تقرير/ هايستان أحمد[1]
روناهي/ قامشلو: شابة كرديّة من مدينة قامشلو لا يتخطى عمرها الثلاثين عاماً خطّت خطوط التاريخ والحاضر ونقلت ما يعيشه أبناء منطقتها بِحسّها، “روجين محمد موسى” نشرت كتابها الأول الذي كان عبارة عن مجموعة قصصية تحاكي تاريخ الشعب الكردي ومعاناته ضمن حفلة في حديقة القراءة.
تعتبر الكتابة من أهم سبل التعبير عن النفس والسلاح الفتاك بوجه التخلف والتهميش، لأنها ترجح العقل وتُشبع الأذهان بالمعرفة والتنوير وتبعث النور في عمق الظلام، أصبحت ركيزة أساسية لبناء المجتمعات الراقية والمتقدمة، فلكلِ بلدٍ في العالم كتّابٌ وروائيين وشعراء يبذلون ما بوسعهم من أجل نقل الواقع إلى العالم بشاعرية وشفافية وكلماتٍ منمقة تداعب الخيال وتربطه بالحاضر.
بعد زمنٍ طويلٍ من القمع والتعتيم على ثقافة ولب الفكر الكردي انتفض الشعب الكردي رافعاً الأقلام قبل الأسلحة بوجه كل معترضٍ، فلمعت نجوم كثيرة في سماء الأدب والفن والسياسة وكل منافذ الحياة الأخرى، وبعد تعطشٍ إلى اللغة الكردية الأم ارتوى العالم كله بكلمات وشعر وأحرف الأبجدية الكردية، ولكن لم تنحصر الانتفاضة الفكرية على جيلٍ معين ومحدد، بل كان هدف الأجداد وذوي المعرفة بهذه اللغة نقلها وتعليمها وترسيخها لدى النشء الجديد، وافتتحت أكاديميات ومعاهد وجامعات باللغة الكردية، وبدأت تنتعش من جديد، ومن بين تلك النجوم المتلألئة الكاتبة الكردية الشابة “روجين محمد موسى”، التي عشقت لغتها وتمكنت من إخراج ما يدور حولها وفي أعماقها إلى العالم عن طريق مجموعةٍ قصصية تحت اسم “حلم الشهر العاشر”، وتعد هذه المجموعة التجربة الأولى لروجين.
تاريخ معاناة الشعب الكردي
والمجموعة تتمحور حول ما يحدُث وحَدث في مناطق شمال وشرق سوريا من احتلال وحشيٍ لا إنساني أخذ معه أحلام الطفولة ونهب الآمال وزرع الآلام في كل مكان، فصرخاتُ أطفال سري كانيه وعفرين خلقت لدى روجين الدافع لتكون صوتهم الخافت الذي غفله العالم كله ولم ينصت إليه بإنسانية، فبدأت هذه الكاتبة بتدوين ما يمر به المجتمع في المنطقة برمتها والمجتمع الكردي على وجه الخصوص، فهو الشعب الذي يعاني دائما وأبداً من سلب الحرية واللغة والهوية، ولكن لم يستسلم هذا الشعب العظيم قط بل دافعو ومازالوا وسيبقون شوكةً في أعين كل محتلٍ يطمح بإنهاء الوجود الكردي منذ القِدم وإلى يومنا هذا، ولربما كل هذه الأشياء حرّكت مشاعر الكاتبة الساكنة وجعلتها تدخل عالم الكتابة لتدوّن ما مر به الشعب الكردي منذ مئات السنين والنكبات والخيانات التي تعرض لها، فكانت المجموعة القصصية المنفذ لمشاعرها.
تم توقيع الكتاب يوم الأثنين المصادف الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وذلك في صالة حديقة القراءة في الحي الغربي في مدينة قامشلو، وأقيم حفل توقيع الكتاب برعاية رابطة المرأة المثقفة، وبحضور خلان الكاتبة وأصدقائها وأعضاء مؤسسات الإدارة الذاتية والمثقفين وجَمعٌ من السياسيين، وأهدت روجين موسى عملها الأدبي إلى والدها الذي دعمها وكان الأب المثالي الذي اجتمع في أحضانه العالم كله حسب تعبيرها، وشرحت قليلاً عن مجموعتها قائلة: “هذا الكتاب نبذة مصغرة عن القهر والظلم الذي تعرض له الشعب السوري عامة والشعب الكردي خصوصاً بسبب الاحتلال التركي وهجماته المتتالية على مناطق شمال وشرق سوريا وممارسته أبشع الجرائم بحق الأهالي والمدنيين والأطفال على وجه الخصوص، وعن تاريخ الكرد”.
السطر القادم يجب أن يُدوّنَ بأقلام النشء
وألقى والد الكاتبة كلمة أشار فيها إلى سعادته العارمة بنجاح ابنته بتدوين خوالج نفسها باللغة الكردية، فكان أمله الوحيد أن تعتمد على ذاتها وتحصّن عقلها بكلِ مفيد، وفي لقاءٍ خاصٍ لنا مع الكاتبة روجين موسى عبّرت عن سعادتها لاستطاعتها كتابة آلمها وتسطيرها بكتابٍ موحد، وقالت: “أشعر أنني لم أعطِ حق قلمي المستحق لربما لأنها تجربتي الأولى، ولكنني حاولت أن أنقل أوجاع الشعب الكردي عبر الزمن ليعرفه الجيل القادم فنحن لا نريد لبراعمنا أن يعانوا ما نعاني منه فالشعب الكردي لم يحظَ بحياة هانئة بسبب أطماع الدول وهجمات الأعداء، وأطلب من جيلنا اليافع الذي يبلغ عمر الورد أن لا يعيشوا حياةً لا جدوى منها ودون معنى، فهم من نتكل عليهم وهم المستقبل المشرق والقلم هو النجاة الحقيقي فعندما نكون أصحاب فكرٍ سليمٍ وقلمٍ متمكن لن يستطيع أي أحد من هزم قوتنا، وسننتصر لا محال”.