عبد الرحمن محمد-
يعتبر الخوض في موضوع الكرد عموماً والكرد في سوريا خصوصاً نوعاً من المغامرة، وعلى الأقل حتى قبل عقد من الزمن، لأن مجرد الحديث عن الكرد كان من الممنوعات، بل والمحرمات المجرَّمات، فكيف بالحديث عن تاريخ الكرد وثقافتهم وتراثهم؟!
في كتاب “الكرد في سوريا 1920 – 1946” الجزء الأول، للكاتب الاستاذ فارس عثمان بحث في تاريخ الكرد بشيء من التفصيل الواقعي وهو من الكتب القليلة التي تقارب هذا الموضوع، وفيه يتناول الكاتب مرحلة دقيقة من تاريخ سوريا عامة وهي من 1920 ولغاية 1946 وهي فترة ربع قرن من الزمن كانت فيه سوريا رازحة تحت نير الاحتلال، وكانت فترة عصيبة أعقبت أربعة قرون ونيف من الاحتلال العثماني، وما كان فيها من نضال ونضوج فكري ووعي قومي.
لم يكن الكرد بمعزل عن الحراك العام السوري، سواء منه السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي والاجتماعي الفكري، بل كانوا فاعلين ومتفاعلين، يتناول الكاتب الكثير من تلك الجوانب الهامة، ومن ذلك أصل التسمية ودور الكرد التاريخي عامة وفي سوريا خاصة، وإبان الانتداب الفرنسي، والجمعيات والنوادي الكردية، ويتطرق في فصل من فصول الكتاب إلى دور الكرد في الصحافة السورية، وكذلك يفرد فصلاً خاصاً لبعض العادات والتقاليد الكردية، ولا يفوته التعريف ببعض الشخصيات الوطنية والثقافية الكردية.
في أصل التسمية يورد الكاتب آراء عدة عن ذلك، ومنهجه في ذلك – وهو الأصح – الرجوع إلى مصادر عدة ومناهل كثيرة كي يوازن بينها القارئ، ومن تلك الآراء ما يذهب إلى أن الاسم مشتق من “آشور- آسيريا” ويبين سبب ذلك، فيما يورد رأي من يخالف ذلك، ومن تلك الآراء ما يقول بها المؤرخ اليوناني هيرودوت “استخدم المؤرخ اليوناني هيرودوت اسم سوريا للدلالة على المنطقة الممتدة بين جبال طوروس شمالاً إلى صحراء سيناء جنوباً بما فيها فلسطين وفينيقية”، ويورد الأسماء الأخرى التي أطلقت على سوريا حتى عهد الاستقلال، مبيناً أن سوريا الطبيعية كانت بمساحة 320 ألف كيلو متر مربع، بينما مساحة سوريا الحالية 185180 كم2”. أما عن دور الكرد التاريخي في سوريا يورد الكاتب الكثير من الحقائق والمعلومات حول من سكن سوريا منذ مطلع التاريخ ولا يفوته أن يعرج على الأهمية التاريخية والاقتصادية والجغرافية لسوريا عبر التاريخ، ولذلك فإن شعوباً مختلفة قد استوطنتها وإن أمماً وشعوباً قد هاجرت إليها، وفيما يخص الكرد يقول: “سكن الهوريون – الخوريون – الحوريون – والميتانيون- سوريا منذ الألف الثانية قبل الميلاد، وهم من جبال زاغروس القديمة وهم الأجداد القدماء للشعب الكردي، فقد استقر الحوريون في سوريا وأسسوا فيها مجموعة من الممالك سيطرت عليها وعلى معظم المنطقة ردحاً من الزمن”.
