بوريس جيمس*[1]
ترجمة وتعليق نضال محمود حاج درويش
كتب أحد المؤلفين المصريين في القرن الرابع عشر: «يجب أن تعلم أنه لا أحد يوافق على تعريف الكرد، يشير العجم على سبيل المثال إلى أن الكرد كانوا الطعام المفضل للملك بيوَراسف[1] الذي كان يأمر كل يوم بالتضحية بشخصين من أجله حتى يتمكن من أكل لحمهما. كان وزيره ارمائيل يضحي بأحدهم ويعتق الآخر ويرسله إلى جبال فارس. حمى الكرد أنفسهم في الجبل وتكاثروا. »أسطورة أخرى استشهد بها المؤلف نفسه تفترض أن الكرد هم أبناء زوجات النبي سليمان اللواتي حملن من الشيطان وتم طردهن إلى الجبال (المقريزي ، خطط Khitat: 3/751 ).[2] يغلب على طبيعة هذا الشعب المحارب حياة الرعي والتعلق بالجبال والبداوة والعنف والتفرد.
تتناول هذه الدراسة بشكل أساسي المشاكل الناشئة عن المجموعات الإقليمية والعرقية. إن اهتمامي بالسؤال المحدد المتعلق بالبلاد ولد من البحث اليومي الذي أجريه على الكرد في الفضاء السوري المصري والأراضي القبلية خلال فترة المماليك البحرية. يتناول هذا العمل جانبين: الجانب الأول هو مسألة فئة «الكرد»، أي الهوية الكردية خلال العصور الوسطى (من هم الكرد؟)، أما الجانب الثاني فيتعلق بإدراج الكرد في التكوين الاجتماعي والسياسي في ذلك العصر في مصر المملوكية وكذلك السياق المحدد للأراضي القبلية التي شهدت حرباً طويلة الأمد بين المماليك والمغول.
عززت أعمال علمية محددة اهتمامي بمسألة الأرض. أفكر في أعمال هاكان أوزوغلو وباكي تيزجان Hakan Özoglu and Baki Tezcan المكرسة للفترة العثمانية. هذه الكتابات محفزة للغاية لأنها تؤكد على أهمية وصف العمليات واسعة النطاق عبر التاريخ. يتناول كتاب هاكان أوزوغلو” أعيان الكرد والدولة العثمانية”، تطور الهويات والولاءات المتنافسة والحدود المتغيرة وتطور الهوية الكردية وتتويجها بالقومية الكردية. عنوان مقال باكي تيزجان هو “تطور استخدام مصطلح كردستان كوصف جغرافي ودمج المنطقة في الدولة العثمانية في القرن السادس عشر. يطور هذان المؤلفان اللذان يمثل عملهما ظهور مدرسة تاريخية جديدة في تركيا العديد من الأفكار الرئيسية المتعلقة بموضوعنا. يظهر كلاهما بشكل مثير للاهتمام العملية السياسية والإدارية التي أدت إلى اطلاق اسم كردستان على منطقة في شرق الأناضول تخضع بشكل نسبي للسيطرة العثمانية. على سبيل المثال، يجادل تيزجان “بأن المصطلح الجغرافي كردستان، أو أرض الكرد (حرفيا المكان الذي يكثر فيه الكرد)، ظهر بشكل أساسي نتيجةً الاستخدامات الإدارية وأشير المصطلح في الأصل إلى كردستان في إيران فقط”. ثم يكتب “إن اطلاق المصطلح على المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا الحديثة كان له علاقة بالهياكل السياسية المحلية أكثر من علاقته بالتركيب العرقي والديموغرافي للمنطقة”. لن أطرح هنا الفترة العثمانية لأني لا أملك القدرة الكافية للقيام بهذه المهمة. على الرغم من أنني سوف أركز الانتباه إلى عملية التصنيف التي أدت إلى ظهور تسمية كردستان، إلا أنه من الأهمية بمكان أن نأخذ في الحسبان الفترات السابقة والتسميات الجغرافية في العصور الوسطى المرتبطة بمصطلح ال «كرد» مثل بلاد الكرد حتى وإن لم يتناسب ذلك تماماً مع تصنيف «كردستان». وهناك نقطة أخرى مثيرة للاهتمام في هذه الأعمال وهي مسألة إسناد تصنيف ال«كرد» بالاستناد إلى علاقة مجموعات معينة بإقليم معين. يرى هاكان أوزوجلو بأن كلمة “كرد” كانت اسماً يطلق على القبائل الرحل التي تعيش في منطقة معينة وأطرافها.[3] لقد كان في الغالب من عمل الغرباء أن يتخيلوا ويصفوا مجموعة غير متجانسة جداً بأنهم كرد”. سأعود إلى مسألة العملية الأحادية التي تشير إلى اسناد فئة أو هوية من قبل الغرباء على مجموعات معينة وسأعود إلى مسألة التصنيف وفقًا للانتماء أو العلاقة بمنطقة معينة. سأحاول أن أظهر طريقة واحدة من بين العديد من الطرق الأخرى للنظر في فئة الكرد أعني هنا كتاب ابن خلدون. خلال هذه الجولة في بناء التصنيفات كردستان وكردي، سأجادل بشكل رئيسي في أن عملية التصنيف هي عملية متعددة الأوجه تعود إلى مصادر مختلفة وتؤدي إلى تصنيف متعدد الأبعاد. ثانيا، سأجادل بأن مصطلح كردستان ليس مجرد مصطلح إداري استخدم في الفترة العثمانية فقط وأنما يمكن إرجاعه أيضاً إلى تصورات سابقة أو استخدامات أدبية. ثالثا، سأناقض فكرة العلاقة الحصرية بين منطقة معينة والعنصر الكردي ، وبدلاً من ذلك ، ربطه بما نسميه النموذج التاريخي لأبن خلدون.
