· كردستان إيران: بَهْمَن قُبادي وآلام مخاض السينما الكردية – كريس كوتشيرا
· بَهْمَن قُبادي والسينما الكردية الجديدة – أريانا ميرزا
· بَهْمَن قُبادي مخرج فيلم ” السّلاحف تستطيع الطيران” – حوار مَمَدْ حقيقت
———————————————————————————-
كردستان إيران: بَهْمَن قُبادي وآلام مخاض السينما الكردية
بقلم: كريس كوتشيرا
ترجمة: عمر رسول
بالرغم من أن بَهْمَن قُبادي يبتسم ويضحك دائماً فهو ليس برجلٍ سعيد. والسبب الكامن وراء عدم سعادته هو أنه بالإضافة إلى كونه مخرجاً سينمائياً في بلد لا زالت تتعثر فيه صناعة الأفلام، يترتّب عليه تحمّل المسؤولية الكاملة عن الجوانب الأخرى لصناعة الفيلم. كواجبه في توفير التمويل و إيجاد الممثلين، في الوقت الذي يعمل فيه كمنتج. وقبل أن يتولى مسؤولية أية مهمة من هذه المهام فإنّ عليه، أولاً، أن يكتب النصّ السينمائي، وأن يتمكّن من الحصول على رخصة تصوير الفيلم من السلطات الإيرانية. ثمّ يشرف على توجيه الممثلين الذين معظمهم من الهواة. كما أنّه يقوم بتنظيم عمليات توزيع الفيلم بنفسه. لقد أبدى قُبادي تذمره أثناء نقاشٍ حول مهرجان الفيلم الكردي الذي أقيم في دوارنونيهDouarnenez في بريتاني غرب فرنسا، قائلاً: “تلك المسائل تأخذ مني 95 % من الوقت. إنه يصيب الرأس بالصداع. يبقى لدي 5 % فقط للإبداع”. ثم أضاف بجديّة: “في كل مرّة حينما أبدأ بفيلم جديد، تعترض سبيلي مشاكل كثيرة، إلى درجة أني أكتب وصيتي الأخيرة بعد تصوير المشهد الأول من الفيلم”.
على أية حال، يوجد سبب آخر لدى بَهْمَن قُبادي لكي لا يكون سعيداً وهو أنه كرديّ. وبهذا الصدد يقول: “لا يحظى الكرد بلحظة واحدة من السعادة لوجود أنشوطة في أعناقهم. فهم يريدون الصّراخ ولكنهم لا يستطيعون. تاريخهم مضمّخ بالنّزوح الجماعي. تاريخ شعبٍ يعيش حالة تنقّل دائم. ففي هذه النقطة يشتركون مع السينما بفن الحركة”.
ولد بَهْمَن قُبادي عام 1968 (وفي مصادر أخرى 1969 –المترجم) في مدينة “بانه” الصغيرة في كردستان إيران. كان والده شرطياً، يُعرف ب “المهووس بالسيطرة”… كان يطلب من ابنه على الدوام أن يفسر تحركاته، فيسأله أين كان وماذا كان يفعل.
لقد قصفت مدينة “بانه” بوحشية خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، لذا نزحت العائلة عام 1983 إلى سنندج – الحاضرة الإقليمية. وبتشجيع من والده، الذي كان يحرص أن يبعد ابنه عن المخدرات، لئلا يغدو كالعديد من الشباب المدمنين في سنندج، أصبح بَهْمَن البالغ من العمر خمسة عشر عاماً بطلاً في المصارعة. وفي هذا الأثناء نشأت علاقة صداقة بينه وبين مصوّر يملك محل تصويرٍ بالقرب من صالة المصارعة. وهنا يقول: “كلما ذهبت إلى صالة المصارعة، كنت أخرج من البيت قبل نصف ساعة من الموعد المحدّد لأزور صديقي المصوّر. وفي أحد الأيام قرّرنا أن نخرج معاً لتصوير مناظرٍ من الطبيعة. وبعد تحميض الصور، أخبرني بأنني اجترحت معجزة. سررت بهذا الثناء، وبدأت بعد ذلك أهتم بكتب التصوير. هذه كانت بدايتي، ولا بدّ أنكم تعرفون أن فنّ السينما يبدأ عادة بالرّسم أو التّصوير”.
