حاوره/ عبدالرحمن محمد[1]
روناهي/ قامشلو: ابن مدينة السليمانية الكردية يغني من أجل المجتمع الكردي وتوعية الفئة الشابة على وجه الخصوص، متعدد المواهب وروحه غنيّة بالتاريخ الكردي، وثقافة المجتمع الكردي.
الأدب والفن توأما الكردي منذ بدء الخليقة، فلا يُذكر الكردي إلا وتُذكَر معهُ المعاناة والألم، وتَحضُر الكثير من المقاومة والأنفة التي أبقت قامتهُ منتصبةً وهامته مرفوعة كما الجبالِ التي توحدَت روحهُ معها، ويأتيك معها صوت الحب والشجن والارتباط بالأرض والتجذر فيها، هو كذلك إذا شئنا أن نلخص علاقة الكُردي بالأرض والبقاء والهوية والفن وبالأخص الغناء والموسيقا، ولأن شَمخَتْ في تاريخ الكرد قامات في الغناء والموسيقى منذ القدم؛ فإن الحاضر لا يخلو من مواهب وقامات وأصوات تصدحُ بالحبِ والجمال وتُغني للإنسانية.
بيشاوا ميرزا كردي الأصل والنسب، ابنُ السليمانية الشماء، فنان شاب عشق الفن بألوانه ويقيم في أوروبا منذ سنوات يعمل في الإخراج السينمائي وله العديد من الأفلام القصيرة والوثائقية، كما أنه يعطف على الغناء الهادف والتلحين، يتناول في مجمل أعماله قضايا اجتماعية عدة وما يتعلق منها بمسألة التطرف، وبالأخص ما يتصل منها بالشعب الكردي، له عدد من الأغنيات منها أغنية عن “الأنفال” وأغنية عن ما اسمته دولة الاحتلال التركي ب “نبع السلام” باسم “سورة الفتح” وأغنية حديثة “فيديو كليب” ثنائي مع الفنانة الكردية الشابة “جيان آغا” ابنة روج آفا، باللهجتين الكرمانجية والصورانية بعنوان “” Roja me li rojavaye، وللحديث عن أعماله وجوانب مما يخص الحراك الفني كان لنا معه هذا الحوار.
الغناء والموسيقا ملازمان للكردي منذ وجوده، ولسان حاله؛ كيف تنظرون لدور الفن المعاصر في المجتمع الكردي؟
لاشك أن الغناء والموسيقى والشعر جميعاً لها دورٌ كبير في تطور الوعي الثقافي في المجتمعات عامة والمجتمع الكردي خاصة. ومما لاشك فيه إننا ككرد أصحاب ثقافة فنية عالية ونمتلك مئات الألحان والفنون الفلكلورية والتي تمت الاستفادة منها أو الاستعانة بها في تطوير فنون الشعوب والأقوام المجاورة لها. والتي أصبحت الآن أساس ومصدر الألحان لتلك الدول .
لمن يغني بيشاوا وما الذي يدفعه مجبراً على الغناء وهل تعملون في مجال آخر من الفن غير الغناء؟
أنا أغني لتوعية المجتمع عامة والإنسان الكردي، وأتوجه للشباب الكرد خاصةً، لاستعادة التاريخ الضائع أو المسلوب من قِبَل المحتلين والأعداء، في الأساس عملي هو الإخراج السينمائي، وأعمل في الإخراج منذ أكثر من خمسة عشر عاماَ. وقمت بإخراج أكثر من مئتي فيديو كليب كردي بين غناءٍ وأفلامٍ طويلة. ونلتُ الجائزة الأولى في مهرجان أفلام ضد التطرف والإرهاب في العراق.
وبالنسبة لأعمالي إلى جانب الغناء, فقد قمت بكتابة سيناريو لفلمين، وأنتظر بفارغ الصبر توقف الهجوم الفاشي التركي على (روج آفا) وأن يعم السلام فيها لأتمكن من زيارة المنطقة وأبدأ بأعمال إخراجهما إلى النور وبمساعدة ومعاونة أخواني وأخواتي من المقاتلين.
