عبدالوهاب بيراني
ربما كل حدث حياتي يمكننا توثيقه بصيغة ما، لكن الأدب وعبر ادواته الكتابية وتقنياته قد يجعل منها مادة انسانية سامية، تحرك الحس الإنساني وتجعله جزءً من الحدث أو أحدا من الشخوص التي تتفاعل وتتحاور أو تتصارع في حلبة الحياة التي كان من الأجدى أن تكون فردوساً ليس مفقودا، فردوساً لا نبحث عنه في الغيبيات…!!.
الكاتبة سوزان عبود توثق لنا حالة انسانية ما، ليس بروح تقريرية أو أرشفة تاريخية، وإنما تلتزم الجانب الإنساني وتتابع خطوط الحدث عبر زمان رديء ومكان مظلم رطب ونتن وهنا الشخصية الرئيسية وربما الوحيدة في القصة حيث لا شيء سوى انسان رمته أقدار البلاد السيئة إلى غياهب زنزانة فردية لا قيمة للزمن فيها.. مكان نتن وانسان وحيد مع جدرانه الأربعة وكوة صغيرة يتسلل منها بعض الهواء والضوء.. يحاول أن يبكي ان يصرخ ان يناجي روحاً ما، تمضي ايام السجين وتتراكم الايام قتامة وسوءً… سبع سنوات تمضي.. هو ذاك الرقم السحري ربما أو الاسطوري سبع سنوات عجاف، سبع سنوات من القحط من الصمت، لا أحد لا شيء… خواء وذاكرة نشطة، ذاكرة تستهلك ذاكرتها وتبدأ بإنتاج ذاكرة ثانية وثالثة، لم تكن تلك الحالة الاستذكارية كنزه الوحيد أو نعيمه اليتيم، كان ثمة ضوء يتسلل إلى عتمة زنزانته، يبهره النور، يضيء عتمة روحه أيضا، يدرك ان الزمن مازال مواظبا على دوامه وعمله وانه مازال هناك وانه لم يتوقف عند لحظة زجه خلف جدران قذرة، عبر تلك القتامة والنتانة والعتمة والوحدة التي نهشت روحه ولحمه وعظمه، من ذاك السجن البارد ومن الكوة التي تحولت إلى جسر مابين حياتين.. جسر ينقله من ضفة الوجع والقهر والأسر الي صفة من الفرح والمسرة والحرية…
طيران بريشهما الأبيض يبدأن بناء حياة جديدة، عيدان من القش وكثير من الحب ويكتمل بناء العش، هكذا هو عالم الطيور، الحرية، الانطلاق، التحليق، المدى…
حالة من المؤانسة وعلاقة وطيدة ترسخت ما بين إحدى فراخ الطير والسجين، وقد اختار له اسما جميلا (آزاد) الحر المنطلق نحو الآفاق.. الحر الذي يستمتع بالحرية…. نما ريشها وطارت باتجاه الشمس وما عادت؛ إلا “آزاد” الذي استأثر بحبه ورعايته، لكنه غاب أيضا.. تأخر غيابه ولم يعد للغياب زمناً ولم يعد السجين يكترث بالزمن.. ربما أيام عديدة مضت وربما شهوراً أو مواسم قد مضت وأتت، عاد الفرخ ومعه زوجه وعاودا بناء العش من جديد وممارسة الحب وامتد الجسر مرة ثانية.. كان يخشى ان تطير الفراخ مرة ثانية، شعور مبهم سيطر عليه… قرر قراره الخطير، أعد خطة للفرار… الموت!!. هو الوجه الآخر للحياة في غفلة عن الوعي وعن الحياة وربما في حلم سيطر عليه وهو يحاول الخروج من جلده أو من جسده… تسعى روحه لتلج بياض قشرة البيضة وتستقر روحه في جسد فرخ طائر ينموريشه… بعد أيام يقف بكبرياء حر يفرد اجنحته بثقة دون أن يلتفت إلى عتمة حجرته.. ولم يعد يعبأ بالضفة الأخرى من الجسر… انه الان على حرف الكوة الصغيرة… ذلك البرزخ الذي يفصل العتمة عن الضوء.. الموت عن الحياة..
انه اخيرا يحلق نحوعالم الحرية والشمس
سوزان العبود تنسج حبكة القصة بمفردات تجمع مابين الوجع والياس والفرح والأمل.. وان عملها هذا والذي ربما هوأقرب لمقالة اوخاطرة ما.. إلا انها تمتلك كل عناصر الجنس الأدبي فهي تروى لنا قصة سجين حيث الشخصية الأساسية في ظل غياب باقي الشخوص من حكام وقضاة وحراس السجن والبشر، والشخصية ليست نزيل سجن أو مجرم او سارق هاتك للأعراض وإنما هو رجل سياسة وسجين سياسي.. سجين رأي… انسان يتوق للحياة يسرد ذكرياته لنفسه، لا يشارك بها القاريء.. لكننا نشعر ونكاد نسمع شكواه وذكرياته التي ربما هي ذاكرتنا جميعا..
الكاتبة سوزان العبود وفي رسمها لتفاصيل السجن ولعناق الضوء مع العتمة والظلال التي كان ترسمها حركة الطير على جدران الزنزانة تدل على مقدرة وذاكرة إبداعية ليس في مجال السرد الروائي وإنما تتمتع بذاكرة فنية ولونية فتوظف خبرتها الفنية في رسم لوحات انسانية عبر الكلمات وبمقدرة إبداعية عالية.
واختيارها للاسم الذي أطلقه البطل على رفيقه الطائر (آزاد)* عنواناً للعمل، بل وعنوانا لمجموعتها القصصية يحمل في مضمونه قضية الإنسان الأبدية والكبرى.. قضية الإنسان الحر والعالم الواسع كفضاء.. من الانطلاق دون سياج.. دون حدود.. دون زنزانات.. ودون قيود.. عالم نحو الحرية..
*آزاد Azad : اسم علم ويعني باللغة الكردية” الحر” من الحرية Azadi.. قصة مأخوذة من مجموعتها القصصية القصيرة (آزاد)
*الفنانة والكاتبة سوزان العبود في سطور :
– خريجة كليه الفنون الجميلة بدمشق
– دبلوم دراسات عليا من كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق / 2002 .
– معيدة في كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق .
– خريجه جامعة برلين للفن UDK
– حاصلة على الشهادة العليا للفن جامعة برلين للفن UDK/2009
لها العديد من المعارض الفردية والجماعية في دول العالم، لها مقتنيات في العديد من الدول ومقتنيات لأعمال نحت في متحف دمشق للفن الحديث
بعض الاعمال الميدانية :
عمل نحت ميداني في المانيا في مدينه هورب العمل من الخشب والبرونز اسم العمل /حمص مدينة في الجنة /
من السمبوزيوم العالمي للنحت على الخشب، والعمل معروض في ساحه عامة من ساحات مدينة “هورب/Horb” الألمانية
– عمل نحت رمل 6 أمتار في العاصمة برلين في المهرجان العالمي للنحت على الرمل
الجوائز:
– الجائزه الثانيه للنحت في معرض الشباب الثاني دمشق 2001
– جائزه لجنه التحكيم ملتقى الفن والشعر في امريكا 2016
– جائزة الفن على مستوى العالم من أمريكا /قسم النحت / المرتبة / المرتبة السادسة /
[1] The American Art Awards / 2019/.