كان بَهْمَن الشّاب مهتماً بمشاهدة الأفلام من قبل، حيث كان يستأجر أجهزة الفيديو كثيراً، وكانت والدته تساعده في ذلك، فعندما كان والده يسأل عنه كانت تقول أنه نائم، بينما كان في الواقع يتفرّج على فيلمٍ خارج البيت. كان والده قمعيّاً، أما والدته وأخته فكانتا مفعمتان بالحب والحنان تجاهه، هذه هي باختصار قصة شباب بَهْمَن…القصة التي يخطط لها ليرويها في فيلمه القادم الذي أُجّل كثيراً لأسباب تتعلق بالصعوبات التي يعانيها على صعيد حياته المهنية. وبعد أن انضم إلى نادٍ سينمائي للهواة في سنندج، قرّر بَهْمَن أن يدرس السينما، فسافر إلى طهران حيث درس في الجامعة لمدة ثماني سنوات مضنية.
جاءت فرصته الكبيرة عندما اقنع المخرج المشهور عَبّاس كيارُسْتَمي بأن يعمل عنده بأجر. عَلِم بَهْمَن بأن كيارُسْتَمي بصدد تصوير فيلم عن قرية غامضة، وأنه يبحث عن المكان المناسب لتصوير فيلمه. اتصل بَهْمَن قُبادي بالمخرج كيارُسْتَمي وأخبره بأنه يستطيع مساعدته في ذلك. وبعدئذٍ سافر الاثنان معاً إلى كردستان إيران، حيث أصبح بَهْمَن قُبادي مساعداً لكيارُسْتَمي في فيلمه “ستحملنا الريح” (Wind Will Carry Us). كانت هذه التجربة بالنسبة لبَهْمَن هي فرصة العمر. فقد أصبح الساعد الأيمن لمخرج كبير، وبدأ يتعلم كيف يتم صنع فيلمٍ جيّد.
ولاحقاً، إلتقى بمُحسن مَخْمَلْبَاف (كردي الأصل-المترجم)، النجم الصاعد في السينما الإيرانية، ووالد صديقته الشخصية سميرة مخملباف. لقد عمل بَهْمَن مع سميرة بوصفه مستشاراً تقنياً، ثم تابع مشواره معها حتى أصبح إحدى الشخصيتين الرئيسيتين أحد المدرسين، في فيلم سميرة مخملباف “السبورة السوداء” (The Black Board).
كان بَهْمَن قُبادي مسروراً، لأنه نجح في جلب أهم مخرجَيْن سينمائيين في إيران إلى كردستان. وبهذا الصدد يقول بَهْمَن قُبادي بضحكته المعهودة: “لقد أصبحت كردستان منطلقاً لفنّ الإخراج السينمائي. ونحن الكرد لسنا سوى جمهور صامت في الفيلم”.
اُعتبر فيلمه الأول “زمن الخيول السكرى” (A Time For Drunken Horses)تحفة فنية. لقد حصل الفيلم على جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان “كان” السينمائي المعتبر لعام 2000. يروي الفيلم قصة شبابٍ كرد يكسبون معيشتهم من وراء التهريب عبر الحدود العراقية الإيرانية، رغم المخاطر الكبيرة التي تهدّد حياتهم. وفي نهاية الفيلم، يستعد المهرّبون ليجتازوا الجبال أثناء عاصفة ثلجية باردة، وقبل البدء برحلتهم يصبّون الويسكي في الماء كي تشربه خيولهم. يعدّ هذا المشهد من أغرب المشاهد التي شهدتها السينما في إيران حتى الآن. ويقول بَهْمَن قُبادي عندما ذهب لمقابلة الموظف الحكومي للحصول على إذن يسمح له بتصوير فيلمه، لامه الموظف على مشهد الخيول السكرى في الفيلم، “أخبرته مازحاً، أن الخيول هي السكرى، وليس الرجال، فمنحني الرخصة”.
