الفنان حسين عبدالكريم شيخاني من مدينة كركوك كان اول المبادرين في عرض عدد من لوحاته التي تتناول الكورونا، حيث عرض على صفحته في موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي لوحات اوضحت ما اراد ان يقوله حول هذه الاسطورة...
طارق كاريزي
كنا نسمع من آباءنا واجدادنا قصص الاوبئة والامراض التي ظهرت في كوردستان وابادت الكثيرين من بني البشر في هذا البلد الامين الذي وصف في الكتاب الكريم لجهة رسوّ سفينة النبي نوح (ع) بالارض او البلد المبارك. ولعل الحقائق او على اقل تقدير المعلومات التي تنقلها المصادر التأريخية عن انتشار الاوبئة والامراض الفتّاكة في المدن والبلدان المختلفة واهلاك الالوف المؤلفة من البشر فيما مضى من القرون الخوالي، كانت بمثابة الداعم لادعاءات الاباء والاجداد حول ظاهرة انتشار الاوبئة والامراض، مع هذا فاننا افراد الاجيال الحديثة كنا ننظر الى سرديات من سبقونا من الاجيال وكأنها حكايات واساطير هي من حبكة الخيال ليس الا، من دون ان ندرك ان في الاسطورة لب الحقيقة وبصور شتىّ.
آخر وباء اجتاح العالم (بغض النظر ان كان من صنع البشر ام من افرازات الطبيعة) قد هزّ اركان العالم وما فيه من دول صغرى وعظمى واربك المجتمعات بشرقيّها وغربيّها. كورونا احد اساطير القرن الحادي والعشرين ظهر في فترة اخذ الانسان فيها يشعر بان العلم والتفكير العلمي ومخرجاتهما التقنية هي من القوة والمتانة بحيث باتت تشكل اسوارا عملاقة لحماية بني البشر، وما سور الصين العظيم امامها سوى جدار متواضع يمتد لآلاف الكيلومترات ليس الا، او قد تصبح هذه القوّة المكتسبة تحت ظلال المخرجات التقنية للتفكير العلمي في حال تسيّد المجانين والمغرورين والعناترة القرارات الاممية العابرة للقارات، وبالا وتهديدا في منتهى الخطورة على بني البشر، انه باختصار سيف ذو حدين. كورونا اسطورة قرننا الحالي (والاصح احد اساطيرها) اثبت وبقوّة بان السطوة واليد العليا في كوكب الارض مازالت للاسطورة وليس للعلم واي مجالات اخرى. فالرعب الذي زرعه السيد كورونا قد ارتعدت ازاءه الاركاب في العظمى من الدول قبل دول الهوامش والدوائر الثانوية. اذن نحن امام اسطورة ستترك بصماتها على التفكير البشري ورؤية العقل الانساني للطبيعة والحياة وفلسفة الوجود والمآلات.
الفنانون التشكيليون هم احد الشرائح الاكثر حساسية امام المشاعر الانسانية، يعبرون عن خلجات النفس والانفعالات التي تجتاحهم بما لديهم من اسباب التعبير وتقاناته. اجواء العزلة وحجب الحركة عن الناس قد شلّت مختلف مرافق الحياة بعد انتشار كورونا، عليه فمن باب الاستقراء نستطيع ان نقول لابد وان يترك هذا الوباء الاسطوري بصماته على نتاجات التشكليليين الذين تعذر عليهم عرض المفترض من نتاجاتهم المتعقلة باسطورة العصر كورونا في القاعات والغاليريات، لكن المقبل من الاسابيع والاشهر ستظهر الكثير مما انتجه الفنانون التشكيليون وهم يتناولون هذا الوباء الاسطوري وتداعياته الانسانية.
الفنان حسين عبدالكريم شيخاني من مدينة كركوك كان اول المبادرين في عرض عدد من لوحاته التي تتناول الكورونا، حيث عرض على صفحته في موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي لوحات اوضحت ما اراد ان يقوله حول هذه الاسطورة.
كتب في رسالة الكترونية موضحا لي منجزه الفني رسمت صورة الوجه المقنع بالوان الاكريليك مستخدما الازميل لتوزيع الالوان على طبقة من الورق بحجم (32 في 25)سم، اما اللوحة الثانية فقد رسمتها بالالوان المائية على طبقة من الورق مستطيلة الشكل بقياس (30 في 22)سم.
مادة اللوحة (الارضية والالوان المستخدمة) وكذلك تقنيات الرسم هي بالتأكيد مهمة جدا من الناحية الفنية، وهي جزء ليس بيسير من اهمية المنتج البصري الذي يعتمد على هذه العناصر في العمل الفني وحرفية المنتج، لكن المتلقي قلّما يهمه هذه الامور الفنية، فهمه كمشاهد ينصب على جمالية العمل الفني والخطاب البصري المرافق او المحمول بين ثنايا المنجز. ومن هنا فان العمل الفني يحتمل اكثر من قراءة ويفتح جناحيه لاكثر من تأويل وتقويم، وهذا ديدن الفنون على اختلاف اصنافها ومسمّياتها.
الاعمال التي عرضها الفنان الكركوكي حسين عبدالكريم قد حققت له الاسبقية في الطرح، مستفيدا من الفضاء الذي يتيحه الاعلام الالكتروني عبر شبكات التواصل، ونظرا لان قراءتنا هذه ربما ستكون لها قصب السبق في تناول التفاعل بين الفن البصري ووباء الكورونا (على الاقل على مستوى التناول السردي)، عليه وجدت من الضروري التلميح ولو بمزيد من البساطة والعجالة الى البعض من المنجز البصري لهذا الفنان فيما يتعلق بتفاعله مع ظاهرة كورونا، والذي تيسر لي الاطلاع عليه من خلال الصور المنقولة لاعماله عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
اللوحة الاكثر اثارة هي تلك التي تتوسطها صورة انسان ملثم، فقد تحول اللثام الى جزء من ملمح الانسان وطلة الناس حيثما كانوا واينما كانوا. ظاهرة غريبة او لنقل ملمح بارز سيكون ذو بعد آيقوني بالنسبة لاي عمل يتناول فترة انتشار وباء الكورونا واسقاطاته. من خلال استقراءنا للالوان التي استخدمها الفنان (الاحمر القاني والاصفر وتدرجاتهما متداخلين مع الازرق وشيء من الابيض والوان داكنة)، تدل على حالة الخوف وكثافة الهلع الذي اجتاح العالم من اقصى شرق آسيا وصولا الى اقاصي العالم الجديد. وتراكم الالوان الداكنة على وجه الانسان (المفردة المركزية في اللوحة) وكذلك شعر رأسه المتجعد، كل هذه الامور تعبر عن حالة الارباك النفسي التي المّت بالمجتمعات البشريّة كافة خلال هذه الفترة.
لوحة اخرى للفنان انجزها بالالوان المائية، هي ايضا بمثابة اعادة تسويق حالة الارباك النفسي والهلع الذي اجتاح النفوس في اقاصي المعمورة، وتكرر مشهد الانسان الملثم في مفردتين ضمن هذه اللوحة اظهرتا الكثير من القلق والعجز الانساني في مواجهة فايروس تتشابك الاقاويل والاحاديث حول مصدر ظهوره وسرّ انتشاره. وعبرