روناهي/ الدرباسية
نتيجة لطبيعة النظام السياسي المهيمن في سوريا منذ عقود، والقائم على عقلية الإقصاء والتهميش، فان الأدب والفن الشعبيين ولا سيما الكرديين، كانا أقرب ما يكونا إلى جريمة يحاسب عليها القانون؛ لذلك فأن العديد من المواهب والإمكانات، دفنت في مهدها قبل أن تأخذ حقها.
لطالما تكتشف المواهب الأدبية والفنية في سن متقدم من العمر، ما بعد البلوغ على أقل تقدير، غير أن بعض المواهب تكون فطرية، فيما يتعلق بالشخص، صاحب الموهبة، فتكون عبارة عن طفرات في مجتمعاتها، فلا يحتاج ذلك الشخص سوى دعم المحيط؛ لصقل تلك الإمكانات والمواهب.
في تقريرٍ سابق، نُشر في العدد /1022/ من النسخة الورقية لصحيفتنا، استطعنا أن نتعرف عن قرب على شخصية موهوبة، وهو شخصٌ اكتشف موهبته منذ صغره، وعمل جاهداً على صقلها، حتى جعل لنفسه بصمة واضحة في هذا المجال.
الشاعر دليار محمود أوسي، من موالد الدرباسية، 1997، في تقرير سابق تحت عنوان: “الشاعر دليار أوسي: من وحي الثورة كتبت أولى قصائدي”. تحدث لصحيفتنا عن أبرز محطات حياته، والمراحل، التي مر بها حتى استطاع تكوين شخصيتة.
في هذا التقرير، نتابع حديثنا مع الشاعر، ليحدثنا عن آخر الأعمال التي قام بها، وكذلك الأعمال، التي يُحضّر للقيام بها، فيقول: “لدي الآن ديوانان كاملان، بالإضافة إلى الديوان الثالث، الذي لا يزال قيد الاستكمال، ولكنني لم أنشر أياً من دواويني حتى الآن؛ وذلك لأنني أريد الابتعاد عن الطابع الكلاسيكي، حيث أريد نشر دواويني الثلاثة معاً وبدفعة واحدة، وذلك من أجل إضافة طابع جديد إلى الشعر الكردي، وبذلك يكون ديواناً واحداً، يحوي ألوان الشعر كلها، من الثوري، إلى النثري، مروراً بالغزل والقضايا الاجتماعية، لأن الطابع المتعارف عليه في الشعر، هو أن كل ديوان يحوي على نمط واحد من أنماط الشعر آنفة الذكر، وأنا أردت كسر هذا الطابع، ضف إلى ذلك، رغبتي في المشاركة في معارض الكتب، التي تقام في وطننا، وإلى جانب دواويني، لدي الكثير من القصائد المسجلة والمنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة لتسجيل بعض القصائد على شكل فيديو كليب، أضف إلى هذا كتابتي لكلمات أغاني عدد من الفنانين الكرد، ضف إلى ذلك خوضي لتجربة جديدة، هي الأولى من نوعها في مسيرتي الشعرية، وهي كتابة قصائد خاصة بالأطفال، وكانت أولى قصائدي في هذا الإطار، هي قصيدة “نوروز” والتي تُعرّف الأطفال بطبيعة عيد النوروز، وتعكس شجاعة كاوا الحداد عند انتفاضه في وجه الظلم والطغيان”.
وعن الأعمال التي بصدد قيامه بها يقول الشاعر: “نعمل الآن على تأسيس فرقة فنية في مدينة الدرباسية، تضم هذه الفرقة الشعراء، والملحنين والعازفين، حيث نوزع المهام ضمن هذه الفرقة على أعضائها جميعا، بحيث يكون لكل منهم عمله الواضح، ولكن ما يعيق الإعلان عن هذه الفرقة، هو الافتقار لمكان مناسب ومحدد لها؛ لنقوم بالتدريبات والتسجيل، لذلك لم نُعلن عن هذه الفرقة حتى الأن”.
قدوة الشاعر
لا شك بأن كل شاعر أو أديب أو روائي، يتخذ شخصية معروفة في مجاله كقدوة له، ومؤثر في حياته العملية، حول هذا الموضوع يقول الشاعر أوسي: “كان لوالدي الكثير من القصائد، غير أنها فُقدت أثناء اعتقاله في سجون النظام، حيث عمدوا على حرق وتغييب تلك القصائد، ومع ذلك فقد تأثرت بوالدي بالدرجة الأولى، ومن ثم بقصائد الملا جكر خوين، وأيضاً قصائد الملا تيريج وعصمت سيدا، وغيرهم من الشعراء الكرد، كنت أسعى للحصول على شيءٍ ما من كل شاعر، وخصوصاً أنماط هؤلاء الشعراء، حتى تمكنت من تكوين نمطي الخاص، وبدأت اكتب بجميع الأنماط، بدءاً من الوطني، مروراً بالنثر، وصولاً إلى الغزل، وأنماط أخرى، وقد عكست ذلك في ديوانيَّ الأثنين، الذين يحويان على 120 قصيدة، متنوعة الأنماط، وتحت عناوين مختلفة”.
العوائق والصعوبات
المشاريع الثقافية والفنية عادة ما تُواجَه بجملة من العوائق، ولم يكن الشاعر دليار أوسي مُستثنىً من هذه القاعدة، حيث يقول: “شكلت الذهنية السائدة في المجتمع العائق الأكبر فيما يتعلق بي، حيث واجهت في بداياتي انتقادات لاذعة، وصلت بعضها حد التنمر، حيث كانوا يقولون لي بهذا العمر الصغير، لا يمكنك تحقيق شيء، فالأفضل أن تكف عمّا تقوم به، ولكن هذه الانتقادات كلها، شكلت لي حافزاً للاستمرار، ولتحقيق الأفضل دائماً، هذا عدا عن عدم وجود أي تنظيم أو نقابة تكون بتلك القوة، التي تخولها لدعم مثل هذه المواهب، إلى جانب التكاليف الباهظة، التي تلزم لتسجيل القصائد في الإستديوهات، لذلك فأن هذه الأمور كلها كانت عوائق واجهتها في مسيرتي الشعرية، غير أنني، استطعت أن أجعل من هذه العوائق كلها جسراً يوصلني إلى حيث أبتغي”.
الشاعر دليار أوسي اختتم حديث بالقول: “جلّ أعمالي كانت باللغة الكردية، والتي هي لغتي الأم، وبالرغم من كتابتي لقصيدتين باللغة العربية كتجربة، وبالرغم من نجاح هذه التجربة نجاحاً مقبولاً، غير أنني فضلت الإبقاء على لغتي الأم؛ وذلك لإغناء الجعبة الفنية الكردية، وهذا ليس من باب التعصب القومي أو غيره، إنما لشعوري بأن الفن والشعر الكردي، لا يزالان بحاجة للدعم، لذلك أخذت على عاتقي أن أساهم في تقديم هذا الدعم”.[1]