كما أن فيلمه الثاني، “أغاني وطني الأمّ” (The Songs of My Mother’s Country)، قد نال إعجاب النقاّد. يروي الفيلم قصة مغنٍّ عجوزٍ واثنين من أولاده، وهم في رحلة بحث عن زوجته العجوز الأولى، تمضي بهم الرحلة إلى كردستان العراق التي دمرتها الحرب، وغادرها سكانها. وفي معرض ردّه يقول قُبادي: “إنها ليست قصة مخططة، كما في الفيلم الأول، بل إنها أكثر فنية. إنها رحلة عبر بلد يتواجد فيه السُّكر، والفرح، والحرب، والقتل…أردت أن أقول أن الكرد ليسوا مستقرين، بل هم في حالة دائمة من عدم الاستقرار والانتقال”. إن الشخصيات الرئيسية الثلاثة في الفيلم هم ممثلون هواة، ولكن الموسيقيين هم محترفون. للأغاني والموسيقى في الفيلم أهمية كبيرة، ولا شك أن المشاهد الذي لا يفهم اللغة الكردية سيفقد جزءاً مهماً من الفيلم.
مرة أخرى، الشخصيات في هذا الفيلم أيضاً تعبر الحدود على غرار فيلم “زمن الخيول السكرى”، وهذه الفكرة حاضرة بقوّة في أفلام بَهْمَن قُبادي. يقول: “كتب أيونسكو Ionesco))، أن الزمن هو ألدّ أعداء الإنسان، أما بالنسبة لي فإن ألدّ أعداء الإنسان هي الحدود. لقد فرضتها القوى العظمى على الكرد. أكره الحدود. لا يمرّ يوم في كردستان دون أن ينفجر لغم أرضي بأحد الأشخاص، وهو يحاول عبور الحدود”.
يقول بعض النقاد أن بَهْمَن قُبادي سمح للممثلين في فيلمه “أغاني وطني الأمّ”، بأن يلعبوا أدوارهم بشيء من المبالغة على طريقة ممثلي كوستاريكا. ولكن أغلبية المشاهدين الذين حضروا الفيلم في دوارنونيه أحبّوا الفيلم.
يقول بَهْمَن قُبادي تواجهني مشاكل تقنية جمّة. “أردت أن أصوّر الفيلم في مناخ خاص. أردت أن يكون هناك ثلج وضباب. لقد هطلت الثلوج هذا العام، ولكن كانت أقل من العام الماضي، لذا فقد ذابت بسرعة قبل أن ننتهي من تصوير الفيلم. لهذا ذهبنا مع الكومبارس، وكان عددهم 600 شخصاً، في 30 باصاً إلى مكان آخر. وجدنا الثلوج هناك، ولكن لم نجد الغيوم. وفي النهاية أنهينا تصوير الفيلم في غضون ساعتين في مقاطعة هَوْرامان”.
ثمة مشاكل أخرى تعترض سبيله كونه يعيش في إيران، ولكنه يتحفظ على الجّهر بها. إنه لا يحب السياسييّن. حلمه، كما يقول، هو خلق “سينما كردية حقيقية”.
ويضيف بَهْمَن قُبادي: “إن السينما الكردية هي مثل المرأة الحامل، ينبغي أن يساعدها أحد حتى تجتاز مرحلة المخاض…فليس بوسع أحدٍ أن يتركها تموت. لا يمكنكم تقدير مشاعري. هناك خمسة أو ستة دور للسينما فقط لعشرة مليون شخص في كردستان إيران. وأحلم بأن أكون بين أفضل السينمائيين في العالم”.
عن موقع: The Middle East Magazine
بَهْمَن قُبادي والسينما الكردية الجديدة
عشرة دور للسينما لأربعين مليون نسمة
بقلم: أريانا ميرزا
ترجمة: عمر رسول
في مهرجان برلين السينمائي وضع المخرج الكردي بَهْمَن قُبادي المشاهدين أمام الأوضاع الراهنة في إقليم كردستان العراق من خلال فيلمه “السّلاحف تستطيع الطيران”. تكتب أريانا ميرزا عن المشروع الأخير لقُبادي، وعن الكثافة الخاصة للأفلام الكردية.
يعتبر بَهْمَن قُبادي أهمّ ممثّل للسينما الكردية المعاصرة منذ أن حقق نجاحه العالمي في فيلمه “زمن الخيول السكرى” (A Time For Drunken Horses). وفاز آخر عمل سينمائي له “السّلاحف تستطيع الطيران” (Turtles Can Fly)بجائزة أفضل فيلم في مهرجان سان سباستيان السينمائي في أسبانيا لعام 2004، كما أنّ الفيلم فاز بجائزة السلام في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2005. تدور أحداث الفيلم المؤثّرة جداً حول أيتامٍ يكسبون قوت يومهم من إخراج الألغام من تحت الأرض، وهو الفيلم الأول الذي تمّ تصويره في العراق بعد سقوط صدام حسين.
وفي فيلمه الناجح “زمن للخيول السكرى”، يتناول قُبادي أيضاً الشروط المعيشية للأولاد والمراهقين في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق. وفي مهرجان برلين السينمائي لهذا العام، عرض المخرج البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً صوراً بالغة التأثير عن الطفولة الضائعة.
جراح الحرب والاضطهاد البليغة
يقول بَهْمَن قُبادي: “في كردستان ينبغي أن تكون راشداً منذ لحظة الولادة”. إن الحياة التي يعرضها الفيلم هي حياة مليئة بالحرمان والجراح العميقة التي سبّبها الاضطهاد والحرب. لم يسلم الأولاد جسدياً أو روحياً من تلك الآثار. حتى أنهم لم يحصلوا على ما يكفي من الحب لمعالجة جراحهم تلك.
انتقد الكثير من المشاهدين الكرد في مهرجان برلين السينمائي فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران”، بسبب الفسحة القليلة للأمل والتفاؤل التي يقدمها الفيلم. لقد قالوا: “بالإضافة إلى ما يعرضه الفيلم من مشاهد مأساوية، يوجد في الجانب الآخر كردستان جديدة وأفضل، ويوجد تطورٌ وناسٌ على قدرٍ كبيرٍ من الثقافة”. ولكن لا يميل قُبادي إلاّ قليلاً لأخذ هذه النظرة المتفائلة، مثله في ذلك مثل بقية المخرجين الكرد المعاصرين.
يوحدّ الإنتاج السينمائي الكردي فكرة مشتركة وهي: التركيز على الناس العاديين الذين لا يستطيعون أن يؤثّروا في مصائرهم. يجد المخرجون الكرد، سواءً كانوا في المنافي، أو في تركيا وإيران، أو في العراق مؤخراً، يجدون أفكارهم في المجابهة اليومية التي يعيشها أبناء وطنهم ضد القمع. أما في سورية، البلد الرابع الذي يتواجد فيه الكرد، لا يوجد فعلياً أي نوع من الإنتاج السينمائي، بل مشاهد سينمائية نادرة. يعمل المخرجون السينمائيون الكرد “السوريون” في كلّ من أمريكا الشمالية وأوروبة.
الغموض والطبيعة القاسية في كردستان
يقول بَهْمَن قُبادي أنه عمل مع ممثلين هواة: “يمثّلون حياتهم الحقيقية“.
