إلى الأكراد
مقالة باللغة الكردية من العدد 26 من صحيفة “كردستان” الصادرة في مدينة فولكستون بإنكلترا بتاريخ الأحد 22رمضان 1318 هجرية الموافق ل 13 كانون الثاني 1901م بقلم صاحبها ومحررها الأمير عبدالرحمن بدرخان باشا
ترجمة عن الكردية : نواف بشار عبدالله[1]
إلى الأكراد
يا أيها الأكراد! وردتْني منذ حين أنباءٌ غيرُ سارةٍ من كردستان جعلتني أن أتألّمَ كثيراً، وهذا هو ما دفعني إلى كتابة بضعة السطور هذه إليكم. كلكم تعلمون بأنني ابنُ ذلك الرجلِ صاحب النخوة والغيرة الذي دافعَ عن سعادتكم بسيفه. وبمقتضى تغيّر الزمن، فها أنذا اليومَ أستكملُ الخدمةَ نفسها بقلمي. إنني هنا أعاني دوماً من القلق والألمِ بسبب مسألة الأرمن. في حقيقة الأمر، إنني أدركُ بأنَّ هناك بعضٌ من الأرمن يريدون أن يسلبوكم وطنَكم كردستان ويجعلوها ولايةً لهم ويفصلوها عن المُلكِ. وأعلمُ أيضاً أن العديدَ من البلدان الأجنبية عليّة الهامة(الكبرى-المترجم) تسعى لهذا السبب وبكلِّ جهودها إجراء الفساد والقتال في كردستان. لكن، يجب أن تعلموا أن هذه الحالة لا تعطيكم الحقَّ بشكلٍ من الأشكال أو وقتٍ من الأوقات الشروعَ بشنِّ قتالٍ عام ضد الأرمن!.
في أية جريمة، يجب أن ينالَ المجرم جزاءَه العادلَ، هذا أمرٌ طبيعي، لكن الكثيرَ ممن قمتُم بقتلهم هم أبرياءٌ لا ذنبَ لهم…إنني أعلمُ تماماً أنَّ من يقومون بأعمال القتل هذه هم الأكراد الذين يعيشون على كرم وإحسان عبدالحميد(أي السلطان-المترجم)، وعليكم أن تدركوا جيداً بأن أولئكَ البعضِ من الرجال بينكم ممن يقومون بالقتل، يعرّضونكم جميعاً للطعن وظلمِ أعدائكم. صحيحٌ أنه عليكم صيانة وطنكم وحمايته، وألاّ ترضوا أنْ يتحوّل إلى أرمنستان، لكن عليكم في الوقت نفسه واجبُ حماية جيرانكم الأبرياء من أيّ اعتداء. في الواقع، إنني أعلمُ أنه لولا خشية عبدالحميد من حمية وحماسة وشجاعة الأكراد، لكان قد منحَ وطنَكم للأرمن منذ زمنٍ بعيد. فعبدالحميد يكنُّ لكم الكثيرَ من الكرهِ والبغضاء، وإنْ تعرضت كردستان بكاملها لاحتلال روسي، فإنه سوف لن يباليَ بالأمر ولن يُقْدمَ على تحريك ساكن.
يقوم عبدالحميد بافتعال هذا القتال بينكم ليوحيَ للدول الأجنبية بأنكم وحوشٌ غيرُ قابلين للتربية، وهو بفعلته هذه، يلحقُ بكم غضبَ كلِّ الدول ونَفْرتِها، ويظهرُ نفسَه بريئاً معذوراً. وعندما تسأله الدول الأجنبية عن سبب بقاء الشعوب التي تعيش تحت نير حكمه جاهلةً وغيرَ متمدنة، فإنه يردُّ عليها مدّعياً أن السببَ يكمن فيها هي، لأنها شعوبٌ متوحشة وغير قابلة للتطور والتمدن.
ها قد مضت خمسٌ وعشرون عاماً على جلوس هذا الخليفة على العرش، وكانت مساحة الوطن في بداية حكمه ضعفَ مساحته الحالية، حيث احتلَّ الأعداءُ نصفَه. تحولتْ كردستان اليومَ كسائر الممالك العثمانية إلى مركزٍ للقتال وفقدتِ الأمنَ والطمأنينة، وتحوّلَ مسؤولو ومأمورو عبدالحميد إلى ما يشبهُ النسورَ الجائعة، تنهشُ في ما تبقّى من جسدِ الوطن لابتلاعه.
