تَقرير/ صلاح إيبو
رُوناهي/ الشَّهباء: تميز اليوم العاشر والأخير من العروض المسرحية في مهرجان ميتان المسرحي، بلوحة غنائية جسدت ملحمة من التّاريخ الكُردي باسم “درويشي عفدي DERWÊŞÊ EVDÊ“، هذه الملحمة التي تربط بين حب الأرض والوطن وبين حب العاشق لمعشوقته والقيم الاجتماعية التي كانت سائدة تلك الحقبة الزّمنية، لكنّها أكّدت في الوقت ذاته تكرار التّاريخ نفسه في التّشبيه بين مجريات المَسرحية وتكاتف الأتراك والمُرتزقة السّوريين ضُد الكرد اليوم في روج آفا.
خمسة وثلاثون فناناً وموسيقياً شاركوا في هذه الملحمة التي تميزت بالأداء المُميّز للفنانين الذين جسّدوا روح الشّخصية المُعاشة وإصرارهم على إنجاح تجربتهم الأولى في هذا المجال، وكان قد قدم مهرجان ميتان في دورته الثّالثة في عفرين لوحة غنائية جسدت قصة العاشقين “ممي آلان وزين زيدان”، ولكن هذه التجربة تميزت بضخامة العمل وعدد المشاركين وطريقة الأداء.
المسرحيّة الغنائيّة أظهرت إبداع الفنان وقدرته على مُحاكاة الواقع
استمرّت المسرحيّة على مدار ساعة ونصف السّاعة، وسط ترقّب الحضور لمجرياتها، رغم أنّ ملحمة “درويشي عفدي”، قصة يعرفها غالبيّة الكُرد عبر الأغاني المُتوارثة، إلا أنّ الحضور تعرفوا على تفاصيل أظهرها العمل المسرحي بشفافية وموضوعية، وتناولت تفاصيل عدة عبر لوحات غنائية وتجسيدها بالعمل المسرحي والدّمج بين الأسلوب القصصي الذي كان يرويه الفنان محمد وليد والفنانة الشابة خديجة خليل.
وتقول الفنانة “نوروز” التي شاركت في المسرحية بشخصية زهرة ابنة شيخ عشيرة الجّيسيين: “تميّز هذا العمل عما قدمناه في ميتان لدورته الثّالثة، بعدد المشاركين ضمنه، ومدى ترابط الفكرة والغناء والتمثيل معاً، إضافة لأنّنا نعتبر أن ما يقدم في الشهباء في ظل هذا التّهجير القسري يجب أن يكون مميزاً ومتقناً بكافة الجوانب لأننا نرسم التاريخ هنا اليوم مجدداً”.
المسرحية الغنائية هذه من تأليف الفنان “ريزان بكر”، ابن ناحية راجو ذات الطبيعة الجبلية، والتي تقمّص فيها ريزان دور البطولة “درويشي عفدي” إلى جانب الشّابة “أفين بلال” بدور “عدولة”، وإخراج “محي الدين أرسلان”.
وتمحورت قصة المسرحية حول حب يجمع درويشي عفدي الذي ينحدر من قبيلة شرقية الإيزيدية في شنكال وبين عدوالة ابنة زعيم قبيلة “مللا” الكرديّة المعروفة، وترابط هذا الحب مع حب الوطن والتّراب، إذ يتحالف العرب الجيسيين والأتراك ضد الكُرد المليين، وفي هذه الأثناء يطلب المللين الدّعم من الشرقييّن ويستجيب درويشي عفدي لهم، رغم معرفته عن وجود نوايا أخرى لزعيم عشيرة المليين، إلا أن حبّه لعدولة ولأرضه يدفعه لجمع رجاله وخوض حرباً غير متكافئة، إذ يقود درويش 12 فارساً من بينهم شقيقه البالغ من العمر 14 سنة، لمقابلة 32 ألف مقاتلاً من العرب والأتراك.