فرضت الأعمال السينمائية الكردية في الأعوام الأخيرة نفسها على النقّاد والمهرجانات السينمائية العالمية على حدٍّ سواء، نظراً للسّمات الجّمالية الخاصة بالفيلم الكردي التي تحملها تلك الأعمال. فإلى جانب واقعيتها الوصفية العالية، تقدّم أيضاً الجانب الآخر السحري، حيث تفعل القوى الخفية فعلها إلى جانب بطل الفيلم. تبدو المناظر الطبيعية في كردستان أمام عدسة الكاميرا غامضة ووحشية تفرز حياة غريبة خاصة بها.
إن عناصرَ مثل الهواء والتراب والنار والماء، يمكن تلمسها بقوتها الكاملة. كما أن رؤية وجه عجوز أو عيون فتاة صغيرة يمكنها أن تروي قصة كاملة. إن هذا التداخل بين القصة المؤثِّرة والصور الجذّابة هي من إحدى السمات النموذجية التي تتسم بها أفلام بَهْمَن قُبادي. تحدث أشياء عجيبة في الطبيعة الكردستانية القاسية، ويقوم الفيلم بعكس تلك المشاهد على طريقته الخاصة.
أما السّمة الثانية المشتركة بين العديد من الأفلام الكردية هي سمة ضرورية حسب رأي بَهْمَن قُبادي، الذي يقول مفسِّراً: “أعرض في أفلامي قدراً كبيراً من الاضطهاد، لذا اضطرّ أن أطعّمها بشيء من الفكاهة حتى يتحملّها المشاهد”. بالمقارنة مع تقاليد المخرج الأوروبي في الأفلام الاجتماعية الناقدة التي تمتاز بسعة الإطلاع، لا تخلو الأفلام الكردية من بعض المشاهد الكوميدية. ففي الوقت الذي يُنظر إلى بطل الفيلم بحنان ورقة، تثير شخصيته بلمستها الغريبة شيئاً من الطرافة”.
الناس وقصصهم اليومية الحقيقية
ثمة تداخل بين التراجيديا والكوميديا في أفلام قُبادي كما لو أنهما أكثر الأشياء انسجاماً في العالم، ويؤدي الممثلون الهواة في فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران” أدوارهم لإظهار هذا التداخل على نحو طبيعي ومقنع. ويقول قُبادي بهذا الصدد: “إنهم يمثلون حياتهم في النهاية. لم أكتب قصة سينمائية، بل إن تجربة الأولاد هي التي صاغت الفيلم”. إن القصة الحقيقية للفيلم يمكن تلمسها في كل دقيقة من العرض. ولا بدّ لنا أن نصدّق المخرج حينما يقول: “لو استطاع الأولاد المجيء معي إلى مهرجان برلين، لعانوا كثيراً من الصدمة الثقافية. عالمهم هو العالم الذي عرضه الفيلم”.
صوّر بَهْمَن قُبادي مشاهد فيلمه في إقليم كردستان العراق، وقد حصل على دعم الإدارة الكردية في الإقليم لإنجاز مشروعه ذاك. لقد سُرّ المخرج كثيراً بالتعاون الذي أظهرته الإدارة الكردية هناك بدعم مشروعه من ناحية المسائل المادية. وقال تعليقاً على هذه النقطة: “يفهمون مدى أهمية فيلمٍ يصل إلى الشعوب في أرجاء المعمورة”. لقد أكدّت كل من الجهة الموزّعة للفيلم ((Mitosfilm، والمنظمة الإنسانية الطبية العالمية غير الحكومية في ألمانيا
German NGO medico international) ) بأن الفيلم سيُعرض في العديد من دور السينما في ألمانيا. لقد قدّمت تلك المنظمة الألمانية غير الحكومية الكثير من المساعدة إلى ضحايا الألغام في كردستان وأفغانستان.
