حاورها/ قاسم إبراهيم
ليلى رشو من عاشقات الحرف الأنيق والكلام المنمق اللطيف على النفس؛ والمُحبب للذائقة الأدبية الرهيفة، تثبت كل يوم حضورها البهي في الساحة الأدبية، وتتلألأ نجوم حروفها فينبض الإبداع بنصوص ولا أروع منها، ما حدا بنا أن نُجري هذا الحوار علناً نكتشف بعضاً من أغوار هذا العشق.
للحرف عشق لا ينتهي.. هذا العشق الجميل له نقطة انطلاق.. له تاريخ وذكرى.. كيف يمكن لكِ تصوير هذا المشهد للقارئين.. بأي الحروف وأي الكلمات؟
بداية عشقي للفنون الأدبية والتقاط الحياة وتفاصيلها وهوامشها وثرثرتها وضجيجها منذ الطفولة، فقبل دخولي المدرسة أذكرُ عندما شاهدت امرأة تحمل مظلة تحت المطر قمت برسمها وبعد دخولي المدرسة الابتدائية تابعت هواية الرسم، وشاركت في المعارض المدرسية، ونالت رسوماتي إعجاب الأساتذة والتلاميذ والحضور، ومع توالي سنوات العمر صعوداً بدأت؛ بكتابة القصص، وأذكر أول قصة كتبتها تحت عنوان _سنيورا وسنيوريتا _ وكتابة الشعر أيضاً باللغة العربية والكردية، حيث كنت أُلقي قصائدي باللغة العربية في الاحتفالات والنشاطات المدرسية، كون اللغة الكردية كانت محظورة، بينما أُلقي قصائدي باللغة الكردية في مناسباتنا الوطنية والقومية وبعض الأعياد كعيد العمال ويوم المرأة العالمي وفي رحلاتنا الخاصة وتجمعات الصديقات والأصدقاء.
واظبتُ على قراءة الأدب العربي في العصر الجاهلي، وأدب المهجر الجميل بحنينه وشوقه وتأملاته، والأدب العربي المعاصر، والحداثة في الأدب وجماليات السرد العربي، ولدى الشعراء الكُرد الذين يكتبون بالعربية، ك بلند الحيدري وحامد بدرخان وسليم بركات وغيرهم وكذلك عن صعود الأدب النسوي وجماليات السرد العربي، أي الاطلاع على كل النماذج الجيدة في الأدب العربي القديم والحديث والمعاصر، وإذ بي أستقر في خيمة الشعر ولم أغادرها حتى الآن.
ما دور والدك الشاعر إبراهيم رشو (شفكير) في صناعة مسيرتك الشعرية ؟
أسعدني الحظ إلى جانب موهبتي الأدبية بوالدي الشاعر إبراهيم رشو “شفكير” مما زاد الحافز لدي بكتابة الشعر، بلغتي الأم الكردية، وعندما شاهد والدي رغبتي وموهبتي الشعرية زاد من اهتماماته، ومنحني الكثير من وقته وثقافته في تعليمي المزيد عن اللغة الكردية، وقواعدها، واكتشفت معه أفكاراً جديدة، وتعرّفت بأدباء وشعراء فاتتني في مطالعاتي أحمد خاني وملا جزيري وجكرخوين وتيريج وغيرهم، باختصار شديد أدى والدي دوراً اساسياً في تكوين شخصيتي الأدبية، وبلورة موهبتي الشعرية، وهو أستاذي الأول ودون أن نخوض مفصلاً في بحث دور شريك حياتي “زوجي” /الفنان عبد السلام كنجو/ فهو لم يكن في حالة عدم مبالاة أو انعزال فكان له دور ومكانة وتأثير بمسيرتي الأدبية ولن أكون مبالغةً إذ قلت لولا دوره ما كان ليتحقق ما وصلت إليه.
لماذا اخترتِ الشعر من بين الفنون الأدبية وأنتِ بدأت بالرسم والقصة؟ وهل لديك الرغبة والشوق إلى بقية الفنون الأدبية؟
علاقتي بالشعر تشبه علاقة الفلاح بالأرض وعلاقة الطبيب بالمريض، بيني وبين الشعر قرابة الروح والدم، الشعر لغة الروح الإنسانية الشعر هو شعور وإحساس وعاطفة، لأن الشعر هو الحياة، الشعر لغة الفرح والحزن وصرخات الحب والألم، حيث أجد نفسي سعيدةً تحت شجرة الشعر، وبين جدران القصائد، وحقاً عندما قال أحدهم: “إن الشعر تنقيب وحرث عميقان غائران في تفاصيل العالم والإنسان والأشياء”. بصراحة أحِنُّ إلى الرسم وكتابة القصص لكن ضيق الوقت وشراسة الظروف لا تتيحان الفرصة لي.
يا تُرى بعد كل هذا العشق للشعر ماذا حصدتِ من الشعر؟ وما ملامح ومواضيع قصائدكِ؟
لدي ديواني شعر Tava Hêviyan و Lale û Peyal وكتاب عن بعض الملاحم والأساطير الكردية قيد الطبع، ولا أستبعدُ نشر أعمال أخرى في المستقبل غير البعيد مع مختارات مترجمة.. أكتبُ الشعر الكلاسيكي والحديث معاً ومواضيع قصائدي تربوية وتوجيهية ربما كوني مُدرّسة ومواضيع اجتماعية ومن أهم أركان قصائدي المدح والغزل وتعزيز القيم الوطنية ومحاربة الاحتلال والتغيير الديموغرافي الذي يجري في مناطقنا المحتلة ورفض كل ما كرّسه أعداء الكرد وأهم قصائدي عن الشهداء الأبرار سواء على يد الهمج البشر أو على يد البحر وقراصنة البحر ولا أخرج من دائرة قضايا شعبي الكردي ونضاله ومآسيه وآلامه وطموحاته المشروعة ويجب أن يكون الشاعر أو الشاعر ابن زمانه ومكانه ومرتبط بمجتمعه وجماهيره.
