وكأنما أقسم التاريخ إلا أن يُدوَّن في سفره كل يوم مأساة وحكاية وجع كردية، وما قصة روبوسكي إلا صفحة من تاريخ مديد، فقبل ثماني سنوات، كان أهالي مدينة روبوسكي الكردية على موعد مع مقاتلات إف 16 التركية، مع ساعات الصباح الأولى ليروا جثث 34 قتيلاً، ويلملموا أشلاء ضحايا مذبحة مروعة، فيما التزمت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم الصمت بدماء باردة طوال الأعوام الماضية، للتعتيم وطمس الحقائق لمنع محاسبة رجب أردوغان المعروف بتعطشه لإبادة الكرد.
تحل علينا الذكرى المجزرة التي تمت بأوامر مباشرة من أردوغان وذلك في الثامن والعشرين من كانون الأول من عام 2011، حيث قصفت طائرات تركية على قرية روبوسكي التابعة لبلدة “اولودره” ضمن محافظة شرناخ وراح ضحيتها أربعة وثلاثون مدنياً كُردياً، وهؤلاء الضحايا جميعهم من الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و25 سنة، كانوا ضحية توحش أردوغان المستمر للدماء الكُردية.
روبوسكي لم تكن بالنسبة لعقلية الدولة التركية سوى اسم مجزرة أُضيفت لبقية أسماء المناطق أو القرى التي تم إبادتها عن بكرة أبيها أو لمجزرة تمت فيها وعليها الفعل الإجرامي والوحشي لأردوغان رئيس تركيا وخليفة الإخوان المسلمين. روبوسكي القرية الحدودية التي تعتاش على التجارة البينية الفردية “التهريب” بين الحدود نتيجة إهمال الدولة التركية للمدن والقرى الكُردية وافتقارها، تجبرهم على العمل في هذه الأعمال الصعبة وغير القانونية وتحت أعين حراس الحدود حتى يحين وقت الإجهاز عليهم تحت أية حجة كانت.
روبوسكي… شهداء لقمة العيش:
موقع “جازيت ديفار التركي” العام الفائت وصف المشهد الجنائزي بعد أن هدأت الثلوج في الصباح ونشرت الشمس أشعتها، قائلاً: إن أحد أسر الضحايا الذي فقد شقيقه و11 من أقاربه فالي إنجو قرأ بياناً نيابة عن عائلات ال34 قتيلاً يصرخون عبره في وجه النظام أنهم لن ينسوا جريمته.
وقالت عائلات الضحايا في البيان في العام المنصرم :”على مدى 2558 يوماً – سبع سنوات – ونحن نقف أمام قبور أقاربنا للمطالبة بالعدالة، فيما تزداد الإهانات التي تواجهنا من النظام، منازلنا تُقتحم ويُقبض علينا وتوقع علينا غرامات مالية.. وعلى الرغم من أنه من المعروف كيفية ارتكاب المذبحة، لقد كانت بأمر من أردوغان، ولم يتم الوفاء بالوعود التي ألقيتم بها بإيجاد الجناة والقتلة، المجزرة حُكم عليها بالظلام للتستر على القاتلين”.
النيابة العامة التركية أصدرت من قبل قراراً بعدم اختصاصها في حزيران 2013 وتم تحويل القضية إلى القضاء العسكري، الذي قرر في 7 كانون الثاني 2014 تم إغلاق ملف التحقيق، واستمر التستر الحكومي على القتلة.
موقع “بيانت” التركي قال إن الأجهزة الأمنية انتهت في معلوماتها الاستخباراتية خلال التحقيق إلى أن سكان القرية على حد وصفها “إرهابيون”، وأنه “لا تزال علامات الاستفهام تدور حول المسؤول عن إصدار القرار، ولا أحد يعرف أي شيء حول الحادث سوى أنه أسفر عن مقتل 34 مدنياً بغارة من الطيران الحربي” ما يؤكد تواطؤ أركان الدولة للتغطية على جريمة السلطة.
