للكاتب بير رستم[1]
شخصيتنا هي “أشهر من نارٍ على علم” كما يقال في الأمثال و معروف عنه بأنه هو “الذي أطلق الرصاصة الأولى في وجه الفرنسيين المستعمرين”. إذاً دعونا نتعرف على هذه الشخصية الجديدة؛ ألا وهي: محو إيبو شاشو (Miĥo Îbo Şaşo) ينقل موقع تيريج عفرين عن كتاب تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي لأدهم آل جندي أنه, “في تشرين الثاني عام 1919 ، تسلمَتْ القوات الفرنسية ولاية حلب من الانكليز، ودخلتْ منطقة جبل الأكراد وكلس من جهتين، الأولى: من جهة محطة القطار (ميدان أكبز)، والثانية: من قرية الحمام إلى جنديرس وصولاً إلى محطة قطار قَطمه، فاتخذتْ من المحطة مركزا رئيسيا لقواتها. وقد لاقت هذه القوات الفرنسية أول مقاومة لها في منطقة عفرين، حيث أطلق المجاهد: محو بن إيبو شاشو الرصاصة الأولى في وجه المستعمرين الفرنسيين في سوريا. وتشكلت القوات الشعبية التي سميت بال(چه ته)، وكان من مؤسسيها كلٌ من: عبدو خوجه، محو إيبو شاشو، حج حنان شيخ إسماعيل، سيدو ديكو وأحمد روتو. وبدأت تلك القوات بمحاربة الفرنسيين خلال العديد من العمليات الناجحة ضدهم في جبل الأكراد. فقد أقدم ( سقيب) أحد زعماء الچته مع فرقته بمهاجمة القوات الفرنسية في محطة قرط قلاق للقطار (شمالي مدينة عفرين)، ثم استشهد في إحدى مواجهاته مع الفرنسيين قرب قرية بيك أوباسي “. ويضيف الموقع نفسه, “ثم دارت اشتباكات عديدة بين محو إيبو شاشو والقوات الفرنسية، وكان أعنفها تلك التي وقعت قرب بلدة (قرق خان) في لواء اسكندرون، حينما هاجم (محو) ورفاقه قافلة للقوات الفرنسية. كما هاجم (محو) والمجاهد (أحمد حاجي ته ك بيقلي) وبكر آغا من قرية سنارة ورفاقهم الحامية الفرنسية في قرية الحمام، التابعة لجنديرس حالياً، فدمروا الحامية، وأوقعوا فيها خسائر كبيرة. كما شارك كل من (محو وحاجي) وآخرون القوات الشعبية في طرد الفرنسيين من مناطق كلس وعينتاب، واستشهد حاجي في إحدى تلك المعارك. أما بكر آغا ابن حج مصطفى فقد اعتقلته القوات الفرنسية وتوفي في سجن خان استانبول في حلب عام 1922”. ويقول عن هذه الشخصية, “يذكر أن محو ايبو شاشو بن رشيد والدته جنة من عشيرة رشوان المعروفة في منطقة آدِيَمان التركية ولد عام 1875 في قرية كوميته الواقعة على الحدود السورية التركية وهو أصغر أخوته الأربعة وهم: مصطفى – يوسف – علي – حسين وشقيقاته بسه و زليخة، حيث استقر قسم مع أهله مصطفى مع زليخة في قرية قنطرة التابعة لناحية المعبطلي, وما زال أحفاد هؤلاء موجودين في تلك القرية وهم محمد ايبشاشو وشقيقه شيخو ايبشاشو ويوجد قسم منهم في قرية معمل أوشاغي بعد نزاع بينهم وبين آغوات الآغا في قريتهم واستقر قسم آخر من عائلة محو ايبشاشو في برمدا في منطقة حارم التابعة لمحافظة ادلب ثم اقاموا في سهل العمق لدى أحمد آغا كنج وعملوا كفلاحين مأجورين “.ويورد الكاتب والصديق (محمد عبدو علي) في مؤلفه “جبل الكرد” عن هذه الشخصية، ما يلي, “اسمه محو، ووالده إيبو شاشو. ولد في قرية Baseka 2 في سهل ليجه Lêçe على الحدود السورية التركية الحالية، وكانت تابعة لناحية راجو قبل ضم لواء الاسكندرون إلى تركيا، وهو أصغر إخوته الثلاثة. وإثر نزاع مع أخواله ومع أغوات القرية من أسرة “ره ش آغا” Reş axa ، غادرت أسرته القرية، فلاحقها رجال الآغا وأحد أخواله الذي قتل في المواجهة، وتمكنت العائلة من اللجوء إلى آل برمدا في حارم، ثم غادرتها إلى العمق، وأقامت لدى أحمد آغا كنج