العولمة والحداثة أثرت في مجالات شتى، فكيف يبدو تأثيرها في الفن عامة والكردي خاصة؟
سؤال جميل. في الحقيقة كنت أنتظر هذا السؤال منكم. لاشك إن عدم الجرأة ووجود موقف معارض من قبل آلاف الفنانين والملحنين وحتى الشعراء أمام كل هذه التجاوزات القومية ضد الكرد في كردستان وكل هذه التراجيديات المؤلمة التي تُفرض علينا. رغم ذلك لم نرَ فناناً واحداً يردَ أو يعارضهم بفنهِ إلا ما نَدَر. وكل ذلك بسبب عدم خسارة كيانهم المجتمعي أو الفني ومعجبيهم! ولا يمكن أن يستمرَ نضال الفن عامةَ والأغنية خاصةَ لقرون، بالكلمات التقليدية والتغني بجمال العين والشَعر وقامة النساء والحب والاشتياق وكثير من الأوصاف الأخرى. والتي كانت جميعها تتغنى بجمال المرأة الكردية.
بالتأكيد كان للتقدم العلمي والتطور تأثيرات إيجابية وسلبية. ومع الأسف أقولها أن تأثيرها السلبي أكثر. وذلك بسبب الاستخدام السيئ لهذا التطور. وبصورة عامة؛ سلبياتها تكمّن في تقليد فنون الدول أو المجتمعات الأخرى المجاورة أو البعيدة التي لا تتناسب مع تقاليد المجتمع الكردي. وأصبحت دارجة في الأعوام الأخيرة. ولكن يجب علينا قبول هذا التطور والمطلب العالمي، والتلاؤم والتقدم معها. لأننا إذا رفضنا هذا التطور سنكون قد وضعنا شرخاً بيننا وبين الجيل القادم ويعتبروننا كلاسيكيون ولا يتقبلون فننا أو يرفضونه لأنه لا يلبي مطالبهم في ذلك العصر وهو عصر الحداثة.
الفيديو كليب من وسائل نشر الأغنية الحديثة إلى أي مدى يمكن الاستفادة منه في نشر الثقافة والفن والتعريف بجغرافية الكُرد؟
لاشك أنَ هذا النوع من الفن مطلوب وضروري، ولكن نحن الكرد كنا ولا نزال نعيش في صراع دائمي من أجل البقاء ونحتاج إلى أغانٍ ثورية تتغنى بالأمجاد والإرادة القومية للكرد والثورية. فبدلاً من التغني بقامة وجمال وفتنة المرأة الكردية “مع تقديري واحترامي لها”. فلنتغنى بكبريائها وعزتها وشجاعتها ونضالها في كل المجالات وبخاصة النضال المسلح ضد الاحتلال والرجعية.
الموسيقى والفن لغة العالم فهل وصلت الموسيقا الكردية إلى العالمية وهل من خطوات في هذا الصدد؟
أعتقد أن فن الغناء الكردي استطاع أن يعرِف العالم بالشعب الكردي. لكن الفن الأكبر الذي استطاع تعريف الكرد بالعالم بصورة مباشرة هو فن السينما. الذي بدوره يأخذ على عاتقه تعريف جغرافية شعب أو دولة ما. ولحسن الحظ حققنا قفزة نوعية في هذا المجال. و قدر المستطاع تمكننا من نشر أوجاع ومطالب وحقوق الكرد من خلال هذه الشاشة للعالم. وأنا كمخرج من خلال فلمي الطويل (گەران- البحث) عملت بصورة مباشرة على آلام وأوجاع الغربة للفرد الكردي وعدم وجود “كيان- وطن” قومي للكرد، وسيكون الفلم جاهزاً للعرض في المستقبل القريب. ويكون الحديث فيها بثلاث لغات وهي الكردية والإنكليزية والسويدية.
