موقع/ منتدى الشعوب –[1]
كانت كردستان القوقازية (كُردستان الحمراء) جزءاً من مملكة ال “مانّا” الكردية منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد، وبعد زوالها أصبحت جزءاً من مملكة “خلديا” (أورارتو) التي قامت في القرن الثامن قبل الميلاد، وبدورها انضمت إلى الإمبراطورية الميدية الكردية في القرن السادس قبل الميلاد، ثم خضعت للفرس بعد قيام الدولة الإخمينية على يد كورش، وعلى أرضها قامت حكومة ميديا الصغرى في ظلّ دولة الفرس، ومع قدوم الإسكندر المقدوني سنة 331 ق.م بقيت على وضعها السابق تحكم ذاتها بذاتها بقيادة “أتروپات” بموافقة الإسكندر مكافأة له، لأنّ أتروپات وقف على الحياد في الحرب التي دارت بين الإسكندر وداريوس ودعيت “ميديا الأتروپاتية”، وامتدّ حكمها حسب ما كتبه “بوليبوس” من بحر قزوين إلى جورجيا، وفيها استقرّت قبيلتا “ساگارتي” و “سانگي” بوتو الميديتان العريقتان على ضفاف نهر آراس وجبال “أرفين” و”قره داغ” حيث مركز استقرار الآريين الأوائل، وقد استقرّ قسم منهم وهاجر آخرون إلى أفغانستان واستقروا في “قندهار”.
انتفاض الكرد ضد سلطة الترك:
وبين عامي (644-643) تعرّضت كردستان القوقازية للسيطرة من قبل العرب المسلمين بقيادة حذيفة بن اليمان، حيث لقي الجيش العربي مقاومة عنيفة في “أتروبات” (أصبحت بعدها أذربيجان)، وبسبب عدم توازن القوى اضطر حاكمها للتوقيع على اتفاقية مع “حذيفة” تعهّد فيها الأخير بعدم قتل أو أسر أحد من السكان، وعدم التعرض للكرد: بلا شجان، سابيلان وساتروزان مقابل دفع مبلغ ثمانمائة ألف درهم، وهكذا ضمِن سلامة كرد “ميديا الصغرى” وكردستان ولو جزئياً، وإلى جانب الحروب الدموية انتهج رجال الدين العرب نوعاً من الحرب النفسية تجاه الكرد، من خلال مواعظهم وفتاويهم بغية تعريب الكرد الذين لم يرضخوا للسيف، فقالوا:(إنّ البيت الذي يحتفظ بالمخطوطات والكتب الزرادشتية سيلاقي أصحابه المآسي والخراب) بمعنى أنّ على الكرد أن يقرؤوا كتاب القرآن فقط، لأنّه يجلب السعادة والخير لأهل البيت، وبعد مرحلة طويلة من الكفاح ضدّ السيطرة العربية امتدت لثلاثة قرون بدأت الدولة الإسلامية بالتفكّك في العصر العباسي وبرزت الدويلات السلالية، حيث تمكّنت قبيلة شدادان (آل شداد) الكردية من تأسيس دولة كردية في القوقاز سنة 951 م واستمرت إلى سنة 1174، حيث كتبت الباحثة “شيرين إيكينر” في كتابها (المسلمون في الاتحاد السوفييتي) بهذا الصدد:
(حكمت أسرة شداد إيزيدڤان الكردية الإيزيدية المنطقة الواقعة بين نهري كورا-في أذربيجان وجيورجيا- وآراس في أرمينيا بين القرنين العاشر والثاني عشر، واتخذت مدينة “گنجه” في أذربيجان عاصمة لها ثم مدينة “آني” حالياَ في أرمينيا، وهم الذين وجّهوا ضربات قاصمة للخزر ووضعوا نهاية لغزواتهم، كما خضعت منطقة القوقاز لحكم العشيرة التركمانية “قره قويون” التي بنت دولتها انطلاقاً من القوقاز مروراً ب”أرديش” و “سنجار” شنكال وحتى بغداد ودامت بين سنوات (1469-1380)، ونشير في هذا السياق أنّ أسطورة البطل الكردي “رَوْشَنْ” الذي سماه الأتراك “كور أوغلو”، وهي ملحمة كردية شهيرة تعبّر عن انتفاضة عشيرة الجلاليين الكردية في القوقاز ضدّ سلطة أتراك “قره قويونلو”.