كفلاحين. وهناك، قطع محو الطريق على حافلة عثمانية كانت تحمل البريد، فقتل ثلاثة جنود، واعتُقلَ على أثرها وزج به في سجن حلب. وبعد سقوط السلطة العثمانية، أطلق الإنكليز سراح كافة المساجين و كان من بينهم محو”. ويضيف, “يقول أقرباء محو في قرية “كورزيل جومه”، إنه بعد أن حلت القوات الفرنسية محل الإنكليزية في سوريا، اجتمع محو ورجال آخرون من حلب في حي “آغيول”، وقرروا محاربة الفرنسيين، ولكن خوفا من أن يلحق الأذى بالمدينة، تراجع الحلبيون عن ذلك، فعاد محو إلى العمق، وبدأ القيام بنشاطات معادية للفرنسيين.” وكتب أدهم آل جندي عن “محو باشا” في العمق في هذه الفترة، ما يلي: المجاهد “محو” الكردي هو المجاهد البطل “محو إيبو شاشو الكردي” الذي أطلق الرصاصة الأولى في وجه الفرنسيين المستعمرين، وكانت عصابته هي النواة الأولى لتشكيل العصابات السورية. فقد أرسلت الحكومة المحلية في حارم قوة من الدرك لمطاردة هذا المجاهد، الذي كان وكيلا لدى “أحمد بك مرسل” المُنافس لأبناء عمه الموالين للفرنسيين، فتوارى محو عن الأنظار، إلا أن الجنود ساقوا زوجته أمامهم عائدين بها إلى حارم، فثار زوجها واستأسد في سبيل الشرف والكرامة، وتبع رجال الدرك، فدارت بينهم معركة انجلت عن مصرع بعض أفراد الدرك، ولاذ الباقون بالفرار، وعاد محو بزوجته، فأمده أحمد بك مرسل بكمية من البنادق والقذائف والعتاد، وانضم إليه أفراد آخرون. فأعدت السلطة الفرنسية قوة مؤلفة من أربعين جنديا لمطاردته، وتصدى لهم محو ورفاقه بنار حامية، إلى أن انسحب الجنود تاركين وراءهم قتلاهم. أما محو فقد انسحب إلى جبل الأكراد، واتخذ من منطقة جبل خاستيا وقازقلي مخبأ له.” ويقول الكاتب كذلك, “وكانت لهذه الحادثة أعمق الأثر في المنطقة، حتى اجتمع حول محو أكثر من أربعين مجاهدا، تمكنوا بعد ذلك من قافلة نقل عسكرية فرنسية كانت تجتاز سهول العمق الكثيرة الأعشاب، حتى إذا ما توسطت المكان المعشب، أشعلوا النار أمام القافلة وخلفها وعن يمينها وشمالها، فلم يتركوا لها أي طريق للنجاة، فالتهمت النيران رجال القافلة وعجلاتها ودوابها وأرزاقها.” و يكتب الإعلامي والصديق نضال يوسف بخصوص هذه الحادثة في مقالة حوارية له بعنوان “محو ايبو شاشو.. أطلق أول رصاصة في وجه الفرنسيين” قائلا, «لقد قاد “محو” هجوماً على قافلة نقل عسكرية كانت تجتاز سهل “العمق” الكثير العشب وعندما توسّطت القافلة المكان المعشّب أشعلوا النار من كل الجهات فلم يتركوا لها أي طريق للنجاة والتهمت النيران كاملها، وبالتحالف مع مجاهد آخر هو “تك بيقلي” (اسم تركي ومعناه بالعربية ذو الشارب الواحد) هاجموا بحوالي /300/ مجاهد من منطقتي “عفرين” و”حارم” بتاريخ /22/1/1929 مخفر قرية “الحمام” منطقة “عفرين”. في البداية صمدت الحامية الفرنسية ولكن إرادة الثوار في مواصلة الهجمات أدى إلى الاستيلاء على المخفر في 26/1/1920 وقد قتل خلالها قائد الحامية والملازم دولونلاي”. ويضيف كذلك, بأنه «أرسلت القيادة الفرنسية في منطقة “اللواء” قوة بقيادة الكابتن “دروهيل” لمطاردة المجاهدين وقبل وصولها إلى قرية “الحمّام” انسحب الثوار إلى مواقعهم الحصينة في الجبال المجاورة وفي 27/1/1920 هاجم المجاهدون وعددهم /600/ مقاتل بينهم “محو ايبو شاشو” على القوة الفرنسية المتمركزة في القرية بالرشاشات فسقط منهم /50/ شهيداً و/17/ أسيراً». ويذكر أيضاً « يُقال أنّ الطائرات الفرنسية شاركت في إحدى المعارك ضد مجاهدي “محو”، .. وقد حدث ذلك في