ان الكردي دانيش بوطان، صاحب الصوت الشجيّ والحَنجرة الصدوحة، والذي بصوته أدمع عيون الأمهات، له تاريخ عريق في التمرد على الظلم، الذي عانى منه شعبنا، سُجن ثلاثَ سنوات، وغنّى للشهداءِ، وللحريةِ، ولوطنهِ كردستانَ.
التحق دانيش بفرقة بوطان الفلكلورية، منذ أكثر من 26 عاماً، هذه الفرقة، التي قدمت الكثير من الشهداء إلى جانب اهتمامها بالفن الكردي، فاستطاعت أن تكون صوت شعبها.
في لقاء خاص لصحيفتنا “روناهي” مع الفنان الكردي، وعضو فرقة بوطان الفلكلورية دانيش بوطان، تحدث لنا عن مسيرته الفنية، وبعض المحطات الهامة في حياته.
ولد الفنان دانيش بوطان في عام 1973 في مدينة قامشلو، وترعرع في أسرةٍ وطنيةٍ كرديةٍ كادحةٍ، فمنذ صغره اختلج الحس القومي، والفني داخل أعماقه، وامتلك صوتاً فيه الكثير من الحزن، والألم، والقوة، تعرض دانيش بوطان مع أصدقائه إلى حادثة عنصرية من أحد المعلّمين، عندما كان طالباً في المرحلة الإعدادية، وعلى وقع تلك الحادثة، قرر هو وأصدقاؤه رفع العلم الكردي على مبنى المدرسة التي كان يدرس فيها، وعلى أثر ذلك تم اعتقاله من قبل الجهات الأمنية لحكومة دمشق، وسجن لمدة شهرين في مدينة قامشلو، ثم تم تحويله إلى أحد الفروع الأمنية السيء الصيت في العاصمة السورية دمشق، ويدعى فرع فلسطين، وبقي معتقلاً فيها لمدة سنة ونصف، وبعدها تم نقله إلى أحد أسوء سجون العاصمة دمشق، ويدعى سجن عدرا، وظل فيه إلى نهاية عام 1992 ومن ثم أُطلق سراحه، حيث امتدت فترة اعتقاله ثلاث سنوات.
وحول أسباب اعتقاله، تحدث بوطان: “من أجل الغناء وقراءة الشعر باللغة الكردية، ورفع العلم الكردي فوق مبنى المدرسة، سجنت مدة ثلاث سنوات من قبل الأجهزة الأمنية لحكومة دمشق، فقد عانى شعبنا من الظلم والاضطهاد في تلك الفترة، وكان الغناء، وإلقاء الشعر باللغة الكردية، أو رفع العلم الكردي، يعدّه النظام البعثي جرماً كبيراً، ويعاقب عليه، ولكنني حتى بعد اعتقالي، لم أبتعد عن الغناء، بل طورت نفسي في اللغة، والغناء”.
انضمامُه إلى فرقةِ بوطانَ
انضم بوطان في عام 1994 إلى فرقة بوطان الفلكلورية، هذه الفرقة التي، بقيت صامدة، وذات إرادةٍ حرة، فاستطاعت أن تزرع العزيمة، والإرادة في نفوس الشعب الكردي في مرحلة كان فيها الشعب الكردي، ومؤيدو الحراك الثوري الكردي، يعملون كجسد واحد، وبدأ منذ ذلك الحين بالبحث، والتعمق في الفكر، وبناء شخصيته الوطنية، ضمن المجتمع، فعمل لوطنه، ولشعبه، ووضع فنه، وإمكاناته كلها في خدمة شعبه، وحول دور الفنان، وواجبه الإخلاقي يؤكد: “يجب أن يرى الفنان في داخله الحسَّ الفنيَّ والوجدانَ الحقيقيَّ، وأن يكون فنه في خدمة قضيته وفي خدمة تراث وفن شعبه، وأن يدعو للحياة الحرة ولتحرر شعبه”.
فيُعدّ بوطان الفنّ من المقدسات، وعملاً أخلاقياً يحمل مضامين، وأسسَ وجدانية الشعوب، وأن الفن الكردي فن ٌعريق وأصيل، رغم محاولات الأعداء كلها في تشويه، وإنكاره، وتمزيقه، وبالتالي محو، وإنكار تاريخه، فعمل الفنان على إنجاز الكثير من الأعمال الفنية، وغنى الكثير من الأغاني، وأحيا المناسبات القومية، وأعياد النوروز، وبين دانيش بوطان جانبا من ذلك قائلاً: “أنجزت أكثر من 350 عملاً فنياً، ولكل عمل طابع خاص وغاية، ورسالة، في حياتي”.
الصعوباتُ والعراقيلُ…
يواجه معظم الفنانين الكثير من الصعوبات، والعراقيل في بداية مشوارهم الفني، وكذلك كان بوطان، فهو صاحب تاريخ ثوري، وماض موجع، واجهته الكثير من الصعوبات، ومن بينها استبداد السلطة الحاكمة في ذلك الوقت، كما عُرف بحبه لوطنه، وعن ذلك يتحدث قائلاً: “إنني شخص لا يهمني الأمور المادية، أعيش حياة طبيعية، وآخذ مكاناً ضمن هذه الثورة، فاليوم نحن في مرحلةٍ تحقق فيه الكثير من أحلام شعبنا، وأحلامنا، وذلك بفضل دماء شهدائنا، الذين هم جسور الحرية، ونبراس الوطن، فعلينا المقاومة، والسير على خُطا الشهداء”.
فمنذ بداية ثورة روج آفا، عمل دانيش بوطان ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، وأخذ مكاناً في مؤسسة اتحاد الفنانين في روج آفا، وخاصةً إقليم الجزيرة، وسبق له أن انضمّ إلى مركز محمد شيخو للثقافة والفن في قامشلو، ومن ثم انتقل إلى هيئة الثقافة والفن في إقليم الجزيرة، فأنجز الكثير من العمل خلال سنتين، وأردف: “نعمل على تأسيس المؤسسات والأكاديميات الثقافية، كما نعمل على إعداد المشاريع والبرامج الثقافية، ونقوم بالعمل والدور اللذين يقعان على عاتقنا، ونستمر من أجل خدمة الوطن والمحافظة على التراث والتاريخ”.[1]