المخططات التي حيكت لصهر وإبادة الكرد:
كتب المؤرخ “أوربيلي” مقيّماً دور الكرد عبر التاريخ: (أعطى الشعب الكردي خيرة أبنائه من المحاربين والعلماء والأدباء للعرب والفرس والأتراك)، لكن هؤلاء كافئوهم بصهرهم وتجريدهم من ثقافتهم وسلب ممتلكاتهم وتجويعهم، أما الذين أبدوا أدنى نوع من المقاومة، فكان جزاؤهم القتل أو التهجير القسري، لدى دراسة تاريخ وجغرافية كردستان عامة ومأساة شعبها, تبرز أمامنا حقائق تتعلّق بالسيطرة التركية على القسم الأكبر من أرض كردستان أولاً، وتليه السيطرة الفارسية ومن ثم العربية، وأخيراً يأتي دور الروس. المخطّط التركي كان أكثر همجية وأشد قسوة من الفارسي، وربما يشبه المخطّط العربي في التكتيك والممارسة والأهداف من أجل بناء “الوطن الطوراني”، لكنّه أعظم هولاً منها، لكونهم غرباء عن هذه الجغرافية وأحدث عهداً من شعوب الشرق الأوسط كافة، ولم يتركوا أيّ أمل للعيش بوئام وسلام لشعوب المنطقة برمتها، فلم يمضِ شهر واحد من تاريخ قدومهم (سنة 1071) إلى الشرق الأوسط دون حروب، ويتبين هذا بشكل جليّ من خلال شعارهم:(وطن واحد شعب واحد علم واحد لغة واحدة).
أما المخطّط الفارسي فكان يهدف إلى قيام إمبراطورية شاهانية عظمى وإعادة أمجادها الغابرة بعد زوال السيطرة العربية، لكنّهم انتهجوا أسلوباً أقلّ قسوة من العرب في التكتيك، وعندما يئسوا من “تفريس” شعوبهم ومع الكرد خاصة تركوا لهم مساحة صغيرة جداً لممارسة القليل من ثقافتهم دون الاقتراب من العمل السياسيّ، ودعوا إمبراطوريتهم ب”الإيرانية” كمصطلح مقبول من قبل معظم الشعوب الإيرانية.
وحسب مخططات خلفاء العرب المسلمين الذين استولوا على السلطة بعد النبيّ محمد “ص”، وكذلك مفكريهم، كان يتوجب على الكُرد أن يضمحلّوا وينصهروا في بوتقتهم، مثلهم كمثل الشعوب الأصيلة الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب الذين انصهروا وأصبحوا عرباً أقحاح.
أما المخطط الروسي فقد كان يهدف إلى تحقيق حلم القياصرة الروس منذ زمن بعيد في إقامة إمبراطورية عظمى في العالم، وبسط سيادتهم على: إيران، آسيا الوسطى، الصين، الدولة العثمانية (بما فيها كردستان وبلاد العرب)، مضيقي البوسفور والدردنيل وبلاد البلقان، وتكون عاصمتها “القسطنطينية” ومن أجل تحقيق الحلم المنشود وضعوا الخطط اللازمة له، فقد كانت المرحلة الأولى من الخطة تقضي بالسيطرة على كردستان، وتنفيذها يستوجب بداية السيطرة على جنوب القوقاز (ما وراء القوقاز حسب المصطلح الروسي).
إنّ سبب اهتمامنا بهذه المنطقة كونها تعدّ تاريخياً جزءاً من جغرافية كردستان، وكانت كذلك منذ القدم وحتى بدء الحملات الروسية في سنوات (1827-1800) بغية فرض سيطرتها عليها، وبالتالي فإنّ تاريخ كردستان القوقازية أو ما دُعِيَ فيما بعد باسم “كردستان الحمراء” ، مرتبط بشكل وثيق مع تاريخ الشعب الكردي عامة، يكمن سبب جذب كردستان لشهيّة القوى المختلفة عبر التاريخ من المشارب والأصول ولأكثر من خمسة آلاف عام للسيطرة عليها، في أهمية موقعها الاستراتيجي، وجوِّها المعتدل وغنى أراضيها بالثروات السطحية والباطنية، لكن الأهمّ من هذا كلّه مناطقها الجبلية العالية التي تشرف على كلّ من: تركيا، إيران، وسهول العراق وسوريا المؤدية إلى الخليج الفارسي (العربي) وخليج الإسكندرونة، وكذلك الطرق المؤدية إلى روسيا عبر منطقة القوقاز، حيث تعتبر كردستان بوابة العبور نحو أوروبا عبر الأناضول، وآسيا الوسطى عبر الصحاري الإيرانية، وبلاد العرب وأفريقية عبر الصحراء الشامية.