تقرير/ هايستان أحمد [1]
روناهي/ قامشلو: لأن الشهداء ضياء المستقبل ودمائهم سقت الأرض نخوة وشجاعة، يستذكر الكُرد شهدائهم بكل حبٍ وإجلال، فشهداء انتفاضة الثاني عشر من آذار رسموا طريق الحرية وكانوا الفخر للكرد جميعاً وفي كل أنحاء العالم.
ليس هناك كلمة يمكن لها أن تصف الشهيد، ولكن قد تتجرأ بعض الكلمات لتحاول وصفه، فهو شمعة تحترق ليحيا الآخرون في النور، وهو إنسان يجعل من جسده جسراً ليعبر الآخرون إلى الحرية وهو الشمس التي تشرق إن حلّ ظلام الحرمان والاضطهاد.
الشهيد نجمة الليل التي ترشد من تاه عن الطريق، وتبقى الكلمات تحاول أن تصفه ولكن هيهات، فهذا هو الشهيد. وعندما نذكر الشهداء لا يغيب عن بالنا الشموع والنور فهم شعلة المستقبل المضيئة التي لا تنطفئ أبداً، وفي روج آفا وقامشلو تحديداً موطن استذكار شهداء انتفاضة الثاني عشر من شهر آذار، وفيها راح الكرد ضحية للفتنة والعنصرية والتمييز العرقي، فيُقال: “فلتتحلى بروحٍ رياضية”، أي يجب أن تتقبل الخسارة بقلبٍ رحبٍ، ولكن هذه المقولة لم تتطبق على أرض ملعب الثاني عشر من آذار في قامشلو عام 2004م، وفي مباراة كرة القدم بين نادي “جهاد” قامشلو، ونادي “الفتوة” دير الزور، حيث زرع النظام وساوس الطائفية في عقول الضيوف الذين أتوا من دير الزور إلى قامشلو لمتابعة المبارة حاملين في حقائبهم الحجارة وبدأوا بالضرب واختلاق المشاكل، وكان النظام والشرطة إلى جانب أبناء دير الزور ورفعوا السلاح بوجه الكرد، أما الكرد فقد تم تفتيشهم بعناية كبيرة فقد كان المخطط منذ البداية سفك دماء الكرد وخلق النزاعات الطائفية بينهم وبين العرب.
صرح النظام عن طريق الإذاعة التي كانت تبث بشكل مباشر جميع المباريات أنه تم استشهاد ستة أطفال من أبناء قامشلو أثناء الاشتباكات والتدافع، وهذا الكلام كان عارٍ عن الصحة، وكانت الغاية منه توافد عدد أكبر من الناس إلى الملعب، مما أدى إلى رعب الأهالي وتوجههم إلى الملعب للاطمئنان على أولادهم، وهنا بدأ النظام بإطلاق النار على الكرد واستشهد إثرها عدة مدنيين، فانتفض الكرد في عموم سوريا كلها، رافضين العقلية العنصرية والظلم والفتنة مدافعين عن الكرد، فراح ضحية هذه الانتفاضة أكثر من ثلاثين شهيداً.
صاحب الحق لا ينكسر
ومنذ هذا التاريخ يشعل الكرد في قامشلو ومناطق روج آفا الشموع استذكاراً لشهدائهم وتخليداً لدمائهم الطاهرة التي هُدرت من أجل سياسة النظام الفاشية الطائفية، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى محو وجود الكرد في سوريا.
وانتشرت ثقافة إشعال الشمع وأصبحت الركن الأساسي من أركان طقوس المجتمع الكردي، وله قدسية خاصة جداً يحترمها الكرد، ففي كل استذكارٍ للشهداء سواء أكانوا شهداء انتفاضة الثاني عشر من آذار أم شهداء التفجيرات الإرهابية التي حصدت أرواحاً بريئة كثيرة، لا يغفل الكرد عن إشعال فتيل الانتصار والفخر والمقاومة والاستمرار بالنضال نهائياً، وفي هذا الصدد واستذكاراً لشهداء الملعب وفي طريق عامودا الطريق الذي في خطوة يحمل ذكريات مأساوية وانتصاراتٍ وكفاحٍ خرج الأهالي لإشعال الشموع من أجل الشهداء وفي لقاءً مع أحد المواطنين “م . ج” ليحدثنا عن هذا اليوم وشعوره فقال: (هذا اليوم يومٌ تاريخي بالنسبة لنا ككرد، ولن ننسى نهائياً هذه الانتفاضة ودماء شهدائنا الطاهرة، فالكرد دائما شعبٌ مسالم يدعوا إلى الحرية والعيش المشترك ولكن أعدائه لا يتركونه وشأنه، فنحن لم نبدأ بإطلاق رصاصة في وجه مدنيٍ أو طفلٍ أو امرأة أو مسن هم يعلنون الحرب وهم دائماً الخاسرون، فصاحب الحق ينتصر دائماً).
بلغتهم وهويتهم انتصر الكُرد على قوة السلاح
هكذا عبّر المواطن “م. ج” عن هذا اليوم، والتقينا بأحد الشهود على هذا الحدث وكان موجوداً في الملعب المواطن الذي يقطن في أحد الشوار المتفرعة من طريق عامودا المواطن (و ج) مشيراً في حديثه إلى بشاعة تلك الجريمة بحق الكرد وقال عن قوة عزيمة الكرد قائلاً: “واجه الكرد الأسلحة والنظام والخوف وانتصر على الرغم من أنهم لم يمتلكوا سوى لغتهم وهويتهم الكردية وتغلب عليهم وكان أقوى من تلك القوة الكبيرة، ولم يقف الكرد ساكناً بل نهض صارخاً مدافعاً عن حقوقه”. وعن تلك المعاناة التي كان يمر بها الكردي عند استذكار شهدائه قبل ثورة روج آفا أضاف: “في 2005م، عندما خرجنا لإشعال الشموع في الشوارع هرع النظام إلى اتباع سياسته الفاشية وقام بإطلاق الرصاص ليخيف الأهالي وأيضاً سقط شهداء في هذا العام، فحتى استذكار شهدائنا كان يشكل خطراً وتهديداً كبيراً لهم، والآن وبعد ثورة روج آفا يتمتع الكرد والعرب والسريان بحياة حرة كريمة ديمقراطية وهذا ما نتمناه أن يستمر”.
أنهم الكرد هواة الحرية والسلام، المدافعين عن حماهم وقت الحرب، لم يسقطوا يوماً ولن يسقطوا فهم الشعب الجبار والقوة التي تُكسر إن اجتمعت قوات الأرض كلها لقتالهم.