان أكان” ضد الغزنويين عام 1040م بدأ بقية التركمان بتركيز هجراتهم، وذلك عام1063م كما واستعان السلاجقة بهم بصد الغزو الصليبي عام1096م بمساعدة عماد الدين الزنكي وابنه نور الدين وشكلوا من خلال هذا التعاون؛ نواة لتأسيس الجيش السلجوقي، كما هاجرت قبيلة الكاي بزعامة سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية، واستعان بهم السلاجقة لدحر المغول في موقعة كوسة داغ عام 1243م وكمكافئة لهم؛ منحوا قطعة أرض في آسيا الصغرى، ومع هزيمة المماليك بقيادة طومان باي أمام السلطان العثماني سليم الأول عام 1516م في معركة مرج دابق شمال غرب حلب، بدأ الحكم العثماني في المنطقة، واستمر لغاية 1918م”.
اللغة التركمانية والتركية، وإشكالية العلاقة بينهما:
وأشار المحاضر إلى حياة التركمان البسيطة في القديم والحديث، وأصول لغتهم، وإشكالية العلاقة بين التركمانية والتركية قائلاً: ” يعيش التركمان قبل هجرتهم في مساكن تقليدية، وهي عبارة عن خيمة شعرية تسمى؛” دار الغارة؛ البيت الأسود”. وغالباً ما تسمى” يورت” في الأدب الغربي، ويمكن تجميع الخيمة أو إزالتها في غضون ساعة. أما في الوقت الحديث، فيعيشون بمنازل، تحتوي على قطعة أرض زراعية وماشية، ويتواجد غالبية التركمان في حلب واللاذقية، ويسمون ضمن السجلات العثمانية باسم” تركمان حلب” ويعتبرون تحت رعايته الخاصة، ويتمركزون شتاء في منطقة حلب، وصيفاً يتوجهون في منطقة” سيفاس” بتركيا، ويقال” تركمان الشام” للتركمان الذين يقطنون دمشق، في حين من يقطنون حلب والرقة، يقال لهم” تركمان جولاب”. أما تركمان منطقة اللاذقية، فيقال لهم” تركمان باير بوجاك” نسبة إلى مرتفعات باير بوجاك في جبل التركمان شمال اللاذقية. كما ويوجد تركمان في العراق. أما اللغة التركمانية، فهي لغة مستقلة قائمة بذاتها من حيث البنى اللغوية والأدبية، وهي أقرب إلى اللغة الأذربيجانية منها إلى اللغة التركية الحديثة، وتتكون من 20 لغة، يتحدثها حوالي 135مليون نسمة من دول البلقان إلى وسط سيبيريا اللغات التركستانية، وهي مقسمة إلى أربع مجموعات. وهي؛ المجموعة الجنوبية الشرقية أو الأيغورية، والمجموعة الجنوبية الغربية الغزية، والمجموعة الشمالية الغربية أو الكبشاكية، والمجموعة الشمالية الشرقية أو الألطية، وتطورت الكتابة التركتستانية الأولى عبر التاريخ من الصور والنقوش التعبيرية في عصور ما قبل الميلاد إلى الكتابة الصغدية والأورخونية والنسطورية ثم العربية. إن إشكالية العلاقة بين التركمانية والتركية، تثار الجدل المحتدم بين المثقفين والمعنيين التركمان.
وفي تساؤل أضاف: هل يجب إلغاء التركمانية؛ كلغة ثقافة وتعليم؛ باعتبارها لهجة شعبية، وإحلال التركية الحديثة لغة دولة التركية؛ باعتبارها هي اللغة الفصحى الرسمية. هذه الإشكالية غنية جداً وبحاجة إلى: أولاً، أن توثق للتاريخ، وثانياً: أن يطلع عليها أوسع من قبل التركمان خصوصاً، وإن كانت لهجة شعبية؛ فأنها تستحق أن تعامل؛ كتراث شعبي يتوجب دراسته ونشره، يعني مثلما نتعامل منذ أجيال مع اللهجات العربية، فهي حاضرة في الشعر الشعبي”.