بالرّغم من أن الفيلم يركّز على معاناة الشعب الكردي، فإن هذا الشعب محروم من فرصة مشاهدة الفيلم، سواء كان في العراق أو في إيران- البلد المجاور. وبهذا الخصوص يقول بَهْمَن قُبادي: “في المنطقة كلها لا توجد سوى عشرة دور للسينما لأربعين مليون كردي”. وأضاف، أنه تمكن في إحدى المرّات من عرض فيلمه على جمهوره الكردي، وبعد انتهاء الفيلم: “عانقني الناس وانفجروا بالدموع”!!
الترجمة من الألمانية إلى الإنكليزية: إيزابيل كول
الترجمة من الإنكليزية إلى العربية: عمر رسول
عن موقع: © Qantara.de 2005
مقابلة مع: بَهْمَن قُبادي مخرج فيلم ” السّلاحف تستطيع الطيران”
أجرى المقابلة: مَمَدْ حقيقت
ترجمة: عمر رسول
وُلِدَ بَهْمَن قُبادي عام 1969 في مدينة “بانه” في كردستان إيران. عمل لصالح محطة راديو عندما كان طالباً، ثم ذهب إلى سنَنْدَجْ ليلتحق بمجموعة هاوية من المخرجين السينمائيين، الذين أعانوه في إخراج أفلامه القصيرة الأولى. وانتقل فيما بعد إلى طهران لمتابعة الدراسة السينمائية في الجامعة، ولكنه ترك الدراسة الأكاديمية قبل التخرج. أخرج عشرة أفلام قصيرة بين عامي 1995 – 1999، والتي فازت بالعديد من الجوائز الوطنية والدولية في عدة مهرجانات. ومن بين الجوائز كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كليمون فيرّاند Clemont-Ferrand عن فيلمه “الحياة في الضباب” “Life In The Fog”. وفي عام 1999، أصبح المساعد الأول للمخرج عباس كيارُسْتَمي في إخراج فيلم “ستحملنا الريح” “”Wind Will Carry Us. أجرى المقابلة معه “ممد حقيقت” -كاتب سيناريو إيراني، ومؤلف كتاب “تاريخ السينما الإيرانية”.
ممد حقيقت: في فيلمك “زمن الخيول السَّكرى” “Time for Drunken Horses” ، ركّزت على الأولاد الفقراء. وفي فيلمك الثاني “أغاني وطني الأمّ” Songs of My Motherland))، تعاملت مع عالم البالغين، وفي فيلمك الجديد “السّلاحف تستطيع الطيران” (Turtles Can Fly) ، كان الأولاد مرة أخرى في قلب القصة، ما الذي جعلك تتحدث عنهم مرة أخرى؟
بَهْمَن قُبادي: في الحقيقة لم أخطّط أن أفعل شيئاً من هذا القبيل. بل أردت أن أصنع فيلماً مدينياً عن ماضيَّ أنا، ولكن عندما ذهبت إلى بغداد بعد أسبوعين من الحرب العراقية الأمريكية لإطلاق فيلمي “أغاني وطني الأمّ”، شاهدت ما يكفي من مشاهد الرعب التي يعيشها الناس هناك، وبشكل خاص الأولاد، الذين كانوا الضحايا الأولى كما في جميع الحروب، ومع ذلك لا يلتفت إليهم أحد! لقد استحوذت عليّ قضية أحد الأولاد العاجزين. حينئذٍ أردت أن أصنع فيلماً ضد الحرب. لذا عدت إلى هناك وعشت مع الأولاد لأتعرف عليهم عن قرب. بعدئذٍ حاولت أن أعيد بناء الظروف التي عاشوها.