الأراضي القبلية للأكراد خلال العصور الوسطى
يجب أن أنبهكم هنا من أن محاولتي ليست وصف لسلسلة تاريخية متصلة لتبرير حالة معاصرة من الحقائق، ولكني أدعو إلى مراعاة جميع العناصر التي تسمح بفهم عملية التصنيف التي تستمر وتنتقل عبر السنين. أنا أفضل استخدام تعبير «الأراضي القبلية للكرد» على مصطلح كردستان أو أرض الكرد (بلاد الأكراد)، على الرغم من استخدام بعض مؤلفي العصور الوسطى لتلك المصطلحات. أولاً لأن هذه التصنيفات لم تغطي أبداً المساحة التي كان يوجد فيها الكرد خلال العصور الوسطى. إما أن المنطقة القبلية تجاوزت إلى حد كبير حدود المناطق التي كانت تسمى بلاد الأكراد، أو أن مناطق كبيرة لم يكن يسكنها الكرد داخل هذه الحدود. لذلك لا أريد أن أرسم الحدود الدقيقة للمنطقة التي، كما سنرى ، لم تكن متجانسة عرقيا ولا موحدة سياسيا. سوف أتجنب عبارة «أراضي الكرد القديمة». من جهة فإن الفرضية التي تدعي بأن هذه الأراضي تشكل “مهد الشعب الكردي” لا يمكن تبريرها بل هي أيديولوجية، ومن ناحية أخرى، لا يبدو لهذا السؤال صلة بالعلم. وجود قبائل كردية غير مستقرة يجعل من الصعب تحديد موقعهم وكذلك لا يمكن التنبؤ بذلك على الرغم من حقيقة أن المؤلفين على ما يبدو ينسبون مناطق معينة إلى بعض القبائل وأنه كان هناك أحياناً خلط بين أسماء القبائل وأسماء المناطق. عاش العديد من السكان من غير الكرد في تلك المنطقة ومن الصعب تحديد نسبتهم ضمن المجموع العام للسكان في تلك المنطقة بنهاية الفترة العثمانية.
لكل هذه الأسباب ، فإن تعبير «الأراضي القبلية» هو الأكثر أهمية لأنه يصف مجال تحرك القبائل الكردية، وهو فضاء قبلي وسياسي متغير دائماً، وليست بالضرورة أن تكون منطقة فرضت عليها السيطرة العسكرية أو السيادة السياسية .أبعد من هذا التحذير، يمكن للمرء أن يؤكد بأن الكتاب خلال العصور الوسطى كانوا على دراية بوجود مساحة مستمرة نسبياً حيث تم العثور فيها على مجموعات سكانية مصنفة على أنهم “كرد”. في دراسة المجموعات الكردية في مصادر العصور الوسطى العربية يمكن للمرء أن يخمن بسهولة بأن تلك المجموعات كانت موجودة بشكل أساسي في المناطق الجبلية. بالإضافة إلى الخصائص الأخرى، ويمكننا أن نلاحظ في المنطقة القبلية وفقاً للنصوص بأن هناك اختلاف واضح يتزايد عبر السنين، بين منطقة زاغروس ومنطقة شرق الأناضول التي تمتد غرباً إلى طوروس. وهكذا ، كما لاحظ كل من مينورسكي ووانلي، فإن الكرد في المنطقة الواقعة بين همدان وحلوان (زاغروس) يختلفون عن الكرد الموجودين في منطقة بحيرة فان وشمال الموصل (شرق الأناضول). علاوة على ذلك فأن الدور الذي لعبه الكرد الغربيون (الهذبانية ، والزرزارية ، الحميدية …) في عهد الأمراء الزنكيين والسلاطين الأيوبيين ، يسهل علينا التعرف عليهم.
القبائل والسلالات الكردية في المنطقة القبلية بين القرنين العاشر والثاني عشر
على العموم ، امتدت الأراضي القبلية للكرد في العصور الوسطى وخاصة خلال القرون الخمسة الأولى للإسلام ، من دفين (دوين المترجم) (جنوب بحيرة سيفان) إلى الموصل، ومن همدان إلى الجزيرة. يعود سبب وجود سلالات كردية قوية في زاغروس (الحسنويون في بهار) وشرق الأناضول (الرواديون في تبريز والمروانيون في خلاط) إلى وجود قبائل من صنع الملوك King-making tribes. على العكس من ذلك، فإن هذه السلالات أثرت بالتأكيد على التركيبة السكانية والتنظيم الاجتماعي لهذه المناطق. سيأخذ الكثير من الوقت لو عدنا إلى التاريخ المعقد لما يسميه مينورسكي فترة مفصلية ايرانية«iranian intermezzo »، صعود الديلميين والإمارات الكردية خلال القرنين العاشر والحادي عشر. دعنا نستشهد فقط بالشداديين[4] من قبيلة الروادية وهي من الكونفيدرالية الهذبانية[5] (من القرن العاشر حتى نهاية القرن الثاني عشر) في أذربيجان وأرمينيا; الرواديون أيضاً مرتبطون بالهذبانيين في أذربيجان[6] (من القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر( ;المروانيون[7] ينتمون بالأصل إلى قبيلة الحميدية (من القرن العاشر إلى القرن الحادي عشر) في ديار بكر وحول بحيرة فان ؛ الحسنويون الذين ينتمون إلى قبيلة البَرزكان (القرنان العاشر والحادي عشر) ويحكمون حلوان ودينَوَر ونهاوند ومنطقة همدان وشهرزور.[8]
التغييرات القبلية والسياسية بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر
الفضاء القبلي
وفقاً للمصادر العربية ، يبدو أن مجال انتقال القبائل الكردية يتناقص بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر. دعوني أستشهد بإيجاز ببعض المدن أو المناطق التي لا يزال الجغرافيون أمثال ياقوت الحموي (ت 1229) أو العمري (توفي 1349) يعتبرونها مأهولة بشكل كبير بالسكان الكرد في تلك الفترة: اربل Irbil (أربيل، المترجم) وتل حفتون وعقر وشهرزور ومنطقة الدشت وقيمر(وهو حصن بين الموصل وخلاط جاء منها أمراء القيمرية المشهورون في حلب ودمشق)، وفنك (يحكمها الكرد البشنوية منذ القرن العاشر) [9] ونصيبين وشمال الجزيرة وسنجار وحصن طالب (يحكمها الكرد الجوبيين Jûbiyya Kurds بالقرب من حصن كيفا (الأسم الكردي حسنكيف، المترجم) الذي يقال أنه جزء من بلاد الأكراد خلال القرن الثالث عشر). وما زالت الموصل مكاناً لاستقرار وتجنيد الأكراد. لكن Suhraward (سهرورد ) التي كانت تشكل الحدود الشمالية للعراق مع شهرزور، لم تعد تعتبر مأهولة بالأكراد خلال القرن الثالث عشر.[10] في ذلك الوقت لم يعد يقال شيء عن الأكراد في أذربيجان العليا أو أرمينيا. على سبيل المثال لم تعد تبريز مسكونة بالكرد. وفي الوقت نفسه، في عام 1152، قام السلطان السلجوقي سنجر بإنشاء منطقة إدارية تسمى كردستان في منطقة زاغروس التي كان يحكمها في السابق الحسنويون،[11] وصف المؤرخون الزنكيون والأيوبيون بشكل رئيسي الأراضي القبلية في شرق الأناضول بأنها مأهولة بالكرد.
إن أسباب مثل هذا التغيير في الفضاء القبلي موصوفة على نطاق واسع في المصادر ويمكن اعتبارها على النحو التالي: الصراع على السلطة ضد الإمارات الأرمينية والجورجية، والتسلل التركي من الشرق وبالتالي استراتيجيات التجنيد العسكري الجديد. وهكذا ، في حين تمكنت الإمارات الكردية والقبائل من إنشاء مساحة سياسية آمنة نسبياً في جنوب أذربيجان وأرمينيا ، تعرضت هذه المناطق إلى غزوات تركية ضخمة أدت إلى تقويض الإمارات السابقة واستقرار القوى التركية هناك على غرار ما حدث في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. آخر ظهور للسيطرة التركية على أذربيجان وأرمينيا حدث في عهد صلاح الدين الأيوبي عام 581/1186. كتب ابن الأثير: لقد نشب نزاع في زوزان الأكراد بين التركمان والأكراد بسبب شجار في حفل زفاف عادي وانتشر في الجزيرة (نصيبين ، سنجار..) وديار بكر (ميافارقين) وخلاط وبلاد الشام وشهرزور وأذربيجان (ابن الأثير: المجلد 10/136 ؛ ابن شداد ، النوادر: 63؛Michel le Syrien : vol.3 /400-3 ; Lyons & Jackson : 234)
على الرغم من هذا المشهد الأخير، إلا أن أشد محاولة للسيطرة على الأراضي القبلية للكرد كانت بقيادة الزنكيين. خلال السنوات 525/1130, ومن أجل تأمين المنطقة الخلفية لعاصمتهم الموصل ، شن الزنكيون هجوماً على الإمارات الكردية في تلك المنطقة: وتم الاستيلاء على قلاع الحميدية والمهرانية (الهدبانية) والهكارية.[12] بدأ الزنكيون أيضاً وعلى نطاق واسع بتجنيد الكرد في جيشهم. وأدى ذلك إلى إطلاق العنان لتدفق هام من السكان الكرد في سوريا وفلسطين وخاصة أولئك الذين شاركوا ضد الحملة الصليبية. الفترة الأيوبية هي ذروة الاندماج الكردي داخل المدن الرئيسية في سوريا ومصر لدرجة أن أعلى السلطات الدينية أو الإدارية أو القضائية في مصر يمكن أن تكون كردية وحتى وقت متأخر جداً خلال فترة المماليك. في نهاية العصر الأيوبي كان يوجد حي كردي في العديد من المدن الكبرى في الشرق الأدنى (Eddé، James).
إن الإذلال السياسي الواضح الذي نتج عن سيطرة الزنكيين على الإمارات الكردية، أدى بشكل متناقض إلى ظهور جديد للأكراد ليس كشعب متجانس وموحد سياسياً ولكن كشعب يدخل المدينة بقوة. نرى هنا ظهور نموذج ابن خلدون. تنتهي هذه الدورة مع نهاية الأسرة الأيوبية، وذلك عندما استولى المماليك على السلطة في مصر وسوريا. مع المماليك يمكننا ملاحظة ظاهرتين: اختفاء الأكراد كقوة عسكرية كبرى في الدولة وخاصة ضمن مجموعة كبار الأمراء وعودة ظهور الأكراد في الأراضي القبلية بفضل سقوط السلالات التركمانية الثانوية (auxiliary dynasties) وكذلك السياسة العالمية. أصبحت المنطقة القبلية مكاناً مدمراً Stamp space )) بسبب الحرب الساخنة والباردة بين المماليك والمغول (Amitai-Preiss). لم يصل الحكم المملوكي المباشر في الشرق اطلاقاً أبعد من الرحبة, وكذلك التأثير المغولي، حتى لو تجلى ذلك في ذكريات عنيفة جداً في المنطقة القبلية، كان مؤقتاً بشكل دائم أو يمكن القول إنه كان موسمياً، حسب وصف جون ميلوي لنفس الظاهرة في حجاز المملوكية. إن عودة الأكراد إلى الأطراف (؟) يغلق الدائرة. سأعود لاحقاً إلى تلك الفكرة المستعارة من كبرييل مارتينيز كروس Gabriel Martinez-Gros المتخصص الفرنسي في ابن خلدون. للربط مع الجزئين التاليين من دراستي فأنني أكدت على أهمية هذه الديناميكيات المكانية والنموذج التاريخي لأبن خلدون الذي وصفته للتو، من أجل فهم المغزى من مصطلحي كردستان وكردي. لتوضيح الأمر بشكل أفضل، مصطلح الكرد يقصد به من جهة الكرد (أو هم شعب) لأنهم أيضاً يدخلون النموذج التاريخي لأبن خلدون كقوة دافعة تاريخية، ومن ناحية أخرى تم استخدام كلمة كردستان أو بلاد الأكراد خلال العصور الوسطى وخلال الفترة العثمانية أيضاً لأن منطقة معينة يصعب تحديدها تم تشكيلها بواسطة هذه الديناميكيات المكانية.
من بلاد الأكراد إلى كردستان: الفئات الإقليمية
يؤكد بعض الباحثين بأن أصل كلمة كردستان يمكن تتبعها فقط من خلال إسناد هذا التصنيف إلى الوحدة الإدارية السلجوقية في إيران أو في الأناضول العثمانية. لقد ذكرت بالفعل محافظة كردستان التي أنشأها سنجر عام 1152 في المنطقة التي كان يحكمها سابقاً الكرد الحسنويون. حتى وفي حال كان المصدر مثيراً للجدل وتم استخدامه لغايات إدارية بحتة، فمن السهل جداً اعتبار أن هذه الكلمة استخدمت للدلالة على منطقة معينة كان يوجد فيه العديد من الكرد إن لم يكونوا يشكلون الأغلبية خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، خاصة وأن المؤلفين الايرانيين استخدموا مصطلح “ولاية الأكراد”
“velayat-i ekrâd” للإشارة إلى نفس المنطقة(Tezcan) . في الفترة نفسها وحتى قبل ذلك التاريخ، استخدم المؤلفون الناطقون بالعربية عدة مصطلحات لتحديد المكان الذي يعيش فيه الكرد، زوزان الأكراد، وجبال الأكراد، والأكراد، وبلاد الأكراد، إلخ. هذه المصطلحات كما سنرى، تنطبق بشكل رئيسي على منطقة ديار بكر وبحيرة فان والمناطق الداخلية من الموصل. هذا هو الجواب الأول عن سبب عدم استخدام كلمة كردستان حتى الفترة العثمانية لتحديد مناطق غرب زاغروس (ciszagrosian) (أي شرق الأناضول)؟، حيث يفضل المؤرخون العرب استخدام ترجمتها الدقيقة، بلاد الأكراد.
لنبدأ بمصطلح الزوزان: يستخدم الكرد مصطلح زوزان في الوقت الحاضر للإشارة إلى المراعي الصيفية، وهذه الكلمة معروفة أيضاً في اللهجات الأرمنية الشرقية (Bayazit،Mûsh ، Van Maratchkert Tchatakh) وتعني أيضاً مرعى في الجبل. بالنسبة للمؤلفين العرب في العصور الوسطى، فهي منطقة جغرافية محددة يسكنها الأرمن والكرد. وفقاً لابن حوقل (القرن العاشر)، كان الديراني حاكماً (صاحب) على الزوزان، ربما المقصود هنا ديرانيك Deranik الملك الأرمني في فاسبوركان Vaspurakan بين بحيرة فان (وان، المترجم) وجبل أرارات (ابن حوقل ، المجلد 2/348). لم يذكر المؤلف أي أثر للوجود الكردي في تلك المنطقة، حيث يشكل المسيحيون نسبة كبيرة من السكان المحليين.[13] بعد ذلك بثلاثمائة عام يكتب ياقوت الحموي عن الزوزان في كتابه معجم البلدان: “هذه المنطقة تقع في وسط الجبال الأرمنية بين أخلاط[14] وأذربيجان وديار بكر والموصل. سكانها من الأرمن (أهلها أرمن)؛ هناك أيضاً مجموعات من الكرد (وفيها طوائف من الأكراد) (ياقوت الحموي ، “زوزان”). كتب ابن الأثير (ت 1233) في نفس الفترة: زوزان منطقة شاسعة تقع على الحدود الشرقية لنهر دجلة في منطقة جزيرة ابن عمر، وتبدأ المنطقة بعد مسافة يومين من الموصل، وتمتد إلى حدود منطقة خلاط وتنتهي في أذربيجان حتى مقاطعة سلماس، يوجد فيها قلاع كثيرة، كلها تعود للكرد البشنوية والبوختية. ابن الأثير الذي هو في الواقع من تلك المنطقة، يأتي لاستخدام تعبير زوزان الأكراد في كتابه الكامل في التاريخ، للحديث عن المكان الذي بدأ فيه الصراع بين التركمان والأكراد (ابن الأثير: الجزء العاشر صفحة 136) . ملاحظتي الثانية : هي أنه من المرجح أن كلمة زوزان هو اسم محلي شائع وقديم جداً. وحقيقة ان المصادر العربية جعلت منه اسم علم هو على الارجح مجرد استنتاج. أولاً: لأنه اسم شائع باللغتين الأرمنية والكردية في الوقت الحاضر. وثانياً :لأن الكلمة تستخدم بشكل رئيسي في اللهجات الكردية الغربية بينما يميل الكرد الشرقيون إلى استخدام كلمة كويستان Köestan (Kûhestân بالفارسية)، التي ذكرتها أيضاً المصادر العربية ،(ياقوت,قوهيستان) للإشارة إلى منطقة جغرافية يسكنها الكرد وتقع أبعد إلى الشرق. قد يظهر هذا الأمر، مرة أخرى، الفصل الثقافي بين كرد زاغروس وكرد شرق الأناضول في تلك الفترة الزمنية. وبالمقارنة ، فإن عبارة “بلاد الأكرد” هو تصنيف متأخر نسبياً، ظهر على الأرجح خلال القرن الثاني عشر. على الرغم من عدم وجود أي وصف دقيق لتلك المنطقة، إلا أنها على ما يبدو كانت تشير دائماً إلى منطقة متداخلة ما بين شرق الأناضول والزوزان، يستخدمه عماد الدين الأصفهاني للحديث عن منطقة حصن كيف (حسن كيف). يشير ابن العماد (المجلد 7 ص 423) إلى بلاد الأكراد في تذكيره ل البشيري الذي جاء من قلعة بشير مباشرة في المنطقة الموصوفة من قبل ابن الأثير باسم زوزان. يستشهد بيبرس المنصوري (ص 329 ، 352) أيضاً ب بلاد الأكرد وجبال الأكراد. يشير أبو شامة (ص 204) إلى أنه قد تم تعيين القاضي كمال الدين عمر بن بندر التفليسي قاضياً في مدن الشام والموصل وماردين وميافارقين وبلاد الأكراد. يجب أن نلاحظ هنا كيفية استخدام اسم عرقي كتصنيف إقليمي.
