أبو زاگروس/ الدراسات التاریخیة الكوردیة المعاصرة لقلة الوثائق أو لصعوبة الوصول إليها تواجه عملية البحث فيها مشقة كبيرة، وهذه المذكرات تحتوي على معلومات جمة ولكنها لا تخلو من حب الذات، والبغض والغلو بالحقائق. السیاسیون الشرق الأوسطيون یكتبون كأنهم ملائكة وغيرهم شياطين، وهم أذكياء وغيرهم سُذّج لا یفقهون. من المصادر الوحیدة التي تعكزت على الوثائق والمستندات الرسمیة، وتتصف بالانصاف كتاب بارزاني والحركة التحرریة الكوردیة بقلم الرئیس مسعود البارزاني وتاریخ الحزب الدیمقراطي الكوردستاني محطات تاریخیة 1946 1993 بقلم المحامي حبیب محمد كریم.
انشقاق العام 1964 لیس هو أول نكسة بل تُعد الأكبر للحركة الكوردیة المعاصرة والكتابة حول ملابساتها صعب وشائك. لا لقلة المعلومات بل لكثرتها وقله مصداقيتها لأسباب سیاسیة. الكتاب یحاولون تصغیر حجم الخسارة والتملص من المسؤولية أو جعل أنفسهم فارسناً مغوارين ومدبرين اذكيا. سوف اكتب عن هذه الفترة الحساسة لأسباب تاریخیة بحتة.
یتصور الكثيرون بأن خروج المحامي إبراهیم احمد من ساحة النضال والالتجاء الی المملكة الإیرانیة آنذاك أضعف الپارتي وافرغه من كوادره المتمرسة، ودفع بالحزب إلى قبول عناصر هزیلة في القیادة. هذا الرأي من جهة كتلة المكتب السیاسي طبل له الصغیر والكبير في مسؤولیتهم ببدء القتال الداخلي واللجوء إلى شاه ایران. ما یصعب الأمر من هم المحسوبون على كتلة الرئیس أي الرئیس مصطفی البارزاني الذین بسذاجتهم الجبلیة یتصورون واقعا لم یقع وینسبون بطولات لم یقوموا بها، بالنهایة هم یحرفون التاریخ ویسیؤون الی حكمة الرئیس والواقع معا. یستهزؤون بدور الفیلیین بستینیات القرن المنصرم ويقصونهم بيومنا هذا وأصبحوا الیوم ایتام الكورد المنسیين بتفشي المناطقیة واللهجویة والطائفية الأمر الذي زاد من الطین بله.
أذ كیف اصبح بین لیلة وضحاها حبیب محمد كریم المحامي البغدادي ذو 33 سنة سكرتیرا للپارتي العریق بنضاله وكوادره المتمرسة، وبنضاله السري والعلني بالعهدین الملكي والجمهوري. وتحت نصائح الخیریین للرئیس بأن یكون السكرتیر فیلیا للإبتعاد عن معركه عارمة بین السورانیین بقیادة ابراهیم احمد، ومصطفی البارزاني بقیادة البهدینانیین. لخسارة الأول سكرتاریة الحزب. وكم نصائحم كانت مجدیة عند الرئیس. نسوا بان الپارتي ومنذ تأسیسه لم یكن فیه الكوتا والتوزیع المناطقي. وأول رئیس وأول سكرتیر له كان من المتكلمین باللهجة البهدینانیة. ومن ثمة أكثر أنصار الرئيس كان من لواء السلیمانیة معقل السكرتیر السوراني كما یقال. وهم لا یعلمون بأن السلیمانیة منذ 1946 1958 لم تكن معقل ابراهیم احمد بل كان یتحكم بها المحامي حمزة عبدالله وهو البهدیناني المعروف.
وأن النزعة اللهجویة ولیدة الحرب الداخلیة الثالثة ما بین أعوام 1994 1996 عندما تقبل الاتحاد الوطني الكوردستاني هذا المنهج وطبل وزمر له مثقفون ینتمون له وكذلك انصارهم، واستند الی الصراع القادري النقشبندي، الذي وقع في مدینه السلیمانیة بین مولانا خالد النقشبندي والشیخ الجلیل معروف النودهي. وهم لایعرفون بالمستور، وأن مصطفی البارزاني لم تكن له ناقة أو جمل فیها لا من بعید أو قریب. ونسوا جذور أصل المرحوم جلال الطالباني الفیلیة وهو من عشیرة الزنگنه المنحدرة من شرق كوردستان والمرحوم ابراهیم احمد من عشیرة الهموند الفیلیة المنحدرة من شرق كوردستان وهم لیس سوران بالمعنی العشائري. لا دفاعا عن الحقوقي حبیب محمد كریم أو الرئیس الراحل مصطفی البارزاني بل لكتابة التاریخ كما كانت الواقعة. سوف أسرد الوقائع التي مرت على الحركه الكوردیة المعاصرة.