عقاب أمهات الأطفال:
لا يتوقف الأمر عند التستر على الحادث والقتلة، بل يعاقب أردوغان أهالي الضحايا من أمهات الأطفال وذويهم، حيث جرى فتح تحقيقات مع سكان المدينة واعتقل الكثيرون بسبب مطالبتهم بالقصاص. على مدار سبع سنوات أُجريت تحقيقات بتهمٍ مختلفة ل 26 عائلة من روبوسكي، وشهدت البلدة حملات أمنية وفرض عقوبات مالية، وفي السادس من كانون الثاني 2012 جرى اعتقال ستة أشخاص فقدوا أقاربهم في المذبحة، ولم يمر شهر حتى جرى توقيف فرحات إنجو في شباط 2012م.
وتستمر الاستدعاءات الامنية والغرامات والمداهمات لبيوت الأهالي، وفي 13 حزيران 2013 تم إرسال ملف القضية التي وصلت مدة التحقيقات فيها عاماً ونصف العام إلى المدعي العسكري بحجة عدم الاختصاص الوظيفي.
أردوغان الذي دائماً ما يتباكى على الضحايا وتكون أيديه ملطخة بدماء المدنيين الذين لا همَّ لهم سوى تأمين لقمة العيش وكسرة الخبز. إنه ديدن المستبدين من الحكام الذي يحول الشعوب لمجرد عتَّالين يبحثون عما يسد رمقهم، وبنظر أردوغان هم إرهابيين لا لشيء سوى لأنهم من الشعب الكُردي، ووفق العقلية التركية أن أفضل كُردي، ذاك الكُردي الميت.
المجازر بحق الكرد تزداد على أيدي أردوغان:
بعد ثماني سنوات مرت على مجزرة روبوسكي وما زال المجرم والجناة طلقاء وأحرار ينعمون بما يهبه لهم سيدهم أردوغان، بينما أهل الضحايا وعوائلهم مشردين ما بين المعتقلات والمحاكم أو بجانب شواهد قبور فلذات أكبادهم ينتظرون عدالة المستبد الظالم والقاتل وهو يشرب نخبهم، وكذلك عدالة المحاكم الأوروبية التي رفضت البحث في الدعوة بحجج واهية حماية لأردوغانهم المدلل الذي انقلب عليهم الآن وراح يهددهم إن هم لم يطيعوه. مجازر أردوغان لا تعرف الحدود والجغرافيا ولا يهمها من يكون الضحية، المهم فقط هو إشباع غرائز وشهوة أردوغان المتعطش للسلطة ولو كانت على حساب الشعوب، من مجزرة كلي زيلان وديرسم ومرعش وروبوسكي وعفرين وسري كانيه، وليس انتهاء بليبيا.
المتاجرة باللاجئين والاستثمار بهم لم تشفِ تعطش أردوغان للدماء والدموع والتدمير والخراب، من مصر وليبيا فسوريا والعراق والسودان والصومال وقطر، والآن يعاود الكرة بعدما دمرّ سوريا والعراق ويسعى لنشر الخراب والفوضى في مصر والجزائر عن طريق ليبيا.
ماذا عن العدالة والحق؟
ثماني سنوات مرت على مجزرة روبوسكي والقاتل مازال طليقاً والأنكى من ذلك أنه يزداد استبداداً وتوحشاً وقتلاً في عباد الله، صرخة روبوسكي ربما ستنتشر في كل المنطقة وتصل ليبيا حتى تتحول لصدىً يحث الشعوب على المطالبة بحقهم من هذا المجرم الذي طغى.
وها هي الآن صدى صرخات كافة المجازر بحق الشعب الكُردي والشعوب الأخرى تعود على من شجّع ورعى وساندّ أردوغان في طغيانه وتوحشه وجرائمه، تعود لهم وعليهم من المارد الذي خرج من قمقمه وتمرد على صاحبه، ها هو أردوغان يهدد الدول الأوروبية بمزيد من اللاجئين والإرهابيين إن هم لم يشبعوه مالاً وسلطاناً.[1]