يان سلمان (مواليد مدينة كركوك) تقيم في العاصمة الفرنسيّة باريس، حيثُ عملت هناك في قناة تلفزيونية كردية، كما شاركت في تحرير إدارة مجلة (كونسيبت) وساهمت في إنشاء مجلة (المرأة المعاصرة)، إضافة إلى تخصيص صفحة أسبوعية (أدبية وفنية) في صحيفة (كوردستانی نوی)، وتعمل حاليًا رئيسة تحرير لمجلة (ترانسكولتور).صدرت لها العديد من الروايات ودواوين شعر، نذكر منها: اغتراب رأس وانهيار الصور (شِعر 1994)، ميراث دافن موتى (قصة طويلة 1996)،. و غيرها...
حاورها: عماد الدين موسى
تنتظر الكاتبة والمُترجمة الكُرديّة بيان سلمان صدور أعمالها في طبعات جديدة خلال العام الحالي، بالإضافة إلى ترجمةِ بعضها إلى لغات عديدة، منها العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والفارسية.
تقيمُ سلمان (مواليد مدينة كركوك) في العاصمة الفرنسيّة باريس، حيثُ عملت هناك في قناة تلفزيونية كردية، كما شاركت في تحرير إدارة مجلة (كونسيبت) وساهمت في إنشاء مجلة (المرأة المعاصرة)، إضافة إلى تخصيص صفحة أسبوعية (أدبية وفنية) في صحيفة (كوردستانی نوی)، وتعمل حاليًا رئيسة تحرير لمجلة (ترانسكولتور).
صدرت لها العديد من الروايات ودواوين شعر، نذكر منها: اغتراب رأس وانهيار الصور (شِعر 1994)، ميراث دافن موتى (قصة طويلة 1996)، بوراق (رواية 2008)، أسلاف ميديا (رواية 2011)، المملوك خزنة (رواية 2012)، من أعالي الأسوار (رواية 2013)، ليالي آدم (رواية 2015)، ذاكرة عطر ونار (رواية 2017)، البحر والحلم الخفي لمرجان (رواية 2019)، وتهبط الطيور أيضًا (رواية 2020).
نالتْ جائزة الرواية في كردستان العراق عام 2016، وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد السياسي من جامعة بغداد، ودبلوم الدراسات العليا في الأدب الفرنسي والأدب المعاصر في جامعة باريس الثامنة.
هنا حوار معها:
(*) أنتِ من مدينة كركوك التي تشكل بؤرة أزمات مركبة تاريخيًا. ثمة تجاذب هوياتي بين المكونات الأهلية التي تقطنها، ونزعة نحو الاستفادة من التنوع الثقافي الذي تتميز به هذه المدينة. هل يمكن أن يكون لهذه العناصر أثر خاص على الأدب الذي يصدر في هذه المدينة؟
- بالطبع. التنوع الثقافي مصدر مهم لا غنى عنه في الاستلهام. فعند قراءة بعض نصوص كتاب كُرد أو غيرهم في العالم نرى هذا الفرق وبؤس الكتابة التي لا تتجاوز المحلية. بهذا المعنى، لا أقصد أن لا نكتب عن مواضيع تنبع من صميم حياتنا اليومية والأحداث التي تمر بها المنطقة، بل أقصد كيفية معالجة هذه الصبغة والصيغة المحلية بحيث تتحول إلى عالمية تخص الإنسانية عموما. لكي ننجز هذا، مهم جدا ولا استغناء عن التعايش بين تنوع ثقافي متبادل، يؤثر ويتأثر، فهذا هو المصدر والنبع في الآن ذاته.
(*) في روايتك ذاكرة عطر ونار تؤرخين سيرة هذه المدينة من خلال عائلة كردية إقطاعية كبيرة. وتبدأ الأحداث فيها منذ بداية القرن العشرين، علمًا أن أول استخراج للنفط في المدينة أيضا كان في 1927. هل يمكننا القول إنك تجعلين من رمزية النار المتعلقة بآبار النفط، بداية لتاريخ النزاع والاختلاط الهوياتي، وتحول المدينة إلى حالتها المعقدة الراهنة.
- قبل كل شيء الإقطاعية نظام له تعريف دقيق فلا نستطيع أن نقول إن تلك العائلة إقطاعية، بالأخص أنها في مرحلة مبكرة جدا من تأريخ المنطقة جردت من ممتلكاتها وكل ما بقي لها هو ما جنته من عرق أكتافها وليس على أكتاف الآخرين وهذا عكس الإقطاعي. بالعكس فهي مرحلة، كما وصفها الكاتب الناقد (اوات محمد أمين)، بداية للتمدين وظهور المدنية بصفتها الحضرية وبكل ما تحمل في حوزتها من تواؤم وتبادل الاحترام والتفاهم، ولكن أيضا الخلافات والأضداد وربما التناحر. ومن هنا يبدأ أيضا التجانس والاندماج والاحتكاك والخلافات. الخلاف لا يتم بين المتشابهات بل المتضادات وتنشأ عنها أفكار جديدة وإبداع في كل المجالات بالطبع لمن يرغب التنور والاستفادة ويؤمن بالتغيير والتجديد.
(*) لماذا لا نعثر على عطر آخر غير الدخان في معظم الرواية؟
- كيف لا نعثر على عطر آخر؟ الدخان في هذه الرواية تحصيل حاصل العطر الحقيقي الملازم لسرد الأحداث. فكل فصل مقسم حسب عطر وتذوق وطعم (الأترج)، أو ما يسمى أيضا (كَبّاد)، وهو من الحمضيات المعروفة.
صنعة الرواية معقدة وصعبة للغاية حتى عند الكتاب الكبار الكلاسيك، لها مقومات دقيقة وأحكام
في اليونانية تسمى (تاليتيوس) أي ترياق السموم. والتسمية ليست بريئة ولا اعتباطية من قبلي، بل مقصودة واختيار لما يحمل هذا الحمض من التضاد بين الحلو والحامض والمُرّ فيلائم المسرود. فسلسلة الأحداث تستمد مضمونها في كل فصل من تغير نضج تلك الفاكهة، وكما قال أستاذ الادب الدكتور (محسن عمرو) بأن تركيبة الشجرة ذاتها تتعلق بالسرد والاستاتيكية الملازمة للرواية. ولأعود إلى الدخان، فهنا الدخان المواكب للطعم، هو دخان نار تسمى في كركوك (النار الأزلية) حسب ما كان النظام البعثي يحبذ تسميته. من هنا، فدخان النيران المتعالية من الآبار النفطية في كركوك لم يكن بعيدا جدا عن المناطق السكنية في السابق، فكان بإمكاننا رؤيته من فوق السطوح. لذا، من خلال حوار الشخصيات الرئيسية، نتعرف على حقيقة مشاعر الآخرين، بأن الكرد لم ينلهم إلا الدخان الأسود المتلبد وبالأخص على لسان شخصية (سپاردە) التي تمثل الحب العبثي والمتروك لمصيره، وهي الطفلة التي رميت عند باب (باجة خان)، تلك المرأة القوية التي لم تتزوج أبدا، فقامت بتبنيها لتكون ابنتها رغم معارضة الآخرين. هذه التشكيلة من نساء ورجال، يأتون ويذهبون، منهم من يموت ولن يبقى إلا الأشباح. وهؤلاء جميعا ليسوا إلا نماذج متقاربة من خلال العطر، الذي يمثل الخيال والسرد، ومن النار التي تمثل الملموس المُعَاش والواقعي.
(*) أفرزت مدينة كركوك أسماء أدبية مهمة في الثقافة العراقية، كزهدي الداودي وعبد الله البرزنجي وسركون بولص وفاضل العزاوي وجان دمو وطيّب جبار... إلخ. وأنت تنتمين إلى الجيل الذي جاء بعدهم. هل ثمة استمرارية في النشاط الثقافي هناك، أم أن الحالة الثقافية فيها صارت محكومة بالأوضاع الأمنية والسياسية. بصيغة أخرى، هل يمكن للسياسة أن تدمر الثقافة في مدينة لا خيار أمامها سوى في التعايش الثقافي كما تقول شخصية باجه في روايتك التي سلف ذكرها؟
- الثقافة في حركة دائمة رغم الركود الظاهري. فالحياة لا تتوقف، لكن ليس من السهل العمل بصفة مستقلة في منطقة مشحونة بسبك المؤامرات. ممكن القول إن الثقافة تواجه خطرا وغياب كتابات تنتجها أفكار حرة ومستقلة. وهذا لم يتغير منذ الحقبة البعثية إلى اليوم. ورغم الادعاءات المضادة، فالفترة التي تواجَدَت فيها السلطات الكردية في كركوك، وبرغم الفساد الإداري والسياسي، استعاد فيها السكان ثقتهم بالمنطقة وكل القوميات شاركت في الحركة الثقافية في تلك الفترة القصيرة، بل وعرفنا أسماء كتاب لم نعرفهم من قبل. ولو قمنا بإجراء مقارنة سنجد مدى ازدهار وتوسع ونشر النتاجات والنشاطات الثقافية المتنوعة حينه.