ممد حقيقت: “كاك ساتَلايت” Kak Satellite، كان أحد الأولاد الذين بقوا على قيد الحياة في البداية، ولكن سرعان ما بدأ يزداد طغياناً إلى حدٍّ لا يطاق، هل يمكنك أن تحدثنا المزيد عنه؟
بَهْمَن قُبادي: “كاك ساتَلايت” يستطيع أن يعشق، ويستطيع أن يعمل بنبلٍ وسخاء، كما أنه مدرِك ومتبصِّر لمشاعر الناس على خلاف الديكتاتوريين الذين ليسوا سوى مسوخٍ بشريّةٍ إذا ما قارناهم به.
ممد حقيقت: في فيلمك يعمل الأولاد في حقل الألغام، يخرجونها من تحت الأرض ويبيعونها. منذ متى وكردستان مزروعة بالألغام؟ ولماذا زرعت؟ ومن الذي جلب تلك الألغام؟
بَهْمَن قُبادي: أنا شخصياً لا أعرف منذ متى، ولكن والدتي وجدتي أخبرتاني عن تاريخ الألغام المضادة للأشخاص، وعن المصابين بها. منذ أن وجدت كردستان فهي تتصدر قائمة البلدان من حيث الصعوبات والشدائد. صنّاع الأسلحة الأوروبيون يبيعون أسلحتهم للدكتاتوريين من أمثال صدام حسين، والأخير قام بزرعها في كردستان حتى غدت وكأنها مستنقع للألغام. ولا بدّ أن إزالتها ستستغرق وقتاً طويلاً حتى يتم تنظيف كردستان من ذاك المستنقع. لقد غدا قتل الأبرياء أو إصابتهم بعاهات دائمة مشهداً يتكرر كل يوم أو حتى كل ساعة. وهناك أُسَرٌ أطلقت الاسم “لغم” على أطفالها المولودين حديثاً!!
ممد حقيقت: في الفيلم، يحاول كلّ شخصٍ أن يعرف أخبار الحرب الوشيكة عن طريق الصحن “الديش”، فمن جهة لا يفهمون اللغة، ومن جهة أخرى لا يصدّقون الصور التي تبثّها وسائل الإعلام، ولكن الذي ينقل إليهم الأخبار الصحيحة ويتنبأ بالمستقبل هو شخص عاجز.
بَهْمَن قُبادي: إن شبكات التلفزة تمتلكها مجموعات لها مصالحها، وتنظر تلك المجموعات إلى الناس في أرجاء المعمورة على أنهم دمى وليسوا بشراً. نحن جزء كبير من لعبة حروبهم وقنواتهم التلفزيونية. يفرضون حروبهم القذرة علينا حتى يزدادوا غنىً…اليوم وبسبب الموقف في منطقتنا ونتائجه الأليمة والرهيبة على بقية العالم، أشكّ بكلّ المعلومات التي تبثّها وسائل الإعلام المرئية، بل وحتى المكتوبة منها.
ممد حقيقت: إذا ما ذكرنا أفلام يلماز غوني، وأفلام غيره من السينمائيين في الإقليم، هل يمكننا اليوم التحدّث عن سينما كردية، بملامح كردية خاصة؟
بَهْمَن قُبادي: اعتقد أنه من المبكّر الحديث عن السينما الكردية. ولكن عندما يتواجد في كل مدينة كردية اثنان أو ثلاثة دور للسينما، ومختبرات وما شابه، عندئذٍ سيكون بمقدورنا الحديث عن السينما الكردية. ولكن اليوم لا يوجد دور للسينما، وإن وجدت إحداها بالمصادفة، فإنه لا يوجد جمهور، لأن الناس لا يملكون النقود. ينفقون نقودهم على لقمة عيشهم، وإن زاد شيء منها يشترون بها الأسلحة!!
ممد حقيقت: لقد اشتغلت كمساعد للمخرج عباس كيارُسْتَمي، ولكنك لا تتبع أسلوبه كما يفعل عادة بقية مساعديه.