معركة جبل “بارسة خاتون” في الشهر الأول من العام /1939/ حينما تحصنت قوة من الثوار بقيادة “محو” في قلعة “جانبولاط” في جبل “بارسة خاتون” المطلّ على مدينة “اعزاز” وفي منتصف ليلة /23/1/1939/ هاجموا منزل المستشار الفرنسي في “اعزاز” حيث دارت بينهم معركة حامية امتدت حتى الفجر وبسبب شراسة المجاهدين في القتال اضطرت القوات الفرنسية الاستنجاد بحاميتها المتمركزة في “حلب” بقيادة الكولونيل “دوشي ليون” وكذلك بقواتها المتمركزة في قرية “قطمه” المجاورة وفي هذه الأثناء شاركت الطائرات الفرنسية في الهجوم على مقاتلي “محو” الذين استطاعوا إسقاط طائرة منها قرب محطة قرية قطمه”. أما الكاتب (محمد عبدو علي) فيذكر ” ثم خرج مجاهد كردي آخر يدعى Tek Biyiqlî Ĥacî “ذو الشارب الواحدة”(2)، وألف عصابة قوية أقضت مضاجع الفرنسيين، واتفق مع محو ورجاله، وهاجموا حامية الحمام ” قرية الحمام التي على الحدود حاليا” الكائنة جنوبي جبل الأكراد، فقضوا على الحامية الفرنسية. ولما بلغت مسامع الحكومة العربية في حلب وقائع المجاهد الكردي ” محو”، تشاور إبراهيم هنانو وصبحي بركات ووالي حلب ومدير شرطته، حول القيام بثورة عامة على الفرنسيين في لواء اسكندرون…(2). بعد هذه الحادثة قرر محو و” تَك بيق له” الانضمام إلى المقاومة الشعبية التي كانت قد بدأت في مناطق مرعش وعينتاب، وبقي محو يقاتل في صفوفهم إلى انسحاب الفرنسيين من تلك المناطق، وقتل “تَك بيق له” في هذه الأثناء، أما محو فقد منحته السلطة التركية الجديدة رتبة باشا، ووكلت إليه مهمة حماية مناطق من الحدود . وبخصوص مقتله يقول الكاتب؛ “وفي أحد الأيام التقى “محو” بعدد من الجنود الأتراك في إحدى القرى الحدودية يبحثون عن مطلوبين للخدمة العسكرية، فاحتج “محو” على عدم أخذ موافقته في ذلك، وتطور الأمر إلى مواجهة مسلحة بينهما، وقتل على أثرها بعض الجنود، وهم صف ضابط وجنديان، فاضطر “محو” إلى ترك الأراضي التركية، الأمر الذي جعله مطلوبا من الأتراك والفرنسيين على السواء. حينها جعل محو من مرتفعات خاستيا وقازقلي من جبال الأكراد ملجأ، إذ كانت زوجته الثانية من قرية “تترا” Tetera التابعة لناحية جنديرس الواقعة في وسط جبل قازقلي. ويقال إن شقيق زوجته تواطأ مع آغوات العمق والفرنسيين، وأقدم على اغتيال صهره “محو” في باب مغارة كان يستخدمها محو مقرا له بجوار القرية، ثم سلم جثته إلى الفرنسيين(3). وبخصوص هذه القضية؛ مقتل محو إيبو شاشو يقول الصحفي والإعلامي نضال يوسف في مقالته المشار إليها، ما يلي: «نتيجة تواطؤ أحد أقربائه مع “أحمد آغا كنج” والفرنسيين أقدم على اغتيال “محو” غدراً في باب مغارة كان قد اتخذها مقرّاً له قرب قرية “تتران” -منطقة “عفرين” في وسط جبل “قازقلي”». وهكذا فقد قتل المجاهد محو إيبو شاشو نتيجة تواطؤ وغدر من قبل رفاقه وأهله وذلك بحسب ما نقل إلينا من أحاديث وكتابات أبناء المنطقة وبذلك طويت صفحة أخرى من صفحات منطقة عفرين.
————————————————————-
الهوامش:
وهناك رواية أخرى تقول أنه من قرية Gomîtê
يقال إن “حاجي” هذا كان ذا نظرة حادة، واشترط “حاجي” مع رفاقه على إخافة شخص معين مقابل قص فردة شارب إن أخفق في ذلك، وعندما أخفق حاجي في الرهان، يقال أنه قص أحد شاربيه، فسمي على أثرها ب “ذوالشارب الواحدة”.
أدهم آل جندي، تاريخ الثورات السورية، ص12
المصادر :
موقع تيريج عفرين.
– كتاب “جبل الكرد” للكاتب د.محمد عبدو علي
– مقالة للصحفي والإعلامي نضال يوسف على موقع حلب.