* أجرى الحوار: الصحفي رنج سنگاوي
* الترجمة عن الكردية: عمر رسول[1]
السلطة تصنع اللغة
الشي الذي لم تفكر به السلطة الكردية هي اللغة الكردية
لست مع رأي الأستاذ جمال نَبَز بخصوص استخدام الأحرف اللاتينية
اللغة الكردية كحديقة بلا جدار
جلب الأحرف اللاتينية إلى اللغة الكردية كان تقليداً
اللهجة الصورانية أصبحت لغة نصف قياسية
أنا ضد استخدام الأحرف اللاتينية
لا يمكننا التحدث عن لغة متطورة إن لم نكن أصحاب كيان سياسي
قبل أن يرحل الشاعر الكبير شيركو بيكس عن الحياة، أصبح ضيفاً على قناة رووداو. وقد بثت المقابلة في نهاية الأسبوع الماضي (من تاريخ صدور الجريدة- المترجم). تدور المقابلة حول اللغة الكردية المتماسكة ومسألة قواعد الكتابة بها.
رووداو: هل اللغة الكردية في أزمة، أم الفكر الكردي في أزمة ويتجلى أزمته في اللغة الكردية؟
شيركو بيكس: لأن القضية الكردية في أزمة، ستكون اللغة الكردية في أزمة أيضاً بلا أدنى شك. اللغة الكردية شبيهة بحديقة بلا جدار. أعتقد أن الانقسام الذي حل بالقضية القومية انتقل إلى اللغة الكردية أيضاً. وإن ما يجري الآن هو نتيجة لتلك العوامل المستمرة من الماضي حتى هذه اللحظة. لا يمكننا التحدث عن لغة متطورة في الوقت الذي لسنا فيه كياناً سياسياً مستقلاً.
هل هذه الأزمة نتيجة لعوامل تاريخية موضوعية، أم نتيجة لعوامل ذاتية؟
بلا شك إنها نتيجة لكلتاهما معاً. إن لم نكن كياناً سياسياً، فما الذي تستطيع اللغة فعله؟ وكيف لها أن تتماسك؟ أزمتنا ليست كأزمة اللغة العربية. لقد أوجد القرآن لغة قياسية للغة العربية، يستطيعون أن يتكلموا ويكتبوا بها. لا يوجد قرآن للغة الكردية.إن أزمتنا الكبرى هي أنه توجد عدة طرق للكتابة الكردية مع وجود لهجات عديدة، وكلّما يمرّ الوقت تستفحل الأزمة أكثر وتتعمق. هناك فئة من الناس يربطون اللغة بالحرية، أو بمسألة الديمقراطية. يجلبون لهجة ويريدون أن يكتبوا بها، وأن يجعلوا منها لغة لوسائل الإعلام.
إن لم تكن اللغة مرتبطة بالحرية، فبأي شيء ترتبط إذاً؟ برأيكم، هل ينبغي اهمال حرية اللغة في توضيح بعض المسائل الثقافية؟
لا أقصد ذلك، بل قصدي هو أن أقول لا تكون اللغة الكردية في أزمة إن لم تكن المسألة القومية في أزمة. لأن مسألة اللغة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسألة السياسية والفكرية.
إذاً حسب رأيكم، أن الكرد على درجة كبيرة من الأزمة، لأنهم لم يستطيعوا بعد الانتفاضة أن يصدروا قرارات المحاكم باللغة الكردية قط.
نحن في تلك الأزمة، مع العلم أننا في وضع شبه مستقل نسبياً منذ فترة . ولكن المسألة التي لم تفكّر بها السلطة الكردية هي مسألة اللغة الكردية، لم تفعل لها أي شيء.
حسناً،هل فعل التاريخ هذا بنا، أم نحن فعلناه بأنفسنا، هل هذا نتيجة لقصورنا في إيجاد الحلول أم نتيجة لإهمالنا؟
بدون أدنى شك، الإهمال عامل من العوامل ولكنه ليس العامل الرئيسي. منذ ما يقارب العشرين عاماً ولدينا نوع من الحرية. فماذا فعلت الحكومة الكردية للغة الكردية؟ أنا أتكلم كشاعر. لست خبيراً لغوياً، ولم أدرس الدراسات العليا. هناك الكثير من الأساتذة، ومن أصدقائي أكثر خبرة مني في هذا المجال. لقد عملت كشاعر على اللغة الكردية. وأنت تعلم أن الشاعر لا يعتمد فقط على قواميس اللغة. تتحول اللغة عند الشاعر إلى لغة جديدة، تصبح لغة جديدة للتعبير، يعني أن اللغة تصبح لها أجنحة ويحلّق الشاعر بخياله بها، ويعيد صياغتها من جديد. اللغة الكردية عند الشاعر ليست كاللغة عند المؤرخ، أو حتى عند كاتب نثر عادي.
ما الذي كانت على الحكومة أو المؤسسات المعنية أن تفعله ولم تفعل، هناك علاقة أساسية بين وزارة الثقافة واللغة والثقافة، ما الذي كان ينبغي القيام به ولم تقم به؟
هناك علاقة قوية بين اللغة والسلطة السياسية. تنجز السلطة السياسية أموراً يعجز الشاعر أو الكاتب عن إنجازها. فتحَتْ السلطة السياسية لدى الأمم الأخرى أيضاً الطريق حتى تتبلور لغة قياسية لها. على سبيل المثال لو أعطي قرار حول مسألة اللغة، وكان ذلك القرار من القناعات والرغبات المختلفة فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق في إطار الجامعات ولا في إطار اتحاد الكتاب، لأن جميع الناس لا يستمعون إلى هذه الأطر. السلطة تصنع اللغة. وينبغي أن تحوّل السلطة السياسية ذلك إلى نوع من القرار. كان لكمال أتاتورك تجربة في ذلك، قبله كانت التركية تكتب بالأحرف العربية، ولكن جاء أتاتورك وحوّل الأبجدية من الأحرف العربية إلى الأحرف اللاتينية.
إذا كانت هناك أزمة باسم اللغة الكردية، فهل يتوقف الأمر على أن نخلق أتاتوركاً جديداً، أم أن مصطفى كمال كان نتيجة لتطور وازدهار السياسة والثقافة التركيتين؟
إن أتاتورك وفكرته ليس موضع اندهاشي. أتحدث عن التجربة بوصفها عملية تاريخية حدثت. للتجربة الأتاتوركية نتائجها الإيجابية والسلبية. إن ما فعله أتاتوك كان سيفاً ذو حدين بالنسبة للثقافة التركية. لقد قضى أتاتورك على ثروة ثقافية كبيرة للدولة العثمانية المكتوبة بالأحرف العربية. لقد أثّرت هذه الخطوة تأثيراً كبيراً على الثقافة التركية، برأيي. إن ما فعله أتاتورك للغة التركية كان ابتعاداً كبيراً عن كل الأمور المتعلقة بالعربية وبالإسلام. لا نريد أن نكرر تلك التجربة. إن المرحلة مختلفة مما لا شك فيه. قصدت أن إنجاز لغة قياسية للكرد يأتي من خلال السلطة السياسية وبالقرار السياسي.
لنفترض جدلاً، إذا ما حدث واصدر رئيس حكومة كردية قراراً، هل كنت ستوافق عليه بوصفك شاعراً قومياً؟
قصدي هو أن يكون ذاك القرار بعد نقاش مستفيض، وبعد العديد من الاجتماعات والمؤتمرات، أي بعد أن يدلي الخبراء بآرائهم في الموضوع. على سبيل المثال، بأي لهجة نكتب، تحتاج هذه القضية وحدها إلى العشرات من الاجتماعات والمؤتمرات. ينبغي أن تتحقق هذه الخطوة قبل أن يعطي السياسي قراره، لا أنكر دور كل من الأستاذ جمال نبز، والأستاذ عزالدين رسول وآستاذة آخرين غيرهما. لقد كان لهم دوراً كبيراً في هذه المسألة. ومع ذلك تحتاج القضية إلى الكثير من البحث والاجتماعات، لأن القرار السياسي يأتي في النهاية.
هل تعتقد أن السياسيين في هذا البلد لم يعطوا قراراً جدياً، لأنه عندما تُعقد المؤتمرات يحارب المثقفون الكرد على اللغة. الناطقون باللهجة البهدينانية ينظرون إلى العالم من منظار دهوك، ويفعل مثلهم تماماً أبناء السليمانية وكركوك (الذين يتحدثون باللهجة الصورانية-المترجم)، ألا يعني هذا أن الشعور القومي ضعيف لدى كل من الناس والمثقفين على حدٍّ سواء؟
لا أنظر بهذه الطريقة إلى الموضوع. ثم أن المنظارين مختلفين جداً. في الوقت الذي تتحدث عن منظار السليمانية، فإن الطريقة التي يتم التحدث بها لهي مختلفة عن الأخرى. إن لهجة السليمانية التي أصبحت طريقة للكتابة في معظم مناطق كردستان، وحتى في كردستان الشرقية أيضاً. لم يأت هذا من فراغ، بل هو نتيجة لعملية تاريخية طويلة. من وجهة نظري، إن اللهجة التي نكتب بها حالياً (الصورانية-المترجم) يجب أن تصبح اللغة القياسية، ومن الضروري أن تترسخ في المستقبل. من الواضح أنه يتم النظر إلى هذه المسألة في بهدينان بطريقة مختلفة. وإذا ما نظرنا إلى الموضوع بشكل أوسع على صعيد كردستان فإن المسألة تُرى في شمال كردستان بطريقة أخرى مختلفة أيضاً. ولكن في مجمل الحالات، فإن القضية تتعلق برأيي بما تمتاز به تلك اللهجة من الغنى والنتاج الغزير!
