غاندي إسكندر
في الحادي والعشرين من شهر آذار عندما تزهر الحقول بألوان الحياة، يحتفل الشعب الكردي ومعه شعوب ميزوبوتاميا، والشعوب الآرية، بعيد النوروز، فنوروز هو اليوم الذي تلبس فيه الطبيعة ثوبها المزركش، وهو اليوم الذي وضع فيه الكرد نهاية للظلم والتوحش الذي كان يمارسه الطاغوت “أزدهاك” بحق أبناء الكرد، فقد كان الأطفال الكرد يعيشون في أتون الخوف، ولا سيما أطفال “كاوا الحداد” فالمتجبر “أزدهاك” كان مصاباً بمرض غريب حيث نبتت على كتفيه أفعيان، وحين تكونان جائعتين، فإنه يشعر بآلام شديدة لا تهدأ، حتى يطعمهما دماغي طفلين في كل ليلة، وتقول المصادر أنه قد تم التضحية بستة عشر طفلاً من أصل سبعة عشر من أطفال “كاوا الحداد” لتطعم أدمغتهم لأفعيي “أزدهاك”، وحين جاء دور الطفل السابع عشر والأخير ذبح كاوا خروفاً، وقدم دماغه للملك، وهرّبَ طفله إلى الجبال، وحذا حذوه الآخرون من أبناء الكرد بطريقة منظمة، وحين اشتد عود الأطفال وكثُر عددهم تشكل جيش على يد “كاوا” وتدربوا على فنون القتال في الجبال، وحين دقت ساعة الصفر أعطى كاوا إشارة البدء بإشعال النار في ليلة 20 آذار فوق قمم الجبال، وفي الحادي والعشرين من آذار اقتحم كاوا قصر أزدهاك، وبتر رأسه، وحينها تحققت الحرية، وانتهت أسطورة الطاغية أزدهاك، ومنذ ذاك التاريخ وتحديداً في 612 ق. م يدأب الشعب الكردي على إشعال شعلة الحرية، تلك الشعلة التي أنهت مأساة شعبٍ، وأذنت بتحرر الأرواح من الموت المحتم.
إرادة صنعت من الموت حياة
رغم أن العديد من شعوب العالم تحتفل بعيد النوروز إلا أنه عند الشعب الكردي يوم له بعدٌ نضالي، حيث يتنامى فيه الشعور القومي، فهو بمثابة العيد القومي الكردي، ولأن كردستان أرض الحضارة الميدية تعرضت للاستعمار، وما زالت مستعمرة، فإن منع إيقاد شعلة النوروز كان ديدن الغاصبين لكردستان، فشعلة كاوا كانت تقض مضاجع المستعمرين، ومع تطور النضال التحرري الكردي الذي رافق ظهور حركة التحرر الكردستانية، هذه الحركة التي اتخذت من روح مقاومة الميديين المستلهمة من مطرقة كاوا الحداد، طريقاً، وسلوكاً نضالياً، فالشعلة التي أوقدها شبان ميديا جددتها حركة حرية كردستان؛ عبر قائد المقاومة “مظلوم دوغان” كاوا العصر صاحب الصرخة الشهيرة في سجن آمد “برخدان جيانا- المقاومة حياة” تلك الصرخة التي أرعبت العسكر التركي، وجلادي السجن، وما يزال صداها يسبب قشعريرة الخوف في صدور الطورانيين، لقد أبى نبراس المقاومين في سجن آمد مظلوم دوغان أن يمر النوروز دون إيقاد شعلة “كاوا الحداد” حيث أقدم على إضرام النار بجسده بأعواد الثقاب الثلاثة، الأعواد التي رسمت لرفاق دربه في يوم النوروز طريق الحرية والمقاومة عندما حول سجن آمد إلى أكاديمية صناعة الحياة من الموت.
أجساد طاهرة كسرت قيود الاستعباد
لقد استمر محتلو كردستان في زيادة التقييد ليوم الحرية الكردي، ففي “روج آفا” تعرض العديد من أبناء الشعب الكردي للاعتقال، حيث تم الزج بهم في أقبية السجون، لكن رغم القيود والفتك وشراسة المجابهة كان الشعب الكردي يمارس طقوس نوروز، ويبدي روحاً من المقاومة الفذة، فقد ضحى ابن قامشلو سليمان آدي بحياته في صبيحة النوروز عام 1986وذلك أثناء التظاهرة الاحتجاجية التي قام بها الشعب الكردي إلى القصر الجمهوري في دمشق بعد منعهم من الاحتفال بالعيد، لقد شيدت دماء الشهيد سليمان آدي أرضية لبداية التغيير، فقد صدر مرسوم جمهوري بتعطيل مؤسسات الدولة في 21 آذار بمناسبة عيد الأم، فالأجساد الطاهرة منذ أيام كاوا الحداد مروراً بكاوا العصر “مظلوم دوغان” وزكية ألكان، ورهشان دميرل، وسما يوجه، إلى الشبان الكرد في الحي الغربي بقامشلو “محمد ومحمد ومحمد” الذين كانوا يحتفلون بشعلة نوروز عام 2008 وشهداء كرد الرقة وجرحاها إلى مجزرة الحسكة التي نفذها مرتزقة أردوغان عشية الاحتفال بنوروز في حي المفتي عام 2015 تحولت كلها إلى منارات هداية للكرد وسائر الشعوب المتعطشة للحرية.
نوروز يوم التسامح والتآخي
التاريخ شاهد على أن الشعب الكردي قد ألِفَ الفداء بالنفس في سبيل إعلاء شعلة نوروز، فهو يوم الشجاعة، وصناعة النصر، فأرض كردستان تزداد اخضراراً وعطاءً كلما توقدت نار نوروز وسطع ضياؤها، فبريق الشعلة يدفع بالكرد إلى التشبث بقضيتهم العادلة، وبالرغم من المضايقات وأنهر الدماء المراقة في يوم النوروز لم ينحنِ الشعب الكردي، وأصر على المقاومة والصمود، والآن وبعد أن تكللت ثورة “روج آفا” بالنجاح وبُنيت إدارة ذاتية لشمال وشرق سوريا تحول النوروز إلى يوم للسلام، وعنوان لتآخي الشعوب والقوميات، وغدا رمزاً من رموز انتصار الخير على الشر، وبداية عهد جديد من عهود الانعتاق، فشعوب شمال وشرق سوريا يتخذون من معاني نوروز ويوم الحادي والعشرين من آذار معاني الأخوة الحقيقية، والتعايش المشترك، وفق مبادئ الأمة الديمقراطية، وهو يمثل يوم الحفاظ على المكتسبات ودحر المحتل الذي يريد أن يعيد أيام “أزدهاك” من خلال الطاغية أردوغان.[1]