“من كتاب قصص الأمثال للكاتب عبد الرحمن أومري”
قصة من أين لك هذا؟ جملة كثيرًا ما نرددها ويرددها غيرنا في كثير من المواقف التي تتعلق بالثراء السريع، أو ظهور النعمة المفاجئة على الناس، دون أن نعلم أن هذه العبارة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو أول من قالها.
وقد وردت قصة تلك العبارة في كتاب العقد الفريد، حيث جاء فيه أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصل إلى مسامعه أن واليه على مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه قد كثرت أمواله، حيث كان الفاروق يرسل الجواسيس إلى ولاته كي يتأكد من أدائهم ويطمئن على أحوالهم وأحوال المسلمين في عهدهم. ولما بلغه أمر ثراء بن العاص كتب إليه قائلًا: بلغني أنه قد فشت لك فاشية من إبل وبقر وغنم وخيل وعبيد، وظهر لك من المال ما لم يكن في رزقك، ولا كان لك مال قبل أن استعملك فمن أين لك هذا؟ وقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك فاكتب لي وعَجِّل فرد عمرو بن العاص رضي الله عنه على كتابه قائلًا: فهمتُ كتاب أمير المؤمنين .. وأما ما ظهر لي من مال فإنّا قدمنا بلاداً رخيصة الأسعار كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا من الفضول فيها، والله لو كانت خيانتك حلالاً ما خنتك وقد ائتمنتني، فإن لنا أحسابًا إذا رجعنا إليها أغنتنا، والله يا أمير المؤمنين ما دققت لك بابًا، ولا فتحت لك قفلًا.
فلما وصل الكتاب إلى يد أمير المؤمنين رضي الله عنه، كتب لابن العاص ثانيةً وقال في كتابه: إني لست من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شيء، ولكنكم معشر الأمراء قعدتم على عيون الأموال، ولن تقدموا عذرًا، وإنما تأكلون النار وتتعجّلون العار، وقد وجَّهت إليك محمد بن مسلمه فسلِّم إليه شطر مالِك (أي يقصد بذلك نصف مالِك) وقد فعل هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع العديد من ولاته الذين اشتغلوا في التجارة؛ حتى يطمئن على مال المسلمين وبناء الدولة القوية، التي تعتمد على الحكام الأمناء راعيين شؤون الدولة ومدبرين أمورها، أما من كان يعلم منه اختلاسًا فكان له شأن آخر !
240[1]