خلال القرنين الماضيين أصبحت اللهجة الحالية لسليمانية لهجة كتبت بها أكبر مكتبة أدبية وفكرية، أو أنها أصبحت خزانة لا يمكن إيجادها في اللهجات الأخرى. هنا يُعطى القرار على ثراء وغنى اللهجة.
إنّ مثقّفاً كجمال نَبز يدافع منذ عام 1957 عن ضرورة أن يتّجه الكرد للكتابة بالأحرف اللاتينية، لأنّ جماليّة الأحرف اللاتينية من جهة وانتشارها من جهة أخرى، جعلت منها أن تكون ما يشبه لغة عالميّة إلى حدٍّ ما. ما رأيكم بهذا الصدد؟
أنا ضدّ رأي الأستاذ جمال. برأيي أنّ الأحرف التي نكتب بها حاليّاً، هي بالأصل أحرفٌ آراميّة، لم نأخذها عن العربيّة، هذا أولاً، ولسنا الوحيدين الذين يكتبون بها، ولكن هناك بعض الأمم الأخرى في المنطقة تكتب بها. وثانياً، ليس مشكلةً أن نكتب نحن أيضاً بهذه الأحرف أو بأحرفٍ أخرى. أعتقد أنّ استخدام الأحرف اللاتينيّة لن تجعلنا مثقّفين غربيين، أو أنّ الكتابة بالأحرف اللاتينيّة لا تصبح مبرّراً لتغيير محتوى اللغة. فعلى سبيل المثال إنّ أكبر اللغات في العالم هي اللغة الصينيّة، مع أنّها بعيدة كثيراً عن الأحرف الإنكليزية. أعتقد أنّ الأحرف التي نستخدمها الآن مرّتْ بعمليّة طويلة من التطوّر. فإذا ما قرأت جريدةً من عهد الشيخ محمود أو جريدةً من عهد گلاويژ، وتقارنها بجريدةٍ معاصرة، ستدرك حينئذٍ بأنّ عملية التطور قد حصلت في فترات متباينة.
ماذا تقول لأولئك الذين لا يشاطرونك الرأي؟
أقول لهم أنّ الأحرف اللاتينيّة دخلت اللغة الكرديّة تقليداً لمصطفى أتاتورك. ولكن بالمقابل أصبح لنا نستخدم الأحرف الآراميّة ما يقارب الألف عام، عدا عن ذلك لم تبقَ هذه الأحرف على حالها. والطريقة الحاليّة التي نكتب بهذه الأحرف، تحتوي على بعض الأحرف إذا ما كتبتها بالعربيّة لن يفهمها العرب.
كانوا يختارون “غ” أم أنّهم كانوا يكتبونها بطريقة أقرب إلى الروح الكرديّة؟
بقيت الكثير من هذه الأحرف ولا توجد أيّة مشكلة معها. نكتبها بطريقتنا. نستطيع أن نطرح السؤال نفسه حول اللاتينيّة. تجد أنّ هناك الكثير من الأحرف مثل “؟” “؟” “؟” (هكذا في الأصل المترجم). على سبيل المثال لا تستطيع استخدام هذه الأحرف.
ولكن مثلاً ضعْ Khمكان (غ) أو Ch مكان (ض) أو Sh مكان (ش). ما رأيكم بهذا؟
لا مشكلة لنا البتّة مع الأحرف التي نكتب بها حاليّاً. الأحرف اللاتينيّة مجرد تقليد، ولا شيء آخر. تاريخيّاً، لا يوجد لها أثر. لم يُكتب شيءٌ بها قبل القرن العشرين. قد نرى أنّ البعض كتب بها، ولكنّها لم تصبح ظاهرة. عدا عن هذا، لماذا سنخلق لأنفسنا المزيد من المشاكل. وكما قُلتْ لا يكتب الكرد فقط بهذه الأحرف، بل الفُرس والأفغان يكتبون بها أيضاً. أنا ضدُّ استخدام الأحرف اللاتينيّة. أودُّ أن أكرّر رأيي هذا، والآخرون لهم كلّ الحريّة أن يقولوا رأيهم.
إنّ مشكلة أزمة اللغة هي نتيجة لأزمة الحريّة لشعبنا. وباعتقادي لا يمكن حلّها بسهولة. القضيّة ليست مرتبطة بالأكثرية والأقليّة، فإذا كانت الأكثرية في كردستان تكتب بهذه الطريقة، فليس من الضروري أن تسير الأقلية على نهج الأكثرية. على سبيل المثال، كانت اللغة الفرنسية هي لغة منطقة صغيرة تقع جنوب باريس، ولكنها كانت منطقة للثقافة وتطوير الفكر والفن، فأصبحت هي اللغة القياسية. (ما يقصده بيكس هو أنّ الصورانيّة حتى وإن كانت لهجة الأقلية في كردستان ينبغي أن تصبح اللغة القياسية لها لأنها لغة الفكر والأدب والفن!! المترجم).
قد يقول أصحاب الكتابة اللاتينيّة أنّ شيركو بيكس يرى البلوش والفرس والأفغان يكتبون بالأحرف العربية، ولكنّه لا يرى أن نصف الكرة الأرضيّة يستخدم الأحرف اللاتينيّة؟
تلك هي أحرفهم، ما حاجتنا لاستخدامها، في حين استخدمنا الأحرف العربية منذ مئات السنين، نمتلك خزينةً بها. مَن الذي سينقل هذه الثروة الثقافيّة إلى الأحرف اللاتينيّة؟ ما هو الضمان لئلا نفقد هذه الثروة كما ضاعت في تركيا.
ثمّة رأي يقول إنّ مصطفى كمال أتاتورك كان يريد أن يتخلّص شخصيّاً من ذاك التراث ويعمل قطيعًة معه. كانت هذه رغبة أتاتورك، حيث لم يكن يرغب البتّة أن ينقل الثقافة العثمانيّة إلى عقول وأفكار أبناء أمتّه. ألا تعتقد بأنّنا نستطيع أن ننقل مَحوي ونالي، وسالم، وكردي، وكوران، والمرحوم والدك( المقصود الشاعر بيكس والد شيركو بيكس – المترجم ) بالأحرف اللاتينيّة إلى عقول الجيل الجديد؟
لا تتعلق المسألة فقط بنتاج مجموعة من الشعراء، من الضروري أن تعلم أن هناك مكتبةً ضخمةً مُنجزة. من الذي سينقل كلّ هذه المكتبة إلى الأحرف اللاتينيّة. في تركيا لم يجدوا حلّاً لنقل ما كُتب بالأحرف العربيّة إلى الأحرف اللاتينيّة.
كيف سيكون عليه الحال إذاً في المستقبل؟
لا أعرف ما الذي يمكن أن يحصل في المستقبل، يتوقف ذلك على جملةٍ من الأمور التاريخيّة والسياسيّة والفكرية في المستقبل.
سياسيّة، مثل ماذا؟
للغة علاقة رئيسيّة بالكيان السياسي. أرى أنّه من الممكن إعطاء الحكم الأخير على ما الذي يمكننا القيام به مع استقلال كامل كردستان. ولكن كوننا نتمتّع بشيء من الحريّة في هذا الجزء، من الواجب أن تكون للسلطة السياسيّة قراراً قويّاً، لإيجاد حلٍّ لمشكلة هذه اللهجة. (يقصد اللهجة الصورانية المترجم).
ماذا تعني بالحلّ؟ هل تستطيع الحكومة الكردستانية أن تجعل من التخيلات والوقائع التي ينطق بها جنابك إلى قرار؟
ينبغي أن يكون هناك برنامجاً. لم تفعل الحكومة أيُّ شيءٍ من أجل اللغة. الآن نتحدّث أنا وأنت وهذا هو لبّ الموضوع. ينبغي طرح هذه المسألة على عموم المجتمع كي يتمَّ مناقشتها باستفاضة. ثمّ يأتي إعطاء القرار. لم يحصل هذا، والأمر الذي تمّ إهماله هو اللغة الكرديّة. وهنا أودُّ إبداء ملاحظتين: ففي الوقت الذي أتحدّث عن هذه اللهجة التي أصبحت عندي اللهجة القياسيّة للكتابة باللغة الكرديّة، كان من الضروري أن يصبح ذلك قراراً من جانب الحكومة والبرلمان في كردستان.