ولكن مع الأسف الفن الكردي لم يصل إلى ذلك المستوى العالمي بعد. ليس من السهولة في الوقت الحاضر إذا أردنا فعل ذلك. لو أردنا العالمية في جميع مفاصل المجتمع. يجب علينا البدء من (روج آفا)، صحيح أن لدينا جزء في جنوب كردستان يتمتع ب “حكم ذاتي” ولكن الأهمية الأكثر والأولوية فيها للنواحي الاقتصادية، أو دعني أقول لك بصورة أوضح هناك متاجرة بعالم الفن وهو مُهمل جداً. ومن منظوري الشخصي؛ العالمية في الفن وآمال الفنانين الكرد بها يجب أن تشرق شمسها من (روج آفا) لأن شروق شمس الكرد سيكون من هناك.
الأغنية تظافر فيه جهود عدة وتكامل، كيف تجدونها اليوم وأين مكمن الخلل في هذا العمل الجماعي إن وجد؟
بالتأكيد كل عملٍ فنيّ يكون له جنود مجهولون. والعاملين معي والذين يساعدونني كلهم فرحون لأنهم يخطون خطوة جديدة لنشر آلام أخوانهم ومشاركون حقيقيون في هذا العمل، العامل السلبي الوحيد هو عدم وجود راعي رسمي يتبنى نشر العمل وإظهاره، وكل عمل فني إذا كان له منتج فني جيد فسيصل إلى وجهته بصورة أسرع وأفضل.
الأغنية حاضرة في يومنا بكل تفاصيله، ما تأثير الأوضاع الحالية على فنكم وماذا قدمتم فيما يخص هذا الظرف الاستثنائي؟
في الحقيقة من شدة تأثري بالوضع الحالي للكرد اتنقل من مُخرج كليبات وأفلام إلى مغني وملحن. فهذا الظرف قد جرني وأجبرني على الغناء، لعلني أوصل رسالتي بطريقة أخرى، الكثير من أعمالي مرتبط ارتباطاً مباشراً بالوضع الراهن في (روج آفا) ففي فترة الاحتلال التركي من قبل أردوغان الفاشي لعفرين. غنيت أغنية وكان أسمها (عفرين) وقبلها أغنية (دي كل یزدان) وكانت كلماتها للشاعر العظيم صبري بوتاني. وفي فترة الهجوم على سري كاني صورت كليب آخر باسم (روج آفا).
لكم تجربة في الغناء الثنائي والغناء بلهجتين كرديتين، كيف وجدتم هذه التجربة ولماذا كان الاختيار على الفنانة جيان آغا؟
في الحقيقة أنا أحتاج إلى مغنية يكون صوتها قريب إلى صوتي ومبادئي حتى نتمكن سوية من جعل هذه الثورة الفكرية والثقافية حالة عامة في المجتمع وتتطور بين كل الفئات، أنا لا أؤمن باختلاف اللهجة والجغرافيا المختلفة, فحدود الدول والمدن والقرى كلها مصطنعة من قبل الرأسمالية المعادية. فأنا ابن هذه الأرض وأعيش عليها. فأنا باكوري وباشوري وروج آفايي وروج هلاتي.
بالنسبة للغناء الثنائي كانت فرصة جميلة تعرفت فيها على الصديقة الفنانة جيان لعمل “دويتو” مشترك، لاشك إني سررت بعرضها هذا الذي كنت بحاجة إليه. أيضاً زادني فرحًا مشرفًا بالغناء معها. صوتها وانتمائها الوطني والقومي جعلني ألحن الأغنية التي هي من كلمات الشاعر الكبير أحمد خاني. وكان أدائي للأغنية باللهجة الصورانية وجيان أدتها باللهجة الكورمانجية.
هل من رسالة خاصة توجهونها عبر صحيفتنا ولمن هي؟
أخص بالشكر الجزيل القائمين على إصدار صحيفتكم على هذا اللقاء، كنت أود أن أمتلك شجاعة (مقاتلة شرفانة) حتى يفتخر العالم بشجاعتي. فهي أم وهي أخت وهي زوجة وهي قائدة في ميدان الشرف والعزة وكاسرة شوكة الأعداء. فهنيئاً لقومٍ تكون نساؤهم أبطالاً في ميادين النضالِ.