بَهْمَن قُبادي: أريد أن أصنع فيلماً على طريقتي الخاصة. إنني ملهَم بثقافة وطني. هذا شيء نابع من الداخل. أتعاطف كثيراً مع المعاناة والألم. أصنع الأفلام لأنني أريد أن أشارك أبناء شعبي في معاناتهم. أشعر بالقوة والطاقة عندما أقف إلى جانبهم.
ممد حقيقت: في معظم الأفلام الإيرانية الناجحة على الصعيد العالمي، يستخدم المخرجون ممثلين غير محترفين، وأنت تفعل الشيء نفسه، لماذا ذلك؟
بَهْمَن قُبادي: في كردستان لا يوجد ممثلون محترفون، لأن السينما هو فن جديد في كردستان. ولكن حتى لو لم استخدم ممثلين محترفين فإنني أعمل معهم كما لو أنهم ممثلون محترفون، أوجّههم حتى يتمكنوا من أداء أدوارهم.
ممد حقيقت: في الفيلم، تسرد القصة من وجهة نظر شخصيتين: الفتاة الانتحارية الشابة وكاك ساتلايت. هل كانت هذه الثنائية موجودة في النص مسبقاً، أم أنك فكرت بها أثناء تحرير الفيلم؟
بَهْمَن قُبادي: كانت الثنائية موجودة في النص مسبقاً. حاولت أن أعمل نوعاً من الفن التلصيقي (الكولاج) حتى لا أبدو مثل بقية السينمائيين الإيرانيين. أردت من “كاك ساتلايت” أن يقوم بدور القوة المحرِّكة في ضم الأجزاء المختلفة من القصة إلى بعضها البعض، حتى تبدو القصة متماسكة في نظر الجمهور. وفي الوقت نفسه، أردت أن أسرد قصة الفتاة الشابة، حبيسة ماضيها المؤلم، وقصة أخيها الذي بإمكانه التنبؤ بالمستقبل. وحالما ينتهي الفيلم، يدرك المرء أن الماضي كان مرّاً، والحاضر مرٌّ، لذا يجب ألاّ ينظر المرء إلى أحدٍ سوى نفسه من أجل المستقبل. إن القوى الأجنبية القوية لا تنوي أن تخلق جنّة لنا. وبقدر ما يتعلق الأمر بتلك القوى فإنها تريد أن تستغلنا حتى تحصل على أمكنة رائعة تستمتع فيها.
ممد حقيقت: في جميع أفلامك، تروي القصص المتعلقة بحياة القرويين والريفيين. ألست مهتماً بنمط الحياة في المدينة؟
بَهْمَن قُبادي: لا يجذبني نمط الحياة في المدينة أبداً لأنه معقّد جداً! لقد قضيت هذا العام حوالي سبعة أشهر في منطقة ريفية نائية في كردستان، كنت استمع خلالها إلى الموسيقى، وألتقط الصور، أو أصنع الأفلام.
ممد حقيقت: إن فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران” هو الفيلم الأول الذي تم تصويره في العراق بعد انهيار نظام صدام، وقد تم تمويله بشكل جيد. كيف حصلت على التمويل؟ وهل عُرض الفيلم أولاً في العراق؟
بَهْمَن قُبادي: لقد قمت بتمويل الفيلم بنفسي، ولكنني إستقرضت بعض المال أيضاً. لقد عانيت كثيراً من ناحية التمويل عند العمل في أفلامي السابقة. وآمل أن أتخلص من هذه المشكلة قريباً حتى أكون قادراً على صنع أفلامٍ طموحة أكثر. أمّا فيما يتعلق بإطلاق الفيلم في العراق فمن المتوقع أن يُعرض في أيلول أو تشرين الأول بمساعدة أصدقائي.
ممد حقيقت: وماذا عن فيلمك القادم؟
بَهْمَن قُبادي: لديّ نصّ جاهز. تجري وقائع الفيلم في مدينة زاخرة بالأحداث الخطيرة وفي جوٍّ من الواقعيّة السّحرية.[1]