قامشلو/ رشا علي
عائلة حافظت على مزاولة صناعة الفخار في مدينة قامشلو، حرفة متجذرة في تاريخ هذه العائلة منذ أكثر من 400 عام، توارثها الأبناء من الآباء والأجداد، ومثلت مصدر رزقهم، هذه الحرفة التي تتجه نحو الزوال بقيت صامدة في المدينة بفضل العم ميساك وأبنائه.
صناعة الفخار حرفة قديمة توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، واحدة من أقدم الحرف التقليدية التي تصارع البقاء، وهي موروث ثقافي، وتعد أقدم صناعة ارتبطت بوجود الإنسان منذ الأمد البعيد وأصبحت اليوم حرفة وتراثاً شعبياً يعبر عن الأصالة والتاريخ المرتبط بالحضارة، استخدمها الإنسان في العصور الأولى في صناعة الأواني الفخارية من خلال تحويل الطين باستخدام النار إلى مادة متماسكة وصلبة، ولكن مع تطور الصناعات واستخدام الأواني الزجاجية والفضية والمعدنية أصبحت مهنة صناعة الفخار في مهب ريح تطور تلك الصناعات.
وبتطور التكنولوجيا قل العمل بمهنة صناعة الفخار وكادت أن تندثر، في مدينة قامشلو، والعائلة الوحيدة التي حافظت على مزاولة هذه الحرفة كانت عائلة العم “ميساك أنتونيك بدروس” الذي تجاوز الثمانين بخمس سنوات، والتقت صحيفتنا “روناهي” به ليعلمنا إن أصوله تعود إلى ناحية نورشين في بتليس، وهاجرت عائلته إلى مدينة قامشلو جراء الإبادة العثمانية للأرمن في تركيا عام (1915-1917) وتوارث بدروس هذه المهنة من أبيه وعلمها لثلاثة من أبنائه.
أربعة قرون ونيف عملنا العائلي بهذه المهنة
وعن حب بدروس لمهنة صناعة الفخار وتعلقه بها تحدث قائلاً: “بدأت العمل بهذه المهنة عندما كان عمري 21 عاماً، ورث جدي هذه المهنة من أبيه وورثها لأبي، وأنا تعلمتها من أبي، منذ 450 سنة وهذه المهنة مستمرة في عائلتنا، وأنا بدوري أعلمها لأولادي، أحدهم يعمل في البناء والآخرون يقومون بتحميصها في الفرن، وإن واجهتهم مشكلة أقوم أنا بمساعدتهم”.
وحول استمراره في هذه المهنة وعمله في العديد من المناطق والقرى قال بدروس: “تنقلت بين العديد من المدن والقرى السورية سعياً وراء رزقي، ومن هذه القرى جاغر بازار وخربي كوجكي وديكي وسنجق وغيرها الكثير من القرى، وعملت ثلاث سنوات في ناحية بصيرة بمدينة دير الزور، وكانت جميع أدواتنا مصنوعة من الخشب، كان لعملنا قديماً أهمية كبيرة وكانت الأواني الفخارية تستخدم بشكل كبير، لم تكن المواد الأخرى مثل البافون/الالمنيوم/ والنحاس والتوتياء متوافرة أو موجودة”.
وعن مكان عمله أوضح لنا بدروس قائلاً: “منذ سنتين وأنا أصنع الفخار في منزلي، يرغب بعض التجار وبعض الباعة المتجولون في شراء الفخار، ويعتمدون على الأواني الفخارية لحفظ اللبن بسبب امتصاص الفخار للماء”.
وعن مراحل صناعة الفخار تحدث بدروس قائلاً: “لا يصلح جميع أنواع الطين في صناعة الفخار، نقوم بانتقاء نوعية من الطين، تسمى البيرون، نعمل على غربلتها بغربال ناعم، ونضعها عدة أيام داخل أحواض معدة لهذا الغرض، ثم تليها مرحلة الدعس بالأقدام بقوة، ونمزجها بقليل من الماء لنحصل على عجينة متماسكة وطرية، ثم تقطيع الطين وتجهيزه، وبعد تدويره على دولاب مصنوع من الحجر تتحول في نهاية المطاف إلى أواني ومزهريات وحصالات نقود وغيرها من الأشكال، وفي المرحلة الأخيرة توضع في الفرن، وبعد إخراجها يتم زركشتها بالرسوم والأشكال”.
البيع بأسعار رمزية
وفي النهاية اختتم “ميساك انتونيك بدروس” حديثه قائلاً: “قبل 40 سنة كان الكثير يعملون بهذه المهنة، أما الآن لا يوجد أحد غيرنا يعمل بها في المنطقة كلها، على الرغم من التعب نبيع ما نصنع بأسعار زهيدة، فقط لنستطيع تدبر أمورنا المعيشية”.
وحول الموضوع ذاته تحدث لنا “أنتونيك ميساك أنتونيك” وهو ابن ميساك قائلاً: “منذ 25 سنة أعمل أنا وأخي في هذه المهنة، لقد تعلمناها من أبي، لقد ورثنا هذا العمل من أجدادنا، أبي تقدم في السن، لم يعد يستطيع العمل كثيراً، نحن نعمل حسب الطلب والحاجة، نصنع المزهريات وحصالات النقود وجرات لحفظ الماء مختلفة الأحجام”.
وأشار أنتونيك في نهاية حديثه إلى ضرورة حب الإنسان للعمل أو المهنة التي يزاولها من أجل أن يبدع بها، وأكد على ضرورة الحفاظ على الحرف القديمة من الضياع.
إنها الحرفة الأكثر قدماً في تاريخ الصناعة الإنسانية الأولية والتي حملت الكثير من المعلومات والتاريخ الانساني عبر الكتابة والنقوش عليها، وكانت وما تزال من أكثر ما يعتمد عليه في تحديد العصور التاريخية لأنها شبه هوية لتلك الحقب والأزمنة وحملت الرُّقَم والأختام والأواني الفخارية معلومات جمة، بل حملت أرشيف الإنسانية في التاريخ والثقافة على مر العصور، وكم نحتاج للإبقاء على استمراريتها.[1]