معرض لأعمال الفنان بهرم حاجو، وهو واحد من أبرز الفنانين السوريين في المهجر استضافته صالة “الباب” في القاهرة.
يقيم حاجو في ألمانيا على نحو دائم منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، غير أن صلته بوطنه والمنطقة لم تنقطع خلال هذه السنوات، إذ تخللتها العديد من المعارض والمشاركات المختلفة في أكثر من عاصمة عربية، وهذه هي المرة الأولى التي يعرض فيها أعماله في القاهرة. المعرض يعد فرصة لتأمل تجربة تصويرية ذات ملامح مميزة، وتستند إلى خبرات عدة تستمد ثرائها من هوية صاحبها المتنوعة، فهو السوري الكردي، المنتمي بحكم إقامته الدائمة إلى الحراك الفني الأوروبي، والمُخلص أيضاً إلى الممارسة التصويرية بعناصرها وطبيعتها المتعارف عليها وسط فيض من الأفكار والرؤى والممارسات المغايرة في محيطه. تجتمع كل هذه السمات لتشكل ملامح تجربة بهرم حاجو، من طريقة بنائه للعمل وتعامله مع المساحة، إلى طبيعة السرد البصري، والمكونات المشكلة لهذه الأعمال.
أعمال بهرم حاجو تدفعك إلى الوقوع في أسرها حال مطالعتها للمرة الأولى، قد يكمن سر هذا الانجذاب السريع في ثراء التجربة وتعدد مشاربها، أو أن للأمر علاقة بطبيعة هذه التكوينات التي تشكل لوحاته، غير أن المؤكد أنها تنطوي في مجملها وتشاركها معاً على مقومات حضور لافت. حين تطالع أعمال حاجو تتجلى على الفور خيوط دافئة من الحوار الصامت معها، لتشدك في هدوء نحو شباكها. تساهم المساحات الكبيرة نسبياً التي يفضل الفنان العمل عليها في احتواء مجال الرؤية لديك على نحو ما، فلا تجد مفراً حينها سوى الاستسلام لهذا الشرك. وحين تظن أنك قادر على المغادرة سرعان تلتقط العين هذه الحيلة اللونية التي يلجأ إليها الفنان لاستلاب الرؤية من جديد، والمتمثلة في الجمع بين درجات اللون الحيادية والصريحة. بقعة من اللون الصريح تباغتك وسط المساحة الرمادية، فتحدد مسار تتبعك لبقية التفاصيل، بقعة اللون هنا أشبه بوشاح شفاف يستر عُري الجسد الممدد أمامك على مساحة الرسم، وشاح شفاف من اللون لا يحجب بقدر ما يُظهر ما تحته.
في رحلتك الخاطفة عبر المساحة المرسومة تشتبك عيناك بشيء آخر لا يقل سطوة وحضوراً في تجربة بهرم حاجو التصويرية، إذ تسترعي انتباهك على الفور هذه العيون المحدقة إليك تارة أو اللاهية عنك إلى المجهول تارة أخرى، في تأكيد لهذا الحضور الإنساني داخل العمل. تمتلك العين بلا شك لغتها الخاصة التي يتشارك فيها البشر جميعاً، هي نور الوجه، ومكمن السر، ونافذة إلى الروح، وهي الأقدر بين عناصر الجسد على التعبير في صمت.
شخوص بهرم حاجو تطالعك بنظراتها الصامتة كمن يباغتك عند اختلاسك النظر إليه، ترقب مشوب باللوم والدهشة والأسى. الأعمال جميعها تعتمد على ثنائيات لرجل وامرأة، تتبدل الهويات أحياناً وتتكرر الملامح، ولكن يظل الاعتماد الأبرز في البناء البصري للأعمال على فكرة الحوار بين عنصرين بشريين. ربما يلفت انتباهنا هنا هذا الجفاء البادي بين عنصري العمل، نأي متعمد عن الآخر، يميل أحياناً إلى القسوة والإمعان في القطيعة. بين الأعمال جميعها لا نلمح أي التفاتة لأحد العنصرين نحو شريكه، كمن لا يشعر بوجوده، أو أن كل منهما انعكاس لصورة الآخر، هو حوار صامت بين اثنين يتعامل كلاهما مع الآخر كقرين لا مرئي يكتسب حضوره من مخيلة صاحبه. يرسخ لهذا الإطار المضطرب مزيج من اللون الضبابي في الخلفية، فراغ ممتد ومبهم يشكل معظم المساحة، لا يشير هذا الفراغ إلى مكان أو زمان، كأنه المجهول الذي يترصد في الخفاء.
ما يلفت أيضاً في أعمال بهرم حاجو هو التمسك بالقوام المدرسي في بناء الجسد، قد يكون اعتماداً على نموذج (موديل) أو ربما استناداً إلى المخيلة. هذا التماسك الرصين في استحضاره للجسد يشتبك في جانب منه مع طريقة تعامله اللوني مع المساحة ومعالجاته اللونية لها؛ هذه المعالجات التي تحتفظ بمسحة من التجريد. يعول بهرم حاجو كثيراً على فرض التجانس بين هذه المعالجات الثنائية المتباينة، كالمزج بين التلوين والرسم، والمراوحة بين الحدة والليونة في التعامل مع الخطوط والمساحات، أو الحضور الطاغي للكتلة ورسوخها اللافت وسط فراغ لوني مضطرب، مع الحفاظ أيضاً على أكبر قدر من التوازن والانسجام، ثم هذه المعالجات المتفاوتة بين الحسي والوجداني للجسد الإنساني.
بهرم حاجو المولود في شمال سوريا عام 1952م يقيم في ألمانيا منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي. تلقى تعليمه في دمشق وبغداد، ثم أكمل دراسته في أكاديمية مونستر للفنون في ألمانيا. عرض حاجو أعماله في كثير من العواصم حول العالم وهو حاصل على جائزة هنري ماتيس الفرنسية عام 2014م.[1]