سنة 1920 الف محمد باشقة وتوفیق وهبي كتابا باللغه الكوردیة لتدریب المعلمین للدراسات الكوردیة، أجاز محمد باشقة الموظف الكبیر بوزارة الداخلیة للمملكة العراقیة مجله (گهلاوێژ) باللغه الكوردیة لصاحبه المحامي ابراهیم احمد رغم مخالفة متصرف السلیمانیة. وأرسل ابنته بأوائل الخمسینیات للدراسة بكلیة الحقوق بمدینة بغداد. یظهر بانه كوردي وطني ومثقف. بما أن محمد باشقة هو خال لحبیب محمد كریم، والطبیب جعفر محمد كریم، و عزیز الحاج سكرتیر الحزب الشیوعي العراقي، یسبب لنا الحرج علی عدم معرفته هو خال ثلاثة شخصیات أدت دورا هاما بالساحة السیاسیة الكوردستانیة والعراقیة. أما اخت محمد باشقة أم حبیب لها 27 من البنین و البنات و كلهم من المتعلمین. والد حبیب من التجار الفیلیین الخیریین، هذه القوه البشریة كانت في اوائل القرن المنصرم محل تقدیر. إن القاضیة زكیة اسماعیل حقي بنت المحامي اسماعیل حقي میرزا المشترك بثورة الشیخ محمود الحفید ومؤسسة أتحاد نساء كوردستان سنة 1952 هی زوجة الكیمیاوي یاسین محمد كریم شقيق حبیب محمد كریم.
لم یكن حبیب بعیدا عن معترك الكوردایتي. وأول من باشر بالكوردایتي بالعائلة هو الطبیب النقیب جعفر محمد كریم من مؤسسی حزب رزگاري كورد سنة 1945 والحزب الدیمقراطي الكوردي سنة 1946. صاحب المقالة الجريئة سنة 1947 بجریدة صوت الأهالي الذي وصف أعوام 1943 1945 بثورة بارزان الثانیة والثالثة وطالب الحكومة بالإفراج عن الزعیم الشیخ احمد البارزاني واعوانه المسجونین والعفو عن الرئیس مصطفی البارزاني ومناصریه، كم من جرأة كان یمتلك هذا الرجل؟
قبل كل شيء ترعرع حبیب محمد كریم و هو یختزن ذاكرته لمساعداة عشیرته الملكشاهیة الواقعة بجنوب وشرق كوردستان حركة آخر امیر كوردي لأمارة (پشتكوه الفیلیة) مقابل جیش رضا شاه البهلوي سنة 1929. اشترك أقرباؤه بالثورة وأُصيبوا بخسائر فادحة.
بعد اختفاء شقيقه الأكبر الطبیب جعفر محمد كریم من الساحه السیاسیة العراقیة والكوردیة ولجوئه إلى المملكة الایرانیة مرغما ومكرها، لم یتوقف النضال عند حبیب وكان منسق الپارتي مع الأحزاب العراقیة الأُخری للإضرابات الطلابیة بمدینة بغداد ضد سلطة ملك العراق المدعوم من قبل ملك بریطانیا وحلفائه، طرد من الدراسة الجامعیة لأشتباكه مع الشرطة الملكیة، اشترك بكل الفعاليات القومیة التي كانت يشرف علیها الپارتي ومنها احتفال عید نوروز بمدینة أربیل. خرج من بغداد متوجها الی مدینة دمشق كمناضل ثوري. وفي سنة 1956 عند انعقاد الإتحاد الثاني للپارتي انتخب كعضو اللجنه المركزیة للحزب الديمقراطي الموحد الكوردستاني وهو في سن الخمسة والعشرين عاما.
ما لایعرفه الكثيرون عن ملابسات المؤتمر الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني المنعقد ببغداد، أن الرئيس البارزاني لم يشترك في المؤتمر ولم یكن یؤید الیمین الرافع لشعارات الیسار، وأصبحت الصحف العراقیة تتكلم عن هذا الموضوع. بعد ترجي الكثیرین اشترك الرئیس مصطفی البارزاني بالمؤتمر. كان یعرف بأن الحركة الیمینیة داخل الپارتي بعد أن تخلصت من الحركه الیساریة كانت تنوي الاستحواذ علی الحزب. إذ ننظر للمنهاج الداخلي للمؤتمر الخامس نری معالم الحذر والحكمة عند الرئیس عندما وضع المحامي حبیب محمد كریم بموقع لم یحسده أحد عليه حینذاك وأنتخب من قبل مندوبي المؤتمر واصبح رئیس هیئة المراقبة والتفتیش العلیا. عند انعقاد الاجتماع الموسع سنة 1964 بقریة ماوت الواقعه بحدود لواء السلیمانیة، من قبل ابراهیم احمد وكتلة المكتب السیاسي، وسموه كونفرانس وانهم نسوا ما جاء بالنظام الداخلي من مواد، ليصبحوا بمواجهة مأزق منهجي. ولكن كان یتصور أحمد بان حبیب محمد كریم سوف ینجرف الی جانبهم بكونه من أصدقائه القدماء وهو خفیف الدم، كما كان یتصور بأن قوات الپیشمهرگه كانت لجانبه وعند بدأت ساعه الصفر للانقلاب كانت حساباته بغیر موقعها. حبیب محمد كریم الذي كان كادر وپیشمهرگه وبموقع مسؤولیته التاریخیة، كان یفاوض الطرفیین بالحزب وكان اقتراحه تشكیل المؤتمر لإنهاء الخلافات واصطدم بالرد من قبل كتلة المكتب السیاسي وبحركاتهم البهلوانیة أن لم أقل دون كیشوتیة وقبول الرئیس بالأمر وتشكیل المؤتمر لحل كل المشاكل، كحل كفله المنهاج الداخلي للحزب. وها هنا اصطدمت كتلة ابراهیم احمد مع النظام الداخلي، كان الرئیس ذي خبره عالیة لیس بالمناورة فقط بل كان یعرف ما یدور بتنظیمات الحزب. ویعرف خلقیات حبیب محمد كریم بأنه حاكم ولیس محكوما علیه. لم یشترك حبیب محمد كریم بالاجتماع الموسع في قریة ماوت الموسوم سهوا وخطأ بكونفرانس ماوت، وارسل یدالله الفیلي مندوبا عنه وأوضح الاخیر للحاضرین عدم قبول ما یقال عن الرئیس، وأن مصالح الحزب فوق الجمیع ولم یعطهم الشرعیة.
سنة 1964 قبل الاقتتال الداخلي سافر حبیب محمد كریم الی مدینة بغداد للعلاج ولم یشترك بانعقاد المؤتمر السادس، موقفه النبیل وسابقته الثوریة وخدمته بصفوف الحزب والثورة لم تكن ولیدة ساعة، لیعرفه الآخرون للقائد. بل كان یعرفه عن قریب و يعمل بمساعدات أخیه الطبیب النقیب جعفر محمد كریم لثورة بارزان الثالثة سنة 1945 وجمهوریة كوردستان الدیمقراطیة. لهذا رشحه البارزاني الخالد لمنصب عضویة اللجنة المركزیة رغم غیابه عن قاعة المؤتمر، وانتخب من قبل مندوبي المؤتمر عضوا للجنة المركزیة لمعرفتهم به وبنضاله، عند أول اجتماع للجنة المركزیة رشح وأنتخب بمباركة القائد كسكرتیر للحزب، وهذا محل اعزاز وفخر منذ ذلك الحين، وحتی یومنا هذا إذ تمت مباركة ترشیحه من قبل الرئیس مسعود البارزاني وبقي مخلصا للنهایة للرئیس ونهجه وأهدافه القومیة. إن كان حبیب محمد كریم ولید الصدفة فلماذا أُعيد انتخابه بالمؤتمر السابع سنة 1966 والمؤتمر الثامن 1970 كسكرتیر للحزب؟، ولماذا رشحه الرئیس لمنصب نائب رئیس جمهوریة العراق سنة 1970؟
حبیب محمد كریم كما هو معروف عنه لم یكن یفكر تفكيرا مناطقیا أو طائفیا أو كتلويا. وكان أصلح سكرتیر بجوار الرئیس مصطفی البارزاني كما معروف بتاریخ الحزب، والجدیر بالذكر بأن الثلاثة الذین تقلدوا منصب السكرتیر من سنة 1946 1975 هم من خریجی كلیة الحقوق وهذا موضوع آخر لا أرید الخوض به في هذا المقال.
حكمة البارزاني الأب كما حكمة الرئیس مسعود البارزاني كانت أكثر من یرشح له الأخرون أشخاصا لایعرفهم. بالمناسبة ورغم رجوع حبیب محمد كریم بعد النكسة الی بغداد لأسباب اجتماعية، فبعد انتفاضة سنه 1991 وانعقاد المؤتمر الحادي عشر سنة 1993 رشحه الرئیس مسعود البارزاني عضوا باللجنة العلیا للمراقبة والتفتیش وأنتخب من قبل مندوبي المؤتمر التوحیدي الرابع للحزب الدیمقراطي الكوردستاني الموحد. السؤال الوجیه وهو من كان الأنسب لمنصب السكرتیر سنة 1964؟ وهل فشل طوال السنين الممتدة من 1964 1975 بمهامه الحزبیة وخذل الرئیس؟ وهل كا[1]ن ولید الساعة عندما قلد سكرتیرا؟ ان الحوادث التاریخیة لا تقاس بوزن الیوم انما بمعیارها السابقة. وإن كان الیوم الفيليون ایتام الكورد كانوا ايضا هم النخبة ثقافیا واقتصادیا. واخیرا أقول: إن حسن العطر عند العطار.[1]