خلاصة: لدينا هنا منطقة (زوزان) أرمنية حصرياً خلال القرن العاشر بينما الكرد يتواجدون بشكل رئيسي في الشرق والجنوب منها في اقليم الجبال[15] يسمى من قبل اليعقوبي دار الأكراد (Vanly، I.C 1976: 355 ؛ اليعقوبي: 232) وكذلك في فارس. تصبح هذه المنطقة أرمينية وكردية على حد سواء ومن ثم إلى كردية حصراً خلال القرن الثالث عشر. وهذا يؤكد الفكرة التي تدعي بأن المنطقة القبلية للأكراد امتدت باتجاه الغرب بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر بطريقة ربما تكون قد غيرت قليلاً التركيبة السكانية للمنطقة. وإذا لم يصبح الكرد أغلبية في منطقة الزوزان ، وهو الأمر المرجح ، فأنهم قد أصبحوا محور التركيز الرئيسي لمؤرخيهم المسلمين، أي أن الزوزان قد تم منحه للكرد رمزياً قبل ثلاثمائة عام، قبل أن ينسب العثمانيون اسم كردستان لتلك المنطقة بالذات. أود أن أقترح أيضاً أن هذين التصنيفين (زوزان الأكراد وبلاد الأكرد) سياسيان حقا ويحتويان على عنصر تطبيقي a performative aspect. المنطقة الأرمنية الحقيقية للمؤلفين العرب في القرنين الثالث عشر والرابع عشر (العمري ، المجلد 3 / ص 124) هي منطقة سوس (بلاد التَكَفر Bilâd al-Takafûr: ذكافر thagavorتعني الملك في الأرمنية)، مملكة ليفون Levon، المكان الذي تم فيه تطبيق السيادة الأرمنية. بالمقابل ،لم يكن بالتأكيد في بلاد الأكراد أية هيمنة سياسية أرمنية أو كردية، ولكن من السهل جداً تخمين أن المؤلف الذي استخدم هذا المصطلح تمنى أو رأى أنها أصبحت منطقة سياسية كردية حصراً. على الرغم من أن مصطلح “بلاد الأكراد” ليس له استخدام رسمي ولا منهجي خلال العصور الوسطى، إلا أنه كان له بالتأكيد دور في تصنيف هذه المنطقة المحددة ككردستان في الفترة العثمانية، أو أنها ببساطة ترجمة أو انعكاس لاستخدام محلي أكثر لكلمة كردستان. من الجدير بالملاحظة أن هذه المصطلحات الخاصة (زوزان الأكراد، بلاد الأكراد) المتعلقة بمنطقة مرتبطة بالكرد على وجه التحديد، ظهرت خلال إعادة تدوير الدور الكردي، وإعادة ظهور الكرد كشعب خلال الفترات الزنكية والأيوبية وفقاً لوجهات نظر ابن خلدون.
النموذج الخلدوني
دعونا نعود للحظة إلى جملة أوزغلو: “كلمة كردي “كانت اسماً يُطلق على القبائل البدوية التي كانت تعيش في منطقة معينة وأطرافها (Özoglu, p.14). باستثناء الطبيعة البدوية لهذه المجموعات يمكننا جميعاً الاتفاق على هذا الرأي. ومع ذلك، أود أن أقترح أيضاً بأن هناك الكثير من العناصر الأخرى التي دخلت في بناء العنصر الكردي في المصادر الأدبية في العصور الوسطى. ليس لدينا هنا إمكانية للكشف عن كل هذه العناصر وسنكتفي بتقديم نموذج ابن خلدون الذي ذكرناه من قبل. كما قلت بالفعل من قبل لقد استعرت هذا التأمل من كبرييل مارتينيز كروس Gabriel Martinez-Gros.
-تمت مناقشة مفاهيم ابن خلدون (1332-1406) إلى حد كبير وهي تشكل نظرية دقيقة ومبتكرة للتاريخ السياسي في عصره. ومع ذلك، فإن كبرييل مارتينيز كروس يفترض بحق أن الأفكار التي تم الكشف عنها في كتاب العبر، العمل الرئيسي لأبن خلدون، من المرجح أن تمثل رؤية عالمية واسعة الانتشار في العصور الوسطى. الفكرة الرئيسية لعمل ابن خلدون هي أن عالماً مزدوجاً للاستقرار/ عالم البدو يقود دورة التاريخ للمجتمعات الإسلامية. أقتبس من مارتينيز كروس: “يقسم ابن خلدون المجتمعات البشرية إلى نمطين للحياة ، المتحضرة والبدوية. الأول ، وهو المتحضر ويعيش تحت سلطة دولة تجمع الموارد المالية والبشرية من المناطق المحيطة بالدولة إلى العاصمة تحت الضغط ومن خلال الضرائب “.
″كمفارقة، من أجل الحفاظ على وجودها، يجب على الدولة أن تتخذ العنف والتضامن [العصبية] كوسائل في المناطق التي تنكر سلطتها. كمفارقة أخرى، هي أن الدولة، التي احتلت وحكمت بالقوة، تحتاج إلى قوة ضرورية من أجل مصالح الأمة وتنتمي هذه القوة عموماً إلى أرستقراطية بدوية. والواقع أنه لا توجد دولة بدون عنف منظم ولا يوجد عنف منظم إلا بين البدو؛ فلا توجد حكومة إلا من البدو”. إن التجلي السياسي للعصبية في المدن “Civitas”أو العالم المتحضر هو السلالة. السلالات لها حياة وتموت وتستبدل بسلالات أخرى تدعمها عصبية أخرى. كما يعلم الجميع ، فإن مصطلح “البدو” لا يعني الانتماء العرقي، لذلك فإن العرب والأتراك والبربر والأكراد هم جميعهم بدو بالنسبة لابن خلدون. إنهم القوة التي تقود هذا النظام ، وصانعي القوة وبالتالي صانعي التاريخ. “بالنسبة لابن خلدون [ولكن ليس فقط بالنسبة له وحده (الخزرجي ، 193)]، فإن الأسرة الأيوبية هي سلالة كردية لأن الدعم الكردي لصلاح الدين يعطي مظهر محدد للأساس التركي للسلالة. ما يميز الأيوبيين داخل نطاق النفوذ التركي الضخم ويتيح لهم الوجود هو هذه اللمسة الكردية”. وهكذا في دورة التاريخ عند ابن خلدون، تبدأ بنهاية الدور السياسي للكرد نتيجة للاحتلال الزنكي للمنطقة القبلية وتنتهي بظهور السلالة المملوكية، وبالتالي فإن الكرد موجودين كشعب لمشاركتهم في دورة التاريخ وكذلك لظهورهم في العالم المستقر ومن ثم العودة إلى الأطراف.
