يستغرق رضوان جزيري (65 عاماً)، وهو فنان موسيقي في ديرك بشمال وشرق سوريا، في إعداد آلته الموسيقية؛ لأداء أغنية تراثية كردية، وذلك بعد إلقائه نظرة من شرفة منزله على المدينة، التي يحفظ تراثها وتاريخها الغنائي.
يعتقد الفنان، الذي يعيش مع زوجته في المدينة أن الجهات الثقافية، لا سيما الرسمية منها، لم تهتم بإمكاناته ومخزون الأغاني التي حفظها.
ويتذكر “جزيري”، إلى جانب مخزونه من الأغاني التراثية، مسيرة صباه وشبابه، ويستطيع تحديد ثمن كل آلة موسيقية اشتراها، وسرد ما حدث حين تعلمها. ورغم مسيرته التي تزيد عن 50 عاماً، لم يسجل أي أغنية، مما حفظه بسبب غياب ما يسميه: “التشجيع المعنوي والدعم المادي”.
يقول: إنه حافظ طوال عقود على الكثير من الأغاني الفلكلورية المهددة بالاندثار، وأن كلماتها وألحانها إلى الآن محفوظة في صدره، بين دفتي مخطوط له دون أن تهتم أي جهة ثقافية بتسجيلها.
شغف منذ الطفولة
وولد “جزيري” عام من 1956 في قرية عين ديوار القريبة، وانتقلت عائلته للعيش في مدينة ديرك، قبل أن يكمل عامه الأول.
عندما بلغ الثانية عشرة، كانت نحو عشر عائلات من جزيرة بوطان على نهر دجلة (تسمى في كتب التراث الإسلامي جزيرة ابن عمر)، تعيش في ديرك، تشتهر بالعزف على آلات إيقاعية، كالخشخاش والدف، مع أداء أغاني الدبكات في الأفراح.
كانت المحطة الأبرز ل”جزيري” في الخامسة عشرة من عمره، بدأ التدرب على الإيقاع على يد الفنان عبدو علانة، وكان هو الوحيد الذي يشتهر بعزفه على آلة “الجمبش” في المدينة آنذاك.
وساعد شغف الفتى بالموسيقا في تعلمه الإيقاع خلال فترة قصيرة، لكنه واجه رفض عائلته لمشاركته ل “علانة” في الأفراح، لاعتقادها أن للعزف والغناء عائلات خاصة اشتهرت بها. لكن ذلك لم يمنعه من تعلم العزف على آلة البزق أيضاً في السابعة عشرة من عمره.
يتذكر شراءه لأول بزق بمبلغ 30 ليرة سورية، وكان المحل الذي قصده في ذلك الوقت، يبيع ألبسة ومواد منزلية وآلات موسيقية معاً.
بدأ “جزيري” بالتدرب على أغان سهلة العزف، مثل “لي روشي” للفنان الراحل سعيد يوسف، و”بوكي دلالي” للفنان الراحل محمد طيب طاهر. وكانت الأغنيتان مدخلاً لتعلم مئات العازفين الكرد: “فهما من أسهل الألحان لمن أراد تعلم العزف”.
عزف وحفظ
وفي شبابه أراد “جزيري” تعلم آلة أخرى هي “الجمبش” التي يحملها الآن، وحصل عليها بعد أن جلبها له الفنان حاجي جمال من بلدة جزيرة بوطان بسعر 150 ليرة: “كان ثمناً باهظاً في ذلك الوقت”.
وتعلم العزف على آلة الجمبش على يد الأستاذ أديب كوركيس، خلال مدة قصيرة، وساعده في سرعة التعلم معرفته بالبزق سابقاً.
وغدا أفراد العائلة -الذين رفضوا شغفه سابقاً- معجبين بموهبته وصوته، فأصبحوا يطلبون منه الغناء في المناسبات العائلية، ليبعث تغير موقفهم الراحة والسرور في نفس الشاب.
يحفظ “جزيري”، الآن، ما يقارب 50 عملاً بين أغان ومواويل، للفنان الكردي الشهير محمد عارف جزيري، الذي توفي عام 1986 في مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق.
ورضوان جزيري، الذي تعود أصوله لجزيرة بوطان هو من أشد المعجبين بتراث محمد عارف، الذي ولد في الجزيرة وله تسجيلات بتقنيات قديمة للإذاعة الكردية في بغداد ثم لقناة كركوك التلفزيونية الكردية.
استياء من الإهمال
يقول رضوان جزيري: إنه لم يتمكن من تأمين تكلفة تسجيل الأغاني على نفقته الشخصية، رغم أنه يحفظ المقاطع الكاملة لأعمال تراثية ومن مصادرها الأصلية.
ولم يعتمد سابقاً على الغناء كمصدر دخل، فهو لم يعزف في الأعراس والحفلات، وإنما كان موظفاً في دائرة النفوس بديرك لأكثر من 35 عاماً.
ولا يتجاوز راتبه التقاعدي الآن 75 ألف ليرة، وهي لا تكفي لمستلزمات العيش. واقتصر توثيق إمكاناته الفنية على الظهور الإعلامي على الشاشات الكردية في شمال وشرق سوريا، وإقليم كردستان.
يقول “جزيري” لوكالة نورث برس: إنه رغم الإخلاص لأغاني التراث التي يحفظها، قد يستسلم خلال عام أو عامين ويترك الغناء بسبب عدم الاهتمام بما لديه.
ويتمنى من المراكز المهتمة بالفن والفلكلور الاهتمام أكثر بمن يحفظون التراث، ومساعدته لتسجيل الأعمال التي حفظها لعقود.
وكالات[1]