ديرك/ هيلين علي
تعد الثكنة العسكرية الفرنسية معلماً أثرياً يقع وسط مدينة ديرك في إقليم الجزيرة بشمال وشرق سوريا، ويعود تاريخ بنائها إلى عهد الانتداب الفرنسي، وتحديداً عام 1929؛ إذ كانت تشتمل على مهاجع عسكرية ومشفى ومستودع للألبسة والمواد الغذائية، إلى جانب غرفة اتصال مباشر مع العاصمة الفرنسية “باريس”، إلا إنه لم يبق منها اليوم سوى بعض الأحجار البازلتية السوداء.
“قشلا فرنسا Qişla ferensa ” كما يسميها السكان المحليون في المنطقة، تقع في الجهة الشرقية من مدينة ديرك، في موقع مرتفع بالقرب من الطريق الواصل بين ديرك وقرية “بورزة” التابعة لديرك.
المؤرخ “بهجت أحمد” قال بهذا الخصوص لصحيفتنا “روناهي” بأن آخر نقطة سيطرة للانتداب الفرنسي في المنطقة حتى عام 1927، كانت قرية “المصطفاوية” في ريف ديرك. إذ زارها الجنرال الفرنسي “تييريه” في ذلك العام، ولم يستطع الذهاب شرقاً باتجاه ديرك لأنها كانت خارج سيطرة فرنسا آنذاك حتى عام 1928م، حيث اتفقت فرنسا مع بريطانيا من جهة ومع تركيا الكمالية من جهة أخرى، وفي عام 1929 تم وضع الحدود الحالية، وبموجب تلك الاتفاقيات أصبحت منطقة ديرك تابعة لحكومة الانتداب الفرنسي، وكانت جزءاً من دولة حلب التي أنشأتها فرنسا بعد تقسيمها سوريا إلى دويلات.
وتابع أحمد: “أصبحت قرية “عين ديوار” في ريف ديرك، هي المقر العام للقوات الفرنسية في المنطقة، وفيها مكان إقامة الحاكم العسكري، أما بناء الثكنة فقد تم البدء به في 1929م، وكان بعض من أهالي ديرك يخدمون في قرية “عين ديوار” بريف ديرك، فأرادت حكومة الانتداب الفرنسي نقل مركز الحكم منها إلى ديرك، فكان الجنود يعملون على بناء “القشلة” لهم في “ديرك” ويعودون إلى “عين ديوار” بعد إنهاء عملهم مع ما كان يرافق ذلك من مشقة لصعوبة المواصلات بين “ديرك” و”عين ديوار”، نظراً لعدم وجود وسائل نقل حديثة تنقلهم في ذلك الوقت، فطلبوا من القائد الفرنسي أن يجد لهم حلاً، فقرر المندوب السامي الفرنسي “هنري بونسو” أن ينقل مقر الحاكم الفرنسي من قرية عين ديوار إلى ديرك، وقد استمرت عملية البناء من عام 1929 واكتملت الثكنة أو القشلة كما يسميها الأهالي عام 1930″.
وأوضح “أحمد” بأن الثكنة العسكرية الفرنسية التي كانت تضم بين 110 إلى 115 عنصراً كانت تشهد يومياً مراسم تحية العلم الفرنسي في كل صباح، كما أن الثكنة استخدمت كنقطة لرصد الحدود من خلال منظار يتيح لهم رؤية قرية عين ديوار كاملة وأجزاء من الأراضي التركية.
وأكد “أحمد” بأن ما تم تداولها من قصص حول وجود مشنقة في “القشلة” غير صحيح، وفي الحقيقة لم يشنق أي شخص في هذا المكان، وما تم الإشارة إليه بكونه مشنقة هو في الواقع مرصد المراقبة، وهو ما بقي سالماً من كل أجزاء “القشلة”، وهذه معلومة قد أكدها أيضاً الجندي “لحدو غريب” و”عزيز جاجان” من أبناء المنطقة.
وأشار “أحمد” إلى أن القشلة شهدت عام 1941 أحداثاً مؤسفة نتيجة الدسائس الفرنسية والتركية وما أعقبه من حدوث صدام بين أبناء المنطقة من الكرد والسريان.
وأكد المؤرخ الكردي بهجت أحمد في نهاية حديثه لصحيفتنا “روناهي” بأن المعلم الأثري قد أهمل واستعملت أجزاء منه لأغراض البناء وأجزاء أخرى لتربية الحيوانات، وأخذت الكثير من أحجاره واستخدمت في البناء، ولم يبقَ منه إلا المرصد وبعض جدران وبئر مردوم, فيما هنالك محاولات لترميم ما تبقى من “القشلة” من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.[1]