إعداد/ دجوار أحمد آغا
تمتاز كردستان بطبيعتها الخلابة، وجبالها الشامخة والشاهقة التي تعانق السماء، ووديانها السحيقة شديدة الانحدار، وهضابها المغطاة بالأشجار والأزهار، وسهولها ومروجها التي تعج بالعديد من النباتات والحيوانات المتنوعة والجميلة. لذا عندما يكون الشاعر كردياً من كردستان، يكون لشعره نكهةً خاصة ترتبط بجمال الطبيعة المحيطة به. حديثنا اليوم سيكون عن الشاعر الكردي القدير عبد القادر عزيز جان، بالتأكيد لن يعرفه إلا عدد محدود ممن يختصون بالأدبيات والتراث الكردي، لكن عندما نقول “قدري جان” المئات والآلاف من الكرد وأصدقائهم سيعرفونه، فهذا الاسم أضحى نجماً لامعاً في سماء الأدب الكردي.
فيها الولادة والنشأة الأولى
“ديركا جياي مازي” تلك البلدة الجميلة التي تقبع تحت ظلال جبل مازي في ماردين ولِد قدري جان سنة 1911 درس كمعظم أقرانه الابتدائية والإعدادية في البلدة ومن ثم تابع الدراسة الثانوية في مدارس ماردين وكان متميزاً ومتفوقاً في المواد العلمية وعلى وجه الخصوص مادة “الرياضيات” بعد الحصول على الثانوية وبسبب تفوقه مع زميله في الدراسة الأديب واللغوي الكبير رشيد كرد (1910- 1968) سافرا معاً إلى مدينة قونية حيث التحقا معاً بمعهد إعداد المعلمين وتم قبولهم وذلك سنة 1928 لكنهم لم يستطيعوا مواصلة وإكمال تعليمهم بسبب سياسات التفرقة والعنصرية والتطرف السائد بحق الكرد مما دفع بهما للهرب معا إلى روج آفا وتوجها إلى بلدة عامودا.
ما بين عامودا ودمشق
عامودا التي كانت تحتضن الكثير من المناضلين الكُرد الوطنيين الشرفاء والغيورين على وطنهم وشعبهم ومنهم من التجأ إليها هرباً من بطش وطغيان الكمالين في تركيا وكان قد سبقهم إليها الشاعر الكبير جكر خوين (1903 – 1984) الذي تكفّل بتأمينهم وإيجاد مأوى ومسكن لهم.
خلال فترة إقامته في عامودا ونظراً لصغر سنه استطاع أن يتعلم العربية في فترة وجيزة وأن يتقنها قراءةً وكتابة حيث انتسب بعدها إلى دار المعلمين الزراعية في السلمية ومن ثم بعد تخرجه تم تعيينه مدرساً في أنطاكيا وبعدها عاد إلى الجزيرة حيث تنقل بين مدارس قامشلو وعامودا التي أصبح مديراً لإحدى مدارسها سنة 1942. لكن الانتداب الفرنسي لم تعجبه الأفكار النيّرة والتقدمية التي كان يطرحها قدري جان فتم إبعاده إلى دمشق العاصمة وهناك مارس أيضاً التدريس في العديد من مدارس حي الأكراد “ركن الدين” فيما بعد.
انتقل قدري جان بعدها لعمل إداري في وزارة التربية السوريّة “المعارف” وقتها، ومن ثم عمل في السجل العام للموظفين، في دمشق تعرّف على نيلوفر عثمان بك فوزي وتزوجها حيث أنجبا مزكين تولّد 1943 وهو صبي ثم بنت هي الدكتورة شيرين سنة 1945 المُقيمة حالياً بأمريكا، وبعدها صبي آخر هو سرور سنة 1948 .
أعمال وأنشطة قدري جان
قدري جان لم يكن شاعراً فحسب، بل كان من النشطاء في المجالات الثقافية والاجتماعية والكردية، حيث نرى بأنه انضم إلى جمعية خويبون التي تأسست في بحمدون بلبنان سنة 1927 وشارك في المؤتمر الأخير لها سنة 1931، كما تعرّف على الكثيرين من النشطاء الكرد المقيمين في دمشق وقتها وبشكلٍ خاص كاميران وجلادت بدرخان وقدري جميل باشا وممدوح سليم بك من وان وحمزة بك موكسي والعم أوصمان صبري وكذلك خالد بكداش….إلخ.
بعد فشل ثورة آكري بقيادة إحسان نوري باشا توجه قدري جان إلى العمل على تنوير المجتمع والنهوض به من خلال توسيع التعلم باللغة الأم وإعادة بعث وإحياء التراث والفلكلور الكردي وبسبب ذلك اعتُقِل قدري جان بين عامي 1959 – 1961 حيث سُجِن في سجن المزة السيء الصيت بدمشق. دعم قدري جان الأمير جلادت بدرخان في مشروعه الثقافي الكبير وشارك في الكتابة بمجلتي “هاوار” 1932-1943 وكذلك “روناهي” 1942-1945 إلى جانب كتابة المقالات والأشعار في “روجا نو” و”ستير” التي أصدرهما الأمير كاميران بدرخان في بيروت.
أهم نِتاجاته الأدبية والفكرية
لم يكن قدري جان مجرد شاعراً بل كان أديباً بكل ما للكلمة من معنى ونراه كيف يكتب القصة القصيرة إلى جانب ترجمته للكثير من الكتب الكردية إلى لغات مختلفة حيث كان يُتقن العديد من اللغات إلى جانب لغته الأم الكردية مثل الروسيّة والفرنسية والعربية حيث نراه يترجم رواية “الراعي الكردي” للروائي الكردي عرب شمو والتي كتبها بالروسية إلى الكردية والفرنسية ويتم طباعتها في بيروت. كما ترجم كتاب “بلاد الزنبقة” للأديب الروسي غيورغي بيتروف من الروسية إلى الكردية، أيضاً ترجم العديد من كتب الأديب العربي الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي إلى الكردية، نُشرت نتاجاته وقصائده في الكثير من المجلات الكردية مثل “كلاويج” التي تعني نجمة الصباح والتي كان يُصدرها السياسي والأديب الكردي الكبير إبراهيم أحمد في بغداد وكذلك مجلة “هيوا” التي كانت تصدر من جانب حافظ قاضي.
من أهم قصائده قصيدة الوردة الحمراء التي كتبها سنة 1943 والتي لحنها وغناها الفنان الكردي الكبير جوان حاجو نقتطف منها هذه الأبيات:
قصيدة الوردة الحمراء
الوردة الحمراء
ارتفعت إلى العلياء
فاح العطر حولها
الوردة الحمراء
انتعشت وراء جبل قاف
أحبها العالم كله
* * *
الوردة الحمراء
جميلة لنا
منحتنا العقل
شذاها نشوةٌ لنا
سنفرح بها بحرية
* * *
كما صدرت للشاعر مجموعة شعرية سنة 1957
أهم أعماله القصصية:
“القرية المحدثة” – “بصرى الذهبية” – الأيام الماضية” – “خاتم سليمان” – “الثعلب الماكر”.
أما الأعمال الشعرية: “إن وجدت الصرخة فالشكوى تليها” – “ريا تازه” – “التابوت المدمى” – “الحداد” – “رسالة”
وفاته
توفي قدري جان عن عمر يناهز الواحد والستين عاماً بتاريخ 9 آب 1972 وذلك إثر جلطة دماغية حيث أُجريت له مراسيم تُليق به وأُلقيت فيها العديد من الكلمات ودُفِن في مقبرة الشيخ خالد النفشبندي بحي الأكراد بدمشق، وكتب على شاهد قبره هذه الأبيات الشعرية باللغة الكردية يُقال إنها كُتبت بيد عزت آغا الديركي، بينما يقول آخرون إن كاتبها هو رفيقه الشاعر أوصمان صبري:
“يرقد في هذا القبر جسد
فتى لطيف وناعم
من ديركا -جبل مازي-
يُدعى قدري جان
وألف رحمة على روحه
كان شاعراً كردياً
ومُحباً وطنياً
لم يمهله قابض الأرواح
ضمت الأرض جسده
فأصبح هو الآخر ضحية
فارقنا نحن الكُرد
ذلك المثقف المِقدام”.[1]