ألا ترى قبل هذه الخطوة ضرورة توحيد القواعد الكردية؟
الآن لا توجد فقط لهجتين، وإنما 4-5 لهجات، تتم الكتابة بها، ولها قنوات إعلامية. وهذا برأيي جزء من التناقض في حقل اللغة. فبدلاً من العمل على تخفيض مستوى المشاكل نقوم بزيادتها.
حسناً، لماذا تنظرون إليها بوصفها تناقضاً، هل تعتبر استخدام الكرمانجية والصورانية واللهجات الأخرى تناقضاً. الآن تبثّ قناتي “كردسات” و “زاغروس” النشرات الأخبارية باللهجتين الكرمانجية والصورانية، أين هو التناقض في ذلك؟
لا أقصد عدم الاهتمام باللهجات الأخرى أو عدم استخدامها. ولكن يختلف الأمر إذا ما جعلت من لهجة أن تكون اللغة الرسمية، اللغة القياسية. في هذه الحال تقوم بإنجاز بعض الأمور لها ويجب أن يتم التقيد بها، هذا لا يعني إنني لست مع مسألة إغناء اللغة. يتم إغناء اللغة بكلمات اللهجات الكردستانية الأخرى. من غير المقبول أن تكون ثروتنا فقط الكلمات التي يتم تداولها في كل من مناطق السليمانية ومهاباد وكركوك. أرى من الضروري أن تصبح الصورانية أكثر غنىً.
هناك في بعض المناطق من كردستان نوع من الحديث “الصورمانجي” الذي تكوّن نتيجة لاستخدام اللهجتين الكرمانجية والصورانية في وسائل الإعلام والكتابة بهما بالأحرف الآرامية واللاتينية. ما الذي يمنع أن تصبح اللغة الكردية في المستقبل مزيجاً متحداً من هاتين اللهجتين؟
لا أعرف إلى أين تسير هذه العمليّة. ولكنّني أستطيع القول أنّ استخدام اللهجتين قبل إنجاز استقلالنا ليس بالأمر المضرّ. ولكن إذا ما أصبحتْ ثلاث أو أربع أو خمس لهجات حينئذٍ سيصعب علينا ما ينبغي القيام به وسندخل في دوّامة. هل وجدتَ أربع أو خمس لهجات بين أمّة واحدة ويتم التحدّث والكتابة بكل هذه اللهجات؟ وأن تكون لهذه اللهجات قنواتٌ إعلاميّة؟ ليس الأمر هكذا. إذا ما اختصرتُ كلامي، أدرك أنّ اللغة الكرديّة في أزمة من حيث القواعد والأبجدية. وهذه الأزمة هي وليدة أزمة كردستان المقسّمة ذاتها. هي وليدة غياب كيان سياسي مستقل. في كلّ مرحلة كان زمام الأمور بيد لهجة من اللهجات حتى فيما يتعلّق باللغة الأدبيّة.
كان الزمام في مرحلةٍ بيد اللهجة الكرمانجية الشمالية، وفي مرحلةٍ أخرى كان بيد اللهجة الأردلانيّة، وفي المرحلة الأخيرة قبل مائتي عام انتقل إلى هنا (يعني اللهجة الصورانيّة المترجم). لقد ترسّخت هذه اللهجة على يدّ كلّ من نالي وسالم وكردي. وبعدئذٍ، وعقب بعض المراحل السياسيّة أصبحت هذه اللهجة، لهجة هذه المرحلة. ففي عهد الشيخ محمود وفترة جمهورية مهاباد، كان يتمُّ التحدّث والكتابة بهذه اللهجة، وحتى أنّ الحركات السياسيّة لهذا الجزء من كردستان استخدمت وكتبت بهذه اللهجة. كان الملا مصطفى البارزاني يتحدّث إلى الناس بهذه اللهجة، وكتب رسائله بهذه اللهجة. لقد اجتمعتُ شخصيّاً به، كان يتحدّث بهذه اللهجة. وكلّ الرسائل التي كتبها إدريس البارزاني ليَ كانت بهذه اللهجة. وحتى في مرحلة بيان 11 آذار تمّ اختيار هذه اللهجة من أجل التعليم وكان هذا بموافقة الملا مصطفى البارزاني. نحن في وسط عدّة لهجات والحال هذه، أيُّ لهجةٍ ينبغي أن تصبح الأساس؟ بدون أدنى شكّ اللهجة التي أعطت أكثر.
(المصدر: جريدة رووداو الكردية، طبعة أوروبا- العدد 212 -22 آب 2013)