كركي لكي/ غاندي إسكندر
اللغة الكردية أهم مقوم من مقومات الهوية الكردية، وفي سبيلها دفع الشعب الكردي قرابين وتضحيات بغية حمايتها من الصهر والاضمحلال، وبسواعد أبناء روج آفا تحولت إلى أنشودة ملأت الأسماع والأبصار.
اللغة ذاكرة الأمة، وتاريخها، ووعاء الفكر، وأداة التعبير، وهي من أبرز ملامح الهوية، والانتماء، فبها نعبر عن أحلامنا، وعواطفنا، وأفكارنا، وعقائدنا، ولولاها ما كانت حضارة، وما عرف الإنسانُ الإنسانَ، ومما لا شك فيه أن ملامح جميع الأمم تتحدد من خلال لغتهم، واللغة الكردية كباقي اللغات هي لغة الشعب الكردي وهي أصدق تمثيل لزمرة دم الكردي، ولونه، وهي مسكن الكردي، وموطنه، ومستقره، وتضاريسه، ومن خلالها ينظر الكردي إلى بقية أرجاء الكون، فخمسون مليون كردي يعبرون عن حقوقهم المغتصبة من خلال تشبثهم بلغتهم الأم، فالروح الكردية، والقلب الكردي ينبض في لغته، ولأجلها توقفت أفئدة مئات آلاف الشباب الكرد في ساحات الدفاع عنها.
محاولات صهر اللغة الكردية
تعرض الشعب الكردي إلى أبشع أنواع القهر، والظلم، ومحو الوجود، ولعل الطريقة التي سعى إليها أعداء الكرد من الأنظمة الحاكمة لبلاد الفرس، والعرب، والترك، هي محاولة صهر الكردية في بوتقة التعريب، والتفريس، والتتريك، ففي روج هلات كردستان تعرض الكرد إلى قمع ديني وقومي معاً، ديني لأن الكرد أغلبهم من المذهب السني، وقومي لأنهم من القومية الكردية، وقد حارب الفرس الكرد واللغة الكردية حرباً ضروساً، ولا سيما بعد أن أسس القاضي محمد جمهورية مهاباد، فكانت أولوية القاضي هي إعطاء زخم لتعلم اللغة الكردية، وجعلها لغة التعليم في الجمهورية الوليدة كونها تمثل أداة التمسك بالهوية، وحين انهارت جمهورية مهاباد حارب الفرس الكرد بلا هوادة، وما يزالون إلى الآن يزجون بكل شخص يتنفس ويهمس بالكردية في غياهب السجون، ويعلقونهم على أعواد المشانق، وفي باشور كردستان وفي سبيل حفاظ الشعب الكردي على خصوصيته القومية ولغته في دولة ذات طابع وصبغة عروبية، وسعياً من السلطات العراقية في وأد الشعب الكردي وثقافته؛ مورس بحق هذا الشعب أشد أنواع القتل من ضرب بالأسلحة الكيميائية إلى حملات الأنفال التي راح ضحيتها مئات الآلاف، وعلى الرغم من ضراوة الحرب لم تسقط القضية، فقد تمكن الكرد أخيراً من حماية لغتهم وعنوان قوميتهم بجعل اللغة الكردية اللغة الرسمية في عموم العراق إلى جانب العربية، أما في سوريا فقد اعتمد النظام البعثي سياسة التعريب ضد أبناء روج آفا، فقُمعت اللغة الكردية بطريقة بشعة، حيث منع التكلم بها، وغيرت أسماء القرى الكردية إلى أسماء عربية، وأنكر النظام الوجود الكردي، وهُمِّشَ الكردي وجُرِّدَ من جنسيته وهويته، وحُرِمَ حتى من تسمية الولادات بأسماء كردية، ومن أجل صهرهم في أتون العربية طُوقت القرى الكردية بحزام عربي بغية ضياع الهوية الكردية ومحوها، أما في باكور كردستان فقد كانت إجراءات سحق اللغة الكردية وقلعها من جذورها متمثلة في إبادة الكرد وارتكاب جرائم التطهير العرقي، فحرقت عشرات آلاف القرى الكردية وزُج بالناطقين بالكردية في أقبية الزنازين، وتم الإشارة رسمياً إلى الشعب الكردي في باكور كردستان أتراك الجبال لإسقاط الطابع الكردي عنهم.
انعطاف تاريخي
في الخامس عشر من شهر أيار عام 1932صدرت أول مجلة كردية بالأحرف اللاتينية وهي مجلة “هوار” من قبل الأمير جلادت بدرخان في العاصمة السورية دمشق، وكانت المجلة تصدر كل خمسة عشر يوماً، واستمرت في الصدور حتى تاريخ الخامس عشر من آب عام 1943حيث طُبع العدد 57 وكانت هوار انعطافة تاريخية ساهمت في تحويل اللغة الكردية في سوريا من لغة شفاهية إلى لغة تستعمل الأحرف اللاتينية ضمن قواعد وأصول، لقد نقلت طيات صفحات مجلة هوار آهات الشعب الكردي وأنينه، وأشارت إلى أدبائه وشعرائه، وعبرت عن أحلامه، وبعد عقود من الحرمان من الكردية بعد صدور آخر عدد لهوار، وفي محاولة لمنع اللغة من الاندثار أُقر في عام 2006 من قبل المؤتمر الوطني الكردستاني يوم الخامس عشر من أيار يوماً للغة الكردية.
ثورة اللغة الكردية
بعد ثورة روج آفا التي انطلقت شرارتها من كوباني، وبعد أن تحررت معظم المدن والمناطق الكردية، كانت أولى الخطوات التي اتُّخذت إعادة الروح إلى اللغة الكردية عبر افتتاح دورات تعلم اللغة الكردية، ولعل مدرسة قرية دورقلي في عفرين الأبية ستبقى شاهدة على كتابة أول أبجدية كردية على لوحتها، وذلك في 11/9/2011 ومن عفرين كانت الانطلاقة نحو افتتاح العديد من المراكز والمدارس الكردية، والخطوة الأهم التي تمت من أجل ترسيخ الكردية كانت اتخاذ خطوة طبع المناهج التعليمية باللغة الكردية وتدريسها في المدارس، وقد شملت جميع المراحل الدراسية، الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتوجت بافتتاح جامعة روج آفا، ولم تمنح ثورة روج آفا الحياة للغة الكردية فقط، فكل شعوب شمال وشرق سوريا باتوا يعتزون بلغتهم الأم ويدرسون ويتعلمون بها، كاللغة السريانية والعربية، فثورة روج آفا كانت ثورة اللغة دون منازع.[1]