حاوره: طارق كاريزي
تاقانة، كلمة كوردية تعني الوحيد او الفريد. اسم على مسمى، فالكاتب والمترجم والمحقق والباحث الكوردستاني احمد تاقانة يعد احد اعلام الادب والثقافة الكوردية في كركوك. يكتب وينشر منذ اكثر من نصف قرن، اشتهر بكتاباته الرصينة وترجماته البديعة وتحقيقاته الموثوقة. يجيد الى جانب لغته الكوردية، كل من العربية والتركية (العثمانية والحديثة) مع شيء من الفارسية ولغات اخرى.
التحاور مع تاقانة يقودك نحو شعاب الادب واللغة والتاريخ والفنون ايضا. تشرّفنا بزيارته الى مكتبة كاريز لعدة مرّات. واثناء كل زيارة له تدور بيننا احاديث ونقاشات حول الادب واللغة والترجمة، من دون ان تغفل فيها عالم الصحافة والاعلام ومواضيع اخرى كالفنون والحضارة. فالاستاذ احمد تاقانة اديب ذو اهتمامات شتى. قادته الذكريات الى سبعينيات القرن الماضي عندما كان يعيش في بغداد وعمل في ارشيف جمعية الثقافة الكوردية هناك، فقال:
-كنا ثلة من الاصدقاء نمضي الكثير من الاوقات خصوصا اوقات بعد الظهر في شوارع ومقاهي العاصمة بغداد. اقترح علينا احد الاساتذة الذهاب الى مبنى جمعية الثقافة الكوردية، واوضح لنا بان الفائدة من ذهابنا الى هناك ستكون كبيرة. وبالفعل ذهبنا في اليوم التالي الى مقر الجمعية والتقينا بعدد من الادباء والكتاب الكوردستانيين. ومع مرور الايام عقدنا علاقات صميمية مع النخب الكوردستانية المقيمة آنذاك في بغداد وتعرّفنا على الاساتذة من الاجيال التي سبقتنا وازدادت دائرة اطلاعنا الثقافي والاجتماعي سعة وغنى.
*هذا يعني ان الجمعية كانت بمثابة النادي الثقافي للادباء والكتاب الكورد؟
-حقيقة كانت بغداد آنذاك بمثابة حجر الزاوية بالنسبة للثقافة الكوردية. الاغلبية العظمى من المثقفين الكورد والاكاديميين والنخب الفنية والثقافية الكوردية كانت تسكن بغداد، واكبر المؤسسات الثقافية والاعلامية والاكاديمية الكوردية كانت موجودة في بغداد، مثل المجمع العلمي الكوردي، دار الثقافة والنشر الكوردية، اذاعة بغداد الكوردية، قسمي اللغة الكوردية في كليتي الآداب والتربية، كل هذه المؤسسات الحيوية استوجبت ادارتها وانجاز اعمالها وجود الكوادر الكوردية الاكثر امكانية، وبذلك شكلت بغداد آنذاك نقطة جذب كبيرة بالنسبة للثقافة الكوردية.
*وماذا عن المطبوعات الكوردية التي كانت تصدر آنذاك؟
-ان القوانين العراقية الخاصة بالمطبوعات والنافذة آنذاك كانت تقتضي خضوع كل كتاب يصدر من المطابع العراقية الى الرقابة، من دون اذن مديرية رقابة المطبوعات لم يكن باستطاعة اية مطبعة طبع كلمة واحدة من كتاب. وكانت مديرية الرقابة تنقسم الى قسمين، قسم رقابة المطبوعات العربية وقسم رقابة المطبوعات الكوردية. ومع كون الثقل الثقافي والاعلامي على مستوى عموم العراق قد استقطبته بغداد، فالسلطات والصلاحيات الثقافية ورسم او تحديد اطر السياسة الثقافية (والاعلامية ايضا) في البلد، كانت محصورة في العاصمة بغداد. كل ذلك الى جانب تركز تقنيات الطباعة والمطابع في العاصمة ايضا، جعل من بغداد المصدر الاساس للثقافة الكوردية ومطبوعاتها. المطابع آنذاك كانت محدودة في كوردستان، فمدن مثل اربيل وكركوك والسليمانية كانت فيها مطابع قليلة وقديمة لا تستطيع تلبية حالة الانتعاش التي كانت تعيشها الثقافة الكوردية بين فترة واخرى او ان تلبي الاقبال المتزايد للنخب الثقافية على نشر نتاجاتهم رغم القيود الرقابية وقلة الامكانيات المادية.
*وماذا عن نشاطات الجمعية؟ هل كان لها حضور فاعل في الوسط الثقافي في بغداد؟
-سبق وان اشرت الى ان مدينة بغداد كانت ومنذ بدايات تأسيس الدولة العراقية قبل قرن من الآن بمثابة الحاضنة للثقافة الكوردية، وهذا حتّم تواجد النخب الثقافية والادبية والاعلامية والاكاديمية والسياسية والوظيفية الكوردية وكذلك كبار الحرفيين والتجار الكورد هناك. وبذلك كان الكورد آنذاك (سواء القادمون من مناطق كوردستان او الكورد من سكنة بغداد الاصليين) كانوا يشكلون نسبة كبيرة من سكان العاصمة. ومن هنا فان كل شيء متعلق بالكورد كان يجمع حوله نسبة كبيرة من سكان بغداد ان كان ذلك من باب الاحتفاء بالمناسبات الكوردية والكوردستانية او تقديم الفعاليات الفنية والثقافية وعقد الندوات والاجتماعات وكذلك الفعاليات الاجتماعية. وقد كان لجميعة الثقافة الكوردية كاحدى المؤسسات الثقافية الكوردية الفاعلة اسهاماتها في هذا المجال. فقد كانت تقيم الجمعية الندوات والاماسي الثقافية وتقدم التسهيلات لتقديم العروض المسرحية واقامة المعارض الفنية.
*مازال الكثير من اسرار او انجازات الثقافة الكوردية في العصر الاسلامي والعصر الذي سبقه مجهولا او هو طي النسيان. نعلم ان لك في هذا المجال بحوث وصولات تحقيقية، هل لك ان تنيرنا بما توصلت اليه حتى الآن؟
-من المؤسف ان نلاحظ حالة طمس مستمرّة بحق الثقافة والحضارة الكوردية والكوردستانية، حالة استحواذ وسياسة مصادرة تتبع ازاء الموروث والثقافة الكوردية. نقطة انطلاقي للتحقيق والتقصي هي مخطوطة ل(ابن وحشية) وهو في الشام حيث يقول فيها، بانه شاهد 30 مخطوطة كوردية في بغداد، ويؤكد بان اثنان منهما مازالتا لديه ويحتفظ بهما، احداها تتعلق بكيفية البحث عن المياه الجوفية وحفر الآبار. واورد ابن وحشية ايضا رسوم الاقلام الكتابية، وذكر من بينهما قلمان كورديان، ويقصد ابجديتان كورديتان. والسؤال هنا هو، طيب ما الذي جرى لهذه المخطوطات التي تحدث عنها ابن وحشية، واين التراث المدون بالاقلام الكوردية، اي المدونات والمخطوطات المكتوبة باللغة الكوردية وابجديتها او ابجدياتها؟ سبق وان نشرت بالكوردية بحثا مفصلا حول ذلك في مجلة (واتة)، وانا الآن بصدد مواصلة البحث عن خفايا حضارة كوردية تم اخفاؤها او طمسها او سلبها.
[1]