صادق الازرقي/ تمر هذه الايام الذكرى الثانية والاربعين لتهجير أعداد هائلة من العراقيين من اراضيهم وبيوتهم بذرائع عنصرية وطائفية، إذ شهد شهر نيسان من عام 1980 بدء ابشع عملية تهجير جماعية بدأت منذ الرابع من الشهر وتواصلت طيلة المدة اللاحقة.
وفي الحقيقة فإن تلك الجرائم بدأت منذ وقت مبكر منذ عام 1969، حين شنت حكومة حزب البعث التي تسلمت السلطة بانقلاب عسكري في عام 1968 حملة ترحيل ونفي قسري استهدفت الكورد الفيليين لأسباب عرقية ومذهبية اذ جرى في عام 1970، ترحيل أكثر من 70 ألف فيلي إلى إيران وسحبت جنسيتهم العراقية، وجرى الإبلاغ عن كثير من حالات الاختفاء والإعدام بين عامي 1970 و1973.
وتشير الوقائع التاريخية المدونة الى ان اضطهاد الكورد الفيليين في عهد النظام المباد كان قمعا منهجيا لهم وقد تعاظم الاضطهاد وتصاعد الى مديات كبيرة عندما تعرضوا بصورة جماعية لحملة كبيرة من قبل النظام المباد؛ الذي قام بتنفيذ عمليات اعدام نظامية منذ عام 1979 امتدت إلى مناطق عراقية وكوردية واسعة ثم اصدر النظام المباد قرار رقم 666 في عام 1980، الذي حرم الكورد الفيليين من الجنسية العراقية وعدهم ايرانيين، كما مورست ابشع الجرائم الانسانية ومنها اجبار الرجال المتزوجين من كورديات فيليات على تطليق زوجاتهم مقابل مبالغ مالية في حال طلاق زوجته أو في حال تهجيرها إلى الخارج؛ وتهجيره معها او تعرضه للاعتقال في حال الرفض.
وتشير الارقام الى انه جرى ترحيل نحو نصف مليون كوردي فيلي إلى إيران نتيجة حملات الاضطهاد واختفى ما لا يقل عن 15 ألف كوردي فيلي، معظمهم من الشباب، لم يتم العثور على رفاتهم بعد ذلك، وجرى استهداف التجار والأكاديميين الكورد الفيليين البارزين ورفيعي المستوى في بغداد على وجه التحديد.
وصوت مجلس النواب العراقي في عام 2011، على الإقرار بجرائم عام 1980 ضد الكورد الفيليين في ظل نظام صدام حسين على أنها إبادة جماعية.
وبرغم سقوط النظام المباد فان الكورد الفيليين لم ينالوا حقوقهم الكاملة بحسب القرائن المتحققة التي تشير الى ان معظم الذين عادوا إلى العراق من الكورد الفيليين واجهوا صعوبات في التقدم للحصول على الجنسية، او لاسترجاع جنسيتهم العراقية الاصلية؛ وفي عام 2010، أفادت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أنه منذ عام 2003، جرت استعادة الجنسية لنحو 100 ألف كوردي فيلي، وهو رقم قليل طبعا مقارنة بالذين هجروا الذين تعاظمت اعدادهم حتما بفعل الولادات وتكوين اسر جديدة طيلة 42 عاما؛ اذ يشكل منحهم جنسية بلدهم الاصلي حقا واجبا لهم ولأجيالهم.
ولطالما طالب سياسيون ونواب من الكورد الفيليين ومناصريهم بتحقيق مطالب الفيليين بعد تغيير النظام المباد، غير ان القوانين الجديدة لم تنصفهم بصورة شاملة ويقول نائب فيلي في البرلمان الاتحادي السابق ان الكورد الفيليين كانوا يأملون باسترجاع بعض حقوقهم بعد 2003، ولكن ووصولا الى عام 2021 لم يستجد أي تقدم في هذا الملف، لافتا الى كثير من القوانين التي شرعت من دون ان تنفذ بخاصة في مناطق المادة 140 أو في بغداد، بحسب قوله.
ويعطي النواب نماذج عن القوانين في دورة البرلمان الاتحادي المنتهية بالقول انه جرى تبني مشاريع من ضمنها إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاصة بمصادرة أراضي الكورد الفيليين في مناطق مندلي وخانقين، فضلا عن مشاريع قرارات اخرى تتعلق بالكورد الفيليين وحقوقهم سرعان ما احيلت ملفاتها إلى وزارات اخرى خلافا للقواعد القانونية، بحسب تأكيد النواب.
كما ذُكر ان التعويضات المادية لذوي ضحايا الكورد الفيليين، لا تتجاوز ال25% والنسبة في بعض الملفات اقل من ذلك بكثير، اذ لم تشهد أي تقدم ومنها في موضوع مصادرة الأراضي الخاصة بالكورد الفيليين المهجرين، وانتقد سياسيون ونواب بقاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل نافذة، وتساءلوا: هل الاحزاب السياسية راضية عما اصدره مجلس قيادة الثورة سيء الصيت من قرارات ضد المواطنين الكورد؟!
ويرى المراقبون انه حتى القرارات والقوانين التي شملت الكورد الفيليين، ومنها قانوني السجناء والفصل السياسي، ليست سوى اجراءات ترقيعية لا ترقى الى مستوى تعويض ضحايا الابادة الجماعية عن حجم الاضرار التي تعرضوا لها، بحسب وصفهم، مشيرين الى انه برغم أن الحكومات بعد عام 2003 قدمت بعض التسهيلات والامتيازات والرواتب التقاعدية لآباء وأمهات ضحايا جريمة التهجير، وتسوية القضايا المتعلقة بالوثائق الثبوتية العراقية وشمول البعض من أبناء هذه الشريحة بالتعيينات في دوائر الدولة وحصول البعض على تعويضات مالية، إلا انها لا تساوي ما قدمته هذه الحكومات لضحايا مكونات أخرى، ما قد يثير اتهامات بالتمييز في التعامل مع الضحايا على اختلاف قومياتهم وأطيافهم.
وعلى صعيد متصل يجري التنبيه على الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق، التي تلزم الحكومة العراقية ان تبحث وتقدم معلومات موثقة عن مصير الكورد الفيليين الذين كانوا محجوزين، ملمحين الى ان لدى الحكومة الوف الوثائق تتعلق بقضية الكورد الفيليين، التي أكد تواجدها المدعي العام في قضية قتل وتهجير الكورد الفيليين.[1]