ما حال الحركة الشعرية النسوية في شمال وشرق سوريا؟ وأهم الأصوات التي ظهرت على الساحة الأدبية؟
الحركة الشعرية النسوية كأي حركة أو حزب أو منظمة تتأثر بالجو السياسي والاجتماعي تحمِلُ سمات التجديد، بعد أن كانت في حلقة الكلاسيك القديم، ودورها هامشياً وهزيلاً على امتداد تاريخ الأدب، لقد شهد الشعر تطوراً مفاجئاً سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وزاد عدد النساء اللائي يمارسن الكتابة الأدبية وبخاصةٍ الشعرية، ونصبح أمام فيض شعري نسوي كماً وكيفاً وهذا ليس عيباً إنما ميزة.
ومن أهم الأصوات النسوية الكاتبة المسرحية فاطمة أحمد والشاعرة هناء داوود والشاعرة فيروز رشك والشاعرة جيندا سعدي والكاتبة جميلة محمد ومريم تمر وعبير دريعي…
هنا؛ أضم صوتي إلى اللواتي يرفضن تسمية “الأدب النسوي” كحالة تمييز، يجب أن يكون التمييز بين أدب جيد وأدب رديء، رغم أن للكتابة النسوية خصوصيتها الجمالية التي تميزها عن الكتابة الرجالية.
ذكرتِ في حصادكِ الشعري إن لديك مختارات مترجمة، هل لديكِ الرغبة في الدخول في حقل الترجمة؟ ما دور الترجمة وتأثيرها على القصيدة الشعرية؟
من الصعب الدخول إلى حقول الترجمة، لأن هذه الحقول تحتاج إلى طاقات ومناهل ثقافية واحتياطي ضخم من المعرفة باللغات ومزيد من التفرغ والصبر، والوقت هذا لا يتوفر إلا عند قلة قليلة من الكتّاب….
أقوم بين فترةً وأخرى بانتقاء الأعمال الجديرة بالاهتمام وترجمتها إلى اللغة الكردية على سبيل المثال لا الحصر قمت بترجمة قصيدة للشاعرة الجزائرية ذات الأصول الأمازيغية حورية عمران _الربيع لا يمر بحقول الموتى_ وكذلك بعض النصوص المعقدة المُشبعة بالتناص والسيميائية وبحاجة إلى التفكيك للكاتب والشاعر الدكتور خالد حسين إلى اللغة الكردية وأعمالي المترجمة ماهي إلا محاولات أظنها حققت بعض النجاح.
أما عن دور الترجمة فحدّث ولا حرج، الترجمة جسر بين الثقافات والتعرّف على الروائع العالمية والإنسانية وهنا أدعو الجهات المختصة والمؤسسات العلمية المتخصصة إلى بناء “علم الترجمة الكردية” لأن الترجمة حاجة ضرورية كالماء والهواء.
أما تأثير الترجمة على القصيدة الشعرية أعتقد القصيدة الشعرية تخسر وتفقد الكثير من أوتارها الموسيقية والإيقاعية وتموت الكثير من انفعالاتها وشحناتها أمام أقدام الترجمة فالشعر أكثر الخاسرين من بين الفنون الأدبية الأخرى.
يقول البعض أن اللغة الكردية عاجزة عن ترجمة الآداب والعلوم العالمية لضعفها بالمفردات والمصطلحات ما ردكِ على هؤلاء؟
هذا البعض من الطابور الخامس أو من الذين انغمسوا في ثقافة الرُعاع أو ثقافة “السوق”، لدينا آلاف الكتب المترجمة من اللغات العالمية إلى اللغة الكردية منها القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى وماركس ولينين وماو ومعظم العطاءات الإنسانية والروائع العالمية.
تُعدُّ اللغة الكردية من أغنى اللغات العالمية بالمفردات والمصطلحات والمشتقات فهي تحتل المرتبة 12 من بين اللغات العالمية بالمفردات وتمثل الترتيب 49 من بين اللغات العالمية التي حافظت على مخزونها اللغوي رغم حملات الصهر والطمس والقمع والتهميش والتعريب والتتريك والتفريس وإلى يومنا هذا.
لقد كانت معظم الدواوين في العصر العباسي تُكتب باللغة الكردية ومن ثم تترجم إلى اللغة العربية وأيضاً كانت الترجمة من اللغات اليونانية والإغريقية إلى الكردية وثم إلى العربية وللأسف الشديد عندما أحرق ودمر هولاكو مكتبة عاصمة الخلافة العباسية بغداد عام 656هجري أُحرِقت الترجمات الكردية.. إن اللغة الكردية قادرة على استيعاب واحتضان معظم ثقافات وتراث الحضارات العالمية.
كلمة أخيرة:
شكراً على إتاحة الفرصة للحضور على مائدة صحيفة روناهي وشكراً لقرّاء روناهي.[1]