ما هو جدير بالملاحظة من إفادة كبرييل مارتينيز كروس هو أن التمثيلات السياسية لزمن ما تعطي أدلة لفهم عملية التصنيف. إذاً فأن مصطلح فئة الكرد هو تصنيف سياسي. إذا كانت هناك منطقة يجب النظر فيها هنا، فهي ليست كردستان أو بلاد الأكرد بل عالم البدو، الأطراف. لكن هذه الأخيرة ليس لها أهمية كبيرة ويتم تعريف الكرد بالاستناد إلى علاقتهم مع العالم المتحضر، علاقتهم مع المدينة «Civitas» والدولة. النتيجة الأكثر إحباطاً بالنسبة لافتراضنا السابق بخصوص تصنيف كردستان وكرد هي أن الصفات الثانوية subjective aspects تُترك جانباً. نظراً لأن الأشخاص الذين نظروا إلى أنفسهم على أنهم كرد (وبالتأكيد كانوا كذلك) ولم يكتبوا أي شيء عن تمثيلاتهم الخاصة ، فإننا مضطرون للنظر فقط في ما يسميه Özoglu العملية الأحادية. هو يكتب: “أن دور السكان المحليين في اطلاق مصطلح كرد غير معروف″. ومع ذلك، فمن المحتمل جداً أنه كان مصطلحاً خارجياً، وبالتالي نشأ نتيجة لعملية أحادية حيث أن الأشخاص الذين تم تمييزهم بهذه الطريقة اعتمدوا المصطلح في الفترات التالية “(Özoglu, 27).
إن سر هذه المعادلة يكمن في التوافق بين إسناد فئة والإسناد الذاتي أو الألتصاق بها ، اللحظة التي جاء فيها بعض الأفراد ليعتبروا أنفسهم كمجموعة قادمة من منطقة معينة وبدأوا في التصرف وفقاً للصورة التي يعطونها للعالم.
Brief Bibliography
Primary Sources
– Ibn al-Athîr, Al-Kâmil fî ’l-târîkh, Dâr al-kutub al-‘ilmiyya, Beyrouth, 1998.
– Ibn Hawqal, Kitâb sûrat al-ard, 2nd éd. J. H. Kramers, Leiden, 1939.
– Ibn al-‘Imâd, Shadharât al-dhahab fî akhbâr man dhahab , éd. Maktabat altijâriyya
li ’l-tibâ‘a wa ’l-nashr wa ’l-tawzî‘, le Caire, 1931.
– Ibn Shaddâd (Bahâ’ al-dîn), al-Nawâdir al-sultaniya wa l-mahâsin al-yusûfiyya, éd. G. al-Shayyâl, Le Caire, 1964 et Recueil des Historiens des Croisades, t.iii, historiens orientaux.
– al-Isfahânî, ‘Imâd al-dîn. Kharîdat al-qasr, Bagdad, 1955, (Partie Iraq).
– al-Khazrajî, Târîkh dawlat al-akrâd wa’l-atrâk, Ms. Istanbul, Süleymaniya, Hekimoglu Ali PaÛa, n° 695.
– al-Maqrîzî, Kitâb al-mawâ‘iz wa ’l-i‘tibâr fî ’l-khitat wa ’l-athâr, éd. Sayyed Ayman Fuad, Londres, 2002.
– al-Mas’ûdî, Murûj al-dhahab wa ma‘âdin al-jawhar, éd. Ch. Pellat, Beyrouth,1966.
– Michel le Syrien, La Chronique syriaque, éd. et trad. J.b Chabot, Paris, 1899-1914/1962.
– al-‘Umarî, Masâlik al-absâr fî mamâlik al-amsâr, éd. Sezgin, Francfort, 1988.
– al-Ya‘qûbî, Kitâb al-buldân, 2e éd. M. J. De Goeje, Leiden, 1892.
– Yâqût al-Hamawî, Mu’jam al-buldân , éd. F. Wüstenfeld, Liepzig, 1866-1973.
Secondary sources
– Amitai-Preiss, Reuven, 1995, Mongols and Mamlûks ; The Mamluk-Îlkhânid
War, 1260-1281 , Cambridge University Press, 272 p.
– Lyons, Malcolm Cameron & Jackson, David Edward Pritchett, 1982/1997, Saladin : the politics of the holy war, Cambridge University press.
– Eddé Anne-Marie, 1999, La Principauté ayyoubide d’Alep (579/1189-658/1260), Stuttgart, Franz Steiner Verlag, Freidburger Islamstudien, 727 p.
– Elisséeff, Nikita, 1966, Nûr ad- dîn, un grand prince musulman de Syrie au temps des croisades, Damas, 3 vol. 1076 p.
– Haarmann, Ulrich, 1988, « Ideology and History, Identity and Alterity : The Arab Image of The Turk from the ‘Abbasids to Modern Egypt », International Journal of Middle East Studies 20 , 175-196.
– James, Boris, 2006, Saladin et les Kurdes ; perception d ‘un groupe au temps des croisades, Etudes Kurdes, Hors série ii, Paris, L’Harmattan, 228 p.
– James, Boris, 2007, « Le territoire tribal des Kurdes et l’aire iraquienne (Xe-XIIIe siècles) : esquisse des recompositions spatiales », in l’Irak en perspective, n° 117-118, REMMM, édisud, Aix en Provence, pp. 101-126.
– Martinez-Gros, Gabriel, 2006, Ibn Khaldoun et les sept vies de l’Islam, Arles, Actes Sud-Sindbad, 363 p.
– Martinez-Gros, Gabriel, 2006, Ibn Khaldûn and the Andalusians, communication in Toledo.
– Minorsky, Vladimir, 1953, Studies in Caucasian history, Londres.
– Minorsky, Vladimir « Kurds and Kurdistan » in Encyclopedia of Islam.
– Nikitine Basile, 1956/1975, Les Kurdes, étude sociologique et historique, Librairie Klincksiek, Paris.
– Özoglu, Hakan, 2004, Kurdish Notables and the Ottoman State, evolving identities, competing loyalties, and Shifting Boundaries, Albany, State University of New York Press, 184 p.
– Tezcan, Baki, 2000, “The developpement of the use of Kurdistan as a geographical description and the incorporation of the region into the Ottoman Empire in the 16th century” in The great Ottoman-Turkish Civilisation , Ankara, Yeni Türkiye, vol. 3, Pp.540-553.
– Vanly Ismet Cherif, 1976, « Le déplacement du pays kurde vers l’ouest du Xe au xve siècle, recherche historique et géographique », in Rivista degli studii orientali, n° 50.
العنوان الأصلي للمقال:
*Boris James, The tribal territory of the Kurds through Arabic medieval historiography. In:
HAL Id: halshs-00350118
https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00350118. 2009.
[1] بيوَراسْف هو اسم الضحاك الذي يرتبط اسمه بقصة نوروز. (المترجم).