هنا يقول ريزان بكر: “بعد تهجيرنا من عفرين، كونوا على يقين أن هدف الاحتلال التركي هو إبادة ثقافتنا، لذا كان قرارنا نحن كحركة الثقافة والفن الاستمرار بنضالنا ومتابعة النّتاج الفني والثقافي للرّد على أساليب المحتل التركي”.
ويشير ريزان، إلى أنّ السّبب وراء اختيار ملحمة درويشي عفدي هو ترابط هذه الملحمة مع القيم الوطنية والقومية، وتجسيده في الوقت ذاته الوحدة الكردية وجانب من أخوّة الشعوب، وربط ريزان قصة درويشي عفدي مع فكر القائد الكردي عبدالله أوجلان الذي أشار في أكثر من مناسبة إلى ملحمة درويشي عفدي كرمز للحب والارتباط بالأرض والوطن.
تَجربة مُميّزة
ويقول ريزان الذي خاض هذه التّجربة للمرّة الأولى كمؤلف وملحن وممثل: “هذه تجربتي الأولى في كتابة النص المسرحي الغنائي والمشاركة فيه، قمنا بجمع القصة من مراجع تاريخية ومؤرخين، لنكون واقعيين وأمناء بنقل الملحمة التّاريخية، هذه القصّة تتكرّر اليوم إذ قام الأتراك سابقاً بجمع اللصوص والتحالف مع بعض ضعاف النفوس ضد الكرد، وهذا الشيء يتكرر اليوم في هذا التاريخ عبر التحالف بين أردوغان والمرتزقة السوريين ضد الكرد.
إذ تجسدت قصة درويش عفدي، بتضحيته بنفسه ورجاله في سبيل قتال تحالف الأتراك مع قادة اللصوص وبعض العرب ضد الكُرد، واندمج فيه حب الوطن والحبيبة معاً، واستطاع الفنانون تجسيد الشخصيات عبر الاندماج الرّوحي مع الشخصية، ويستطرد ريزان بكر: “كُنت في حالة من الرّهاب، لكن عند مشاهدتي للعدد الكبير من الجمهور الذي تلهف للحضور، استطعت الاندماج مع روح الشخصية وتقديم أفضل ما عندي”.
وتقدم ريزان بالشّكر إلى الجمهور وشعب عفرين بالقول: “هذا الشعب يستحق أن نقدم له كل ما لدينا من طاقات وإمكانات، ونستطيع القول أن العودة إلى عفرين مؤكدة لأن هذا الشّعب يمتلك الرّوح والعزيمة التي تجعله يكسر كل الحواجز”.
ومن جهتها أشارت الممثلة لدور “عدولة” أفين بلال إلى أن ما حدث في الملحمة يحدث اليوم على أرض الواقع: “إنّ التاريخ يعيد نفسه فما حدث في الملحمة، نراه يُعاد اليوم أمام أعيننا من انتهاكات الأعداء بحق الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، وفي كل مرة يقترب النّصر، تحاول يد الغدر أن تنال من منجزات شعبنا وقاداتنا وأبطالنا، ولكن الشّعب الكردي هو شعب مقاوم لا يكل ولا يمل في سعيه للحصول على حريته وأمهات الكرد ينجبْنَ الأبطال الذين يواصلون مسيرة المقاومة دائماً”.
رِسالة من أوروبا تؤكّد نجاح ميتان وصَداه
وفي نهاية العرض، أرسل الفنان “خليل غمكين” رسالة صوتية للحضور في مسرح جياي كرمنج، شكر فيها جهود الفنانين في الشهباء على تقديم هذا العرض وإقامة مهرجان ميتان في دورته الرابعة، وقال: “هذا الشّعب الذي يناضل في الشهباء يمدنا جميعاً بالمعنويات ويؤكّد لنا أن الشعب الكردي يستطيع صناعة المستحيل، رغم المصاعب التي يعانيها”، وقدّم الفنان خليل غمكين تحياته لكافة أفراد الشّعب وأُمهات الشّهداء وبارك نضالهم الذي وصفه ب”المقدس.[1]