(*) ماذا عن علاقتك بالمكان، وتحديدًا كركوك وباريس؟
- علاقتي بالمكان علاقة تبادل وتحاور أيضًا. قضيت نصف عمري، فترة شبابي إن صح القول، في كردستان والنصف الآخر وما بقي لي أعيشه بدقائقه في باريس. فإن تكن كردستان موطني وحاملة هويتي واسمي، وجزءا مهما من تأريخي، فباريس الآن هي مركزي الحالي وتنسج تأريخي الحاضر، وأتشبع من المكانين وأستلهم من النبعين، نبع الحب الفطري الأمومي، ونبع الأم المتبنية لأنسج تأريخي القادم. فحب كهذا لا ينضب ولا ينقطع بسبب البعد، بالعكس نأخذ مسافة من كلا المكانين لننظر مرة أخرى من بعيد ونرى بشكل أفضل لنقترب أكثر منهما، ولن أقول للوصول إلى الحقيقة، فهذا أمر عبثي. فأحيانا الحقيقة أمامنا ويغمرها الضباب فنغرق فيها لنبحث عنها من جديد. لكن تبقى شعلة الأمل دائما متوهجة.
(*) بعد هيمنة الشعر على المشهد الأدبي في كردستان العراق، عبر أسماء كلطيف هلمت وشيركو بيكە س، وعبد الله پە شيو، بدأت الرواية تأخذ تلك المكانة، وأصبحنا نتلقى تجارب روائية أكثر في المشهد الأدبي، كتجربة محمد فريق حسن وبختيار علي وأنت وشيرين كامل... إلخ. هل نستدل من ذلك أن الرواية أصبحت هي التي تمثل الأدب الكردي الحديث؟
- الأدب الكردي واسع وغير منحصر في الشعر والرواية. لكن الرواية تأخذ اليوم مسارا كبيرا كما في العالم أيضا. هنالك مادة في جعبتك وتود سرده للقراء. لكن هذا لا يعني أن كل من كتب على غلاف كتاب ما رواية أصبح روائيًا. فصنعة الرواية معقدة وصعبة للغاية حتى عند الكتاب الكبار الكلاسيك، لها مقومات دقيقة وأحكام وإن لم نكن على دراية بها سيكون مصيرها الخمود.
(*) تكتبين باللغتين الكُرديّة والعربيّة بالإضافة إلى عملك في مجال الترجمة عن الفرنسيّة؛ أين تجدين نفسك أكثر؟
- أجد نفسي في كل منهما. وكما قلت في إحدى مقابلاتي كل منهما مكمل للآخر والرواية بالنسبة لي إزالة غبار عن أحداث متراكمة وأحيانا قيد التسجيل. والترجمة عمل حفريات وربما نبش في كنز مدفون تحاول تقديمه بشكل مقبول من خلال العمل على اللغة والتقنية ورؤية مُقَدَمَة من الكاتب. فشخصية الكاتب تتبلور من خلال كل هذا التزاوج ويغني تجربته الخاصة في الكتابة.
(*) آخر الكتب التي ترجمتها عن الفرنسية كان مسرحية وحيد القرن ليوجين يونسكو وقد ترجمت أيضا لسليم بركات. كيف تقومين باختيار الكتب التي تترجمينها عن اللغات التي تتقنينها إلى اللغة الكردية؟
- إما أقوم بنفسي باختيار ما أراه مناسبًا لأهمية المحتوى ومكانته في الأدب العالمي، أو يُقْتَرحْ عليّ كتاب ما. هذا يخص ترجمة الشعر أيضًا. ولكني أُفضّل أن أختار أنا كون دور النشر تعمل كمتحف لكتب كلاسيكية ولكتب تحصل على جوائز، لست ضد هذا، فالأدب العالمي خزينة، لكن هناك كتب مهمة وتستحق الترجمة.
(*) كيف تنظرين إلى واقع الرواية الكُرديّة؟
- بصفتي روائية، لا أسمح بأن أنصب نفسي كحكم في لجنة تقييم كتابات الآخرين وبالأخص أرفض الطعن في أي منهم. أرى أن الزمن هو الحَكَم. لطالما سمعنا وعرفنا عن كُتّاب شردوا وفي البدء رُفِضَتْ نتاجاتهم ولكن الآن، هم، من نقرأ لهم. فلنلتزم بهذه الفكرة التي فيها حرية الفكر ولا نجعل من ذاتنا إلهًا محصنا عن الخطأ. هذا لا يعني أن نقبل بأدب مبتذل لا يدخل في أي مقياس أدبي!
diffah.alaraby.co.uk[1]