[2] تحت عنوان ذكر من ملك مصر من الأكراد يرد المقريزي (المتوفي سنة 1442) الروايتين بالشكل الآتي: اعلم أن الناس قد اختلفوا في الأكراد، فذكر العجم أن الأكراد فضل طعم الملك بيوراسف، وذلك أنه كان يأمر أن يذبح له كل يوم إنسانان ويتخذ طعامه من لحومها، وكان له وزير يسمى أرمائيل، وكان يذبح واحداً ويستحيي واحداً ويبعث به إلى جبال فارس، فتوالدوا في الجبال وكثروا. ومن الناس من ألحقهم بإماء سليمان بن داود عليهما السلام، حين سلب ملكه ووقع على نسائه المنافقات الشيطان الذي يقال له الجسد، وعصم الله تعالى منه المؤمنات، فعلق منه المنافقات، فلما رد الله تعالى على سليمان عليه السلام ملكه، ووضع هؤلاء الإماء الحوامل من الشيطان قال: أكردوهم إلى الجبال والأودية، فربتهم أمهاتهم وتناكحوا وتناسلوا، فذلك بدء نسب الأكراد. المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الاثار المعروف بالخطط المقريزية ج3، طبعة دار الكتب العلمية 404-405. (المترجم).
[3] بالعودة إلى كتب المؤرخين المسلمين يظهر بأن وصف اوزغلو لا يعكس واقع الحال الذي كانت عليه كردستان.على سبيل المثال يشير ابن حوقل (صورة الأرض، دار مكتبة الحياة 1992، ص 220، 232) وبكل صراحة إلى الكرد الذين يسكنون في القرى خلال التوجه من تكريت نحو جبال كردستان: “من حد العراق إلى حد الجبل فانه قليل العمارة، وفيه قرى مفترشة والغالب عليها الأكراد والأعراب وهي مراع لهم″. وخلال وصف منطقة اللور يكتب: ″واللور بلد بذاته خصب والغالب عليه هواء الجبل، وكان من خوزستان فضم إلى أعمال الجبال وله بادية وأقليم ورساتيق (الرستاق هو الموضع الذي فيه زرع وقرى) الغالب عليه الأكراد، وهو بجوارهم خصب وبمصاقبتهم رطب″ (المترجم). طبعاً هذه الأمثلة ليست الوحيدة التي يوردها ابن حوقل. صحيح أن البداوة كان نمط المعيشة السائد بين الكرد إلا أنهم كان يعيشون في مدن وقلاع وقرى كثيرة سواء في كردستان أو خارجها، على سبيل المثال كان الهكاريون يعيشون في قرى كثيرة ويمارسون حياة شبه بداوة في منطقة الموصل وجزيرة بوتان، ونفس الأمر ينطبق على الهذبانيون الذين عاشوا حياة شبه بدوية في منطقة الموصل. وكان توجد في منطقة شهرزور مدن وقرى عديدة إضافة إلى مزارع كثيرة تعود إلى العشائر الكردية، وكانت نيم ازراي (شهرزور) أكبر مدينة رئيسية في المنطقة (بولاديان، أرشاك، الأكراد من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي وفق المصادر العربية، نقله إلى العربية مجموعة من المترجمين، دار آراس 2013، ص 135-141). (المترجم). وسكن الكرد في قرى ومدن كثيرة في أقليم الجزيرة مثل ميافارقين، ماردين، آمد، حسنكيف (حصن كيفا)، جزيرة بوتان، نصيبين، اربل، العمادية (آشب)، وسنجار، انظر: العلياوي، نفس المصدر، 2004 ،ص 46 ، 120-122. (المترجم).
وحسب المصادر السريانية من القرن التاسع كان للمسيحيين الكرد أسقف في منطقة الزاب الكبير (َأسقف كَرتيواي Kertêwayê)، في نفس المنطقة التي ذكرها المسعودي والتي كانت تعود إلى اليعاقبة الكرد الأمر الذي يشير إلى أنه كان هناك استقرار في المنطقة،
Nöldeke, Theodor, Kardu und Kurden. In: Beiträge zur Alten Geschichte und Geographie.In Festschrift für Heinrich Kiepert. D. Reimer, Berlin 1898, S. 79. (المترجم).
[4] الشدادية نسبة إلى محمد بن شداد بن قرتاق الذي أسس الإمارة في سنة 951. اتسعت الإمارة في عهد فضل بن محمد 986-1031، وصار للسلالة الشدادية فرعان، حكم الفرع الاول في آران ودفين بينما حكم الفرع الثاني في آني. أنهى السلاجقة الأتراك حكم السلالة الروادية في آران سنة 1099 بينما ظل الفرع الثاني في منطقة النفوذ السلجوقي إلى نهاية القرن الثاني عشر. أسس البرزكانيون بقيادة زعيمهم حسنويه بن الحسين إمارتهم في سنة 959 واستمرت إلى سنة 1095 وكان مركز الإمارة السياسي يقع بالقرب من كرمنشاه، انظر: إسكندر، سعد بشير، قيام النظام الإماراتي في كردستان وسقوطه ما بين متصف القرن العاشر ومنتصف القرن السابع عشر، الطبعة الثانية، السليمانية 2008، 46. (المترجم).
[5] الهذبانيون من القبائل الكردية الكبيرة توزعو في المناطق الواقعة بين الموصل واذربيجان وساهموا بشكل كبيرفي الثورات التي قامت ضد الدولة العباسية أشهرها تلك التي قادها جعفر بن فهرجس في منطقة الموصل سنة 837-838 وانتهت بأسر جعفر على جبل دسن سنة 840 واعدامه وعلقت جثته. وتم قتل الكثير من الكرد واستبيح أموالهم وحشر الأسرى والنساء والأموال إلى تكريت (ابن الأثير، ج5، ص 267. نقلا عن بولاديان، المصدر السابق، ص 73 ). وساهموا كذلك بشكل كبير في الثورة التي قادها محمد بن بلال سنة 906 في منطقة الموصل حيث بلغ عدد المشاركين في تلك الثورة خمسة آلاف أسرة الأمر الذي يشير إلى العدد الكبير للقبيلة في في هذه المنطقة ونواحيها. وعندما حلت بهم الهزيمة غادر قسم منهم إلى أذربيجان وأعلن آخرون خضوعهم للسلطة العباسية ووكلائهم الحمدانيون (ابن الأثير، ج6، ص 111-112، نقلاً عن بولاديان، المصدر السابق، ص 92-93).(المترجم). وكانت أذربيجان أيضاً في القرنين التاسع والعاشر أحد أبرز مراكز نشاط الهذبانيين، حيث كانت مناطق تمردهم ضد العباسيين تضم بحيرة اورمية ومراغة وأردبيل وغيرها وكان لهم قلعة في ضواحي أردبيل مجاورة لقلعة الحميدية، بولاديان، المصدر السابق، 139. (المترجم).
[6] ينتمي الراوديون إلى قبيلة الهذبانيين وقد أسسوا إمارتهم في الأجزاء الغربية من محافظة أذربيجان الغربية الحالية في إيران في منتصف القرن العاشر. كانت أردبيل عاصمتهم السياسية بينما كانت مراغة هي ثانية أهم مدنهم. وتمركزت القبائل الديلمية إلى الشرق منهم. أنتهى الحكم الروادي على يد السلجوقيون الأتراك في 1076، انظر: إسكندر، المصدر السابق، ص 45 (المترجم)، وكانت علاقتهم سيئة مع قبائل الغز الأتراك، الذين وفدوا إلى أقليم اذربيجان على شكل دفعات وكان لهم دور كبير في تغيير ديمغرافية الأقليم، حيث جلب أمراء التركمان عشائرهم معهم وبذلك اجبروا الكثير من الكرد على الرحيل من الجهة الشرقية لأقليم اذربيجان إلى الجهات الغربية والجنوبية الغربية منها. وأسس الرواديون إمارة اخرى في اذربيجان تسمى بالإمارة الاحمديلية (1107-1226) نسبة إلى الأمير احمديل بن ابراهيم وهسوذان الروادي الكردي صاحب مراغة وقد شارك بجانب السلاجقة في مقاتلة الصليبيين سنة 1111، واخيراً قتل الأمير احمديل عام 1116 وخلفه آق سنقر وكان من المماليك الأتراك وبذلك اظطربت احوال الكرد في أقليم اذربيجان على الرغم من أن الذين حكموا الأقليم حكموها باسم الاحمدلية، وانتهى حكم هذه الأسرة بالزحف المغولي على مدينة مراغة سنة 1221، انظر: العلياوي، عبد الله، كوردستان في عهد المغول 1220-1235 ميلادي، دراسة في التاريخ السياسي،2004 ص 41. (المترجم).
[7] ظهر الحكم المرواني إلى الوجود سنة 984 ومؤسس الإمارة هو باذ واستطاع ابن باذ الحسن بن مروان من السيطرة على ميافارقين (سليفان الحالية) التي أصبحت مع مدينته آمد من أهم مراكز الإمارة. وخضعت مدن أخرى إلى سيطرتهم مثل ملازكرد وفان وبدليس والجزيرة وارزن واخلاط وسيرت. اختفت الدولة المروانية من الوجود على يد السلاجقة سنة 1117 . اسكندر، المصدر السابق، ص 47-48 .(المترجم).
[8] أسس البارزكانيون بقيادة زعيمهم حسنويه بن الحسين إمارتهم في سنة 959 واستمرت إلى سنة 1095 وكان مركز الإمارة السياسي يقع بالقرب من كرمنشاه، انظر: إسكندر، المصدر السابق، ص 44. (المترجم).
[9] تعرف البشنوية في المصادر العربية بصاحبة قلعة فنك، ويقول القزويني إن فنككانت قلعة منيعة على رأس جبل عال، وقد بقيت لمدة ثلاثة قرون-من القرن العاشر وحتى الثالث عشر-في أيدي أكراد البشنوية، القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، 1960، ص 431-432.
[10] يشير ابن حوقل إلى أن سهرورد مدينة كردية وأكثرية أهلها من الشراة، ابن حوقل، ص 314: بولاديان، المصدر السابق 2013، ص142. (المترجم).
[11] امتدت من اذربيجان في الشمال إلى لرستان في الجنوب. إسكندر، المصدر السابق 2008، 48. (المترجم).
[12] الهكارية حسب ياقوت هي بلدة وناحية وقرى فوق الموصل في بلد جزيرة ابن عمر يسكنها أكراد يقال لهم الهكارية، ياقوت الحموي، معجم البلدان ج5، ص 408، نقلاً عن بولاديان، المصدر السابق، ص 135. (المترجم). أما حسب ابن الأثير وابن كثير فأن للهكارية قرى وحصون في منطقة الموصل. وحسب الواقدي فأن الهكارية كانوا يملكون قلاعاً أشهرها قلعة آشب القريبة من العمادية. هذه المعطيات تظهر بأن الهكارية كانوا يعيشون حياة حضرية، بولاديان، المصدر السابق، ص 136 . (المترجم).
[13] يذكر ابن حوقل (ص 297) الزوزان بوصفها منطقة منفصلة عن أرمينية ولا يشير إلى اثنياتها حيث يقول: ″ويجلب من الزوزان ونواحي أرمينية والران من البغال الجياد الموصوفة بالصحة والجلد والفراهة إلى العراق والشام وخراسان، وغير ذلك ما يستغنى بشهرته عن وصفه وذكره. والزوزان ناحية وقلاع لها ضياع الغالب عليها الجبال، ويكون بها الشهاري الحسنة الموصوفة بالجمال والفراهة ما يقارب شهاري طخارستان، وربما زاد عليها وعلى نتاج الجوزقان″. (المترجم).
[14] حسب باسيل نيكيتين (الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية، ترجمة نوري طالباني، دار آراس أربيل ط3، 2003، ص 102 هامش 7) فأن تأسيس مدينة خلاط تعود إلى الكرد. (المترجم). وتكون سكانها من الكرد والأرمن وقد تعرضت المدينة إلى النهب والتدمير والقتل من قبل الخوارزميون والمغول عدة مرات، على سبيل المثال أجبر الغزو المغولي في عهد جنكيزخان 12 ألف من سكان المدينة إلى الهجرة إلى القاهرة ويوجد لحد الآن حي في القاهرة باسم حي الاخلاطيين، وفي عام 1244 هاجم الجيش المغولي خلاط التي كان يحكمها الملك المظفر غازي الأيوبي، واستولى عليها ودمرها، كما حدث في المدينة زلزال مدمر 1246 لاوأثر على عمرانها وهدم بنيانها، انظر: العلياوي، المصدر السابق، ص 54-55، 57-58. (المترجم).
[15] كان أقليم الجبال يشمل في ذلك الوقت كلاً من كردستان إيران حالياً وقسم من كردستان العراق. (المترجم).