شفق نيوز/ كثيرة هي محطات الخوف والاضطهاد التي مرت على العراقيين في زمن الحكم الدكتاتوري، إلا أن بعضها بات معلماً بارزاً على الظلم والوحشية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف وتركت في من حالفه الحظ وبقي على قيد الحياة آثاراً جسدية ونفسية.
سجن نقرة السلمان واحداً من تلك المعالم الذي كان مجرد ذكر اسمه يثير الرعب والشعور بالنهاية في النفوس، وفي كتاب أوراق لم تنشر يتحدث مؤلفه يونس عبد العزيز، وهو مهندس طرق وجسور ممن شاركوا في تشييد طريق عند السجن الذي يقع في صحراء قاحلة بقضاء نقرة السلمان التابع محافظة المثنى جنوبي العراق.
يتحدث عبد العزيز، المولود في عام 1950، في كتابه عن محطات مميزة من حياته، منها حضوره حين كان طفلاً في العام 1957 عند افتتاح آخر ملوك العراق فيصل الثاني، لجسر السويس في الموصل، حيث كان المؤلف تلميذا في الصف الأول الابتدائي بمدرسة نينوى.
يقول عبد العزيز في مذكراته أن سجن نقرة السلمان الرهيب حسب وصفه، تم بناؤه في العام 1969 بتوجيه من قبل نظام البعث الحاكم آنذاك، بدلاً من السجن القديم.
ويوضح لوكالة شفق نيوز طلبوا منّا انشاء طريق حديث بطول حوالي 150 كيلومتراً من نقرة السلمان والى الحدود السعودية جنوباً، وبدورنا نحن طلبنا حفر ابار ارتوازية لمشروعنا في كل عشرة كيلومترات على طول مسار الطريق، وكانت مياه بئر واحدة فقط صالحة للشرب.
ويضيف ان محافظ المثنى زار المشروع في سنة 1985 ثم طلب من مهندسي دهوك العاملين هناك اصطحابه لزيارة المعتقل الجديد الرهيب في نقرة السلمان حيث تبين لهم ان هناك اكثر من 500 من الشباب الكورد الفيليين محتجزون هناك بعد ان تم تسفير وتهجير ذويهم الى ايران بعد سنة 1980.
ويتابع عبد العزيز هناك داخل اسوار المعتقل الرهيب اشتكى المحتجزون الفيليون من قلة مياه الشرب والتي تأتي من مدينة السماوة مركز محافظة المثنى وتكون ساخنة بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الصحراء حيث يتم نقلها بعجلات حوضية.
ويشير الى ان المهندسين الكورد عرضوا تجهيز المعتقل كل يوم بكميات كافية من مياه الشرب للمعتقل، كما عرضوا أيضاً تسوية الساحة الداخلية للمعتقل وعمل ساحات كبيرة داخلها لالعاب كرة القدم والسلة والطائرة ليتسنى للسجناء قضاء وقت الفراغ وممارسة الألعاب الرياضية، وقد لاقى ذلك تقديراً عالياً من السجناء خاصة عندما علموا ان المهندسين هم كورد من دهوك.
وأشار عبد العزيز الى انهم اقترحوا ترميم ساحة السجن وتسويتها من الاتربة والغبار، وقد قام المحافظ بتوجيه الشكر للمهندسين امام السجناء، كما ان السجناء قاموا بالتصفيق لهم ايضا بعد ان تخلصوا من معاناة طويلة في السجن جراء قلة مياه الشرب وعدم وجود وسيلة للتمرن والمحافظة على لياقتهم البدنية.
ويواصل المهندس يونس عبد العزيز حكايته عن السجن، قائلا ان بعض معارف السجناء من جيرانهم في بغداد كانوا يزورونهم مرة في الشهر، وكنّا نراهم وهم يتوجهون بالسيارات الى المعتقل لكن لاحظنا ان هذه الزيارات بدأت تقل تدريجياً حتى انقطعت وحينها توقعنا انه تم نقل السجناء الى مكان آخر، لكن تبين بعد ذلك انه تمت تصفيتهم.
ويختم عبد العزيز حديثه بالقول بعد عام 1987 تم نقل المؤنفلين والمعتقلين البارزانيين الكورد الى ذلك المعتقل في نقرة السلمان ومعتقل (البصية) والذي يبعد عن نقرة السلمان مسافة 180 كيلومتراً باتجاه الجنوب الشرقي في الصحراء الجنوبية.
وأطلقت تسمية مدينة السجون على قضاء السلمان عام 1928 عندما قام الانكليز إبان احتلالهم للعراق، ببناء قلعة السلمان لصد الهجمات التي تقوم بها الحركات الوهابية آنذاك ومقرا لإدارة البادية الجنوبية، وفي عام 1948 تم تحويل القلعة إلى سجن، كما تم عام 1981 بناء قلعة اتخذت مقرا لحرس الحدود ثم تحولت لاحقا إلى سجن.
وفي زمن أول رئيس للعراق في عهد حزب البعث احمد حسن البكر تم بناء 120 دارا لإسكان البدو الرحل، وتحولت في ثمانينات القرن الماضي الى سجون أيضا.
ويقع قضاء السلمان في بادية السماوة وسط وادٍ كبير، ويبلغ عدد سكان القضاء حسب وزارة التخطيط 9348 ألف نسمة يعيش الغالبية منهم على تربية المواشي والابل والزراعة التي تعتمد بدورها على الآبار الارتوازية.
فيما يقول حبيب مالح رئيس المجلس البلدي في قضاء السلمان هناك خمسة سجون في القضاء هي سجن السياسيين، والقلعة، ولية، والشيحات، وأخيرا ابو الجد، وكان النظام السابق يستخدم تلك السجون من اجل تصفية كل خصومه او كل من يعترض على سياسة حزب البعث لهذا أصبحت المدينة معروفة لدى العراقيين بسجونها وبعدها عن مركز المحافظات.
وطالب مالح بتحويل تلك السجون الى متاحف لتبقى شاهدا على ممارسات النظام السابق بحق الكورد الفيليين والبارزانيين وغيرهم وايضا تتحول ملكية تلك السجون الى وزارة السياحة والاثار من اجل تأهيل البنايات وفتح ابوابها امام المواطنين.[1]