يا أيها الأكراد! أعلمُ بأنكم سوف لن تشهدو الخلاصَ والنجاةَ أبداً طالما بقيتم تحت سيطرة هذه الحكومة وظلمِ مأموري عبدالحميد، وبدلَ أن تعملوا على تحسين أوضاعكم وإصلاحه، تلجأوون إلى قتال جيرانكم الأرمن. إنّ هذا الأمرَ يسيءُ إلى طيبتكم ونجابتكم التي تُعرَفون بها إساءَةً بالغة، وإنّ ما ينتظرُ شهامتكم وسماحتكم هو حفظُ وحماية الأرمن الأبرياء والملتجئين إليكم من كلِّ مكروه، لأنهم -كما أنتم- من ضحايا ومظلومي عبدالحميد. لذلك، عليكم العملُ بالاتفاق معاً للتحرر والتخلص من هذه الحكومة الظالمة، وتناضلوا معاً من أجل سعادة وطنكم، وأحذّركم بأنّ استمرارَكم في السير على هذا الدربِ لن يجلبَ لكم النجاحَ، بل سيوصلكم إلى الخرابِ والدمار.
نعم، صحيحٌ أنّ هناك بين الأرمن بعضُ مَن يعادونكم، لكنهم قلةٌ قليلةٌ، وهم لا يحظون حتى برضى الأرمن أنفسهم، بل عليكم أن تدركوا بأنَّ عدوَّكم الأساسُ هو”خليفتكم”، ذلك الذي يجهدُ بكلِّ قوته منذ خمسٍ وعشرين عاماً مستخدماً كلّ مالِهِ وجواسيسهِ للإساءة إليكم وإلى وطنكم.
أيها الأكراد! لم يكنْ أجدادُكم الأقدمون على شاكلتكم، فهم، عندما كانوا يتعرضون لظلمٍ يسيءُ إلى دينهم وإنسانيتهم، كانوا يثورون ويهبّون للدفاع عن أنفسهم، دافعينَ الظلمَ عنهم دون هوادة أو استكانة، بل كانوا يبذلون أرواحَهم رخيصةً في سبيل كرامتهم. أما اليومَ، فإنّ عِرضَكم وناموسكم باتت في أيدي زعران عبدالحميد ومأموريه السفلة، وهذا الذي تسمونه “خليفة”، يقوم ببيعكم للموسقوف(الروس-المترجم) بثمن بخس وأنتم عنه غافلون!.. عليكم أن تعلموا أنّ عدوَّكم هو رأس الفتنة والغدر عبدالحميد، حيث يجب عليكم القيامَ بالحرب عليه وليس على الأرمن.
أيها الأكراد! إنكم لا ترونَ مستقبلكم جيداً ولا تتذكرون وضعَكم السابق، ولا تدركون حقيقةَ وماهية الشرف، وليس من نجابتكم أنْ تظلّوا تعانون الأمرّين من ظلم الباشاوات، وإن قيامَ الخليفة بتقليدكم رُتباً وأوسمةً من لدنه لا يزيدكم شرفاً، بل على العكس، فإنه يقلِّلُ من شأنكم وقيمتكم. إنّ أولئكَ الذين يشوّقونكم لقتل الأرمن هم أعداؤكم، وعليكم أن تدركوا إنْ تعرضتم مستقبلاً لسوءٍ أو تجاوزٍ من جيرانكم، فإنّ الخليفة لن يرسلَ عسكرياً واحداً من جيشه لنجدتكم ومناصرتكم.
أيها الأكراد! بعد كلّ هذا القتل والنهب الذي قمتم به ماذا استفدتم أنتم؟، فقد ازدادت ممالكُكُم ومناطقُكم فقراً على فقرٍ، ولحقَ بكم عارُ وخطايا الأبرياء الذين قتلتموهم، في حين حصلَ مأمورو عبدالحميد على رشاوٍ من الأرمن وسيطروا على أموالهم، بينما حصلتم أنتم على الخطايا والآثام وحسب. يجب عليكم المحافظة على أبرياء الأرمن وصبّوا جامَّ غضبكم وانتقامكم على المفسدين حصراً فهكذا تقتضي الأخلاقُ الإنسانية. لقد أعفى عبدالحميد على الكثيرين من المفسدين والقَتَلة المجرمين الأرمن في ذات الوقت الذي إذا طالبَه أحدُ المسلمين بقوله(أريدُ العدالة)، فإنه يقوم بنفيهِ خارجَ الوطن، ويقتله.
أيها الأكراد! إنّ مأموري عبدالحميد يضعون ضررَكم والإساءة إليكم في مقدمة عملهم، ومَنْ لا يفعل ذلك منهم، يعتبره عبدالحميد عدواً له، وأولئك لا يحافظون على الأرمن. إنه لمن شهامتكم ونَجابتكم أنْ تحافظوا على الأرمن، وعليكم جميعاً أنْ تتفقوا على أسباب ووسائل الحصول على الحرية وتحقيق العدالة والعيش معاً بسعادة وهناء.