يمضي الكاتب في حديثه عن تاريخ الحوريين وظهورهم ودورهم في سوريا على مر التاريخ وبخاصة إبان توسع المملكة الحورية وسيطرتها على معظم سوريا والممالك الساحلية الفينيقية كمملكة أوغاريت، حتى أطلق المصريون عليها في عهد الدولة الحديثة 1575 – 1087 قبل الميلاد “بلاد الحوريين”، ويتناول علاقات المملكة مع المصريين والجوار وما تلاها بشكل مفصل من مراحل هامة لدور الكرد في سوريا كما في العهد الأموي والعباسي وقيام الدويلات والإمارات الكردية، الدولة الدوستكية 982-1094 ميلادية التي أسسها باد بن دوستك، كذلك الدولة الأيوبية 1171 – 1250 ميلادية، التي أسسها صلاح الدين الايوبي في مصر وبلاد الشام، وتواجد الكرد منذ القدم في شتى المناطق السورية من دمشق إلى حلب مروراً بحماه فحمص والجزيرة، مبيناً جوانب من دورهم في بناء سوريا ودور الأمراء والزعماء والشخصيات الوطنية الكردية في تاريخ سوريا الحديث حتى فجر الاستقلال.
من الفصول الهامة في الكتاب الفصل الذي يتحدث فيه الكاتب فارس عثمان عن دور الكرد في الصحافة السورية ويتناول فيه دور الكرد في الصحافة السورية منذ بداياتها الخجولة في ظل الاستبداد العثماني مروراً بالعهد الوطني فعهد الانتداب، كصحيفة المقتبس التي أصدرها محمد كرد علي عام 1908 لتكون أول جريدة يومية تصدر في سوريا، وكيف ازدهرت الصحافة في سوريا إبان حكم الملك فيصل بن الحسين وبخاصة بعد لقاء الأخير مع رؤساء تحرير الصحف والطلب منهم توجيه الراي العام نحو تأسيس نظام استقلالي وطني في سوريا، مما يدل على الفهم الصحيح لدور الصحافة في توجيه الرأي العام.
ويشير الكاتب إلى نقطة هامة في مشاركة مثقفي الكرد في الصحافة الوطنية، ومنها مجلة نور الفيحاء التي أصدرتها نازك مصطفى العابد عام 1920م، وكانت مجلة سياسية اجتماعية أدبية اهتمت بشؤون المرأة بالدرجة الأولى ومشاركتها في الحياة الانتخابية البرلمانية فكانت بذلك اول امرأة سورية تتجرأ للمطالبة بهذا الحق، كذلك العديد من الصحف والمجلات، منها على سبيل التذكير لا الحصر صحيفة “جحا” الأسبوعية ورئيس تحريرها محيي الدين شمدين عام 1911م، صحيفة الأصمعي لخير الدين الزركلي عام 1912م. و”لسان العرب” و”المفيد” و”الشرق” و”وادي بردى” و”حط بالخرج” وغيرها.
ولا يفوت الكاتب أن يفرد بعض المساحة لمجلة “هاوار” التي صدرت في الفترة 1932-1943م. حيث كان العدد الأول منها في 15 أيار 1932م. وباللغتين الكردية والفرنسية، وكانت المرة الأولى التي تطبع فيها مطبوعات باللغة الكردية وبأحرف لاتينية وتضمن العدد الأول تعريفاً موسعاً بالمجلة وأهدافها، وكذلك نشرت فيها الألف باء الكردية بأربع لغات، هي العربية والفارسية والتركية والفرنسية، وكان الهدف منها الاهتمام باللغة الكردية والأدب والفكر والتراث الثقافي والموروث الشعبي، واستطاعت المجلة استقطاب الجماهير الكردية رغم انتشار الأمية والفقر: “وجدت هاوار مكاناً لها بين الكرد منذ صدور العدد الأول، نظراً لمكانة صاحبها ورئيس تحريرها الأمير جلادت بدرخان وعائلته بين الشعب الكردي في أرجاء كردستان وخارجها”.
ولمكانة مجلة هاوار يتحدث عنها الكاتب بإسهاب في عدة صفحات ثم ينتقل إلى مجلة “روناهي” التي أصدرها أيضاً الأمير جلادت بدخان بين عامي 1942-1944م, وصدر منها 28 عدداً باللغة الكردية وباللهجة الكرمانجية والحروف اللاتينية، وكانت تحمل الكثير من أخبار المعارك الضارية التي كانت تدور أثناء الحرب العالمية الثانية، وحملت مواضيع شيقة استطاعت من خلالها الانتشار والاستقطاب الجماهيري.
ويتحدث الكاتب عن التحول الكبير في مسيرة المجلة بالقول: “اعتباراً من العدد الثاني عشر الذي صدر في الأول من آذار 1943 طرأ تغيير كبير على مضمون المجلة، حيث تم وضع صورة كردية على غلاف المجلات، تمثل مجموعة كبيرة من الطلاب الكرد من باشور كردستان، وتم لأول مرة إدراج فهرس لمحتويات المجلة على الصفحة الأولى وتم تذييل الأخبار والمقالات والأبحاث والدراسات بأسماء أصحابها، وتحولت روناهي من مجلة خبرية مصورة إلى مجلة ثقافية وأدبية واجتماعية كردية”.
في الفصل الأخير من الكتاب يشير الكاتب إلى بعض العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع الكردي في سوريا ومنها بعض العادات والتقاليد في الزواج والأعياد والمناسبات الدينية، والحياة الاقتصادية والزراعة وجوانب منها، ثم يعرج على المهن اليدوية والحرفية، مشيراً إلى واقع ذلك: “لم يكن هناك صناعات بمعنى الصناعة في بداية القرن العشرين، وحتى خلال فترة الانتداب الفرنسي في المناطق الكردية من سوريا، إنما كانت هناك بعض الحرف والمهن اليدوية التي توارثها الكرد عن آبائهم وأجدادهم، والتي تعلموها من اليهود والأرمن وفيما بعد من السريان” ويشير هنا إلى انتشار لحرفتي النجارة والحدادة اللتين اقتصرتا على اللوازم اليومية، سواء العمل اليومي الزراعي أو الأدوات المنزلية كصناعة الأبواب والشبابيك والمحاريث والملاعق والطناجر والقدور وغيرها، وصناعة الفخار ودباغة الجلود وغيرها، وهي صناعات خفيفة يدوية في مجملها.
أما عن الشخصيات الكردية التي كان لها دور بارز فيذكر الكاتب فارس عثمان بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر، فالكثير من الشخصيات كان لها دور بارز ومفصلي في المجتمع الكردي والسوري وفي الحياة السياسية والثقافية منوهاً بدورهم الريادي الذي تضيق الصفحات والكتب لذكرها وحصرها، ومن الشخصيات التي يتناولها كأمثلة على ذلك “الرئيس محمد علي العابد، إبراهيم هنانو، جلادت بدرخان، حاجو آغا، جكر خوين، أوصمان صبري… وسواهم”، وينهي كتابه بذكر المراجع والمصادر التي اعتمد عليها لتكون في متناول يد من أحب التوسع وطلب المزيد.
كتاب “الكرد في سوريا- الجزء الأول 1920- 1946” كتاب غني قيِّم بما يحتويه من معلومات مؤكدة وموثقة بالمصادر والمراجع، وقد عمل عليه الكاتب بطريقة بحثية استقصائية منهجية بمصداقية عالية وحيادية، ربما ساعده في ذلك دراسته الأكاديمية للتاريخ، وقد جاء الكتاب في حوالي 300 صفحة من القطع الوسط، من منشورات مكتبة مانيسا، فيما لوحة وتصميم الغلاف لآلان أوصمان، وصدرت الطبعة الأولى عام 2019م.
أما الكاتب فارس عثمان فهو مواليد قامشلو عام 1960، حاصل على إجازة عامة في التاريخ ومهتم بالتاريخ الكردي وله عدد من المؤلفات الهامة، منها: زرادشت والديانة الزرادشتية، الكرد والأرمن والعلاقات التاريخية، كردستان أول صحيفة كردية، تفجير قامشلو الإرهابي 27 .7 . 2017، الكرد في سوريا، يكتب وينشر في العديد من الصحف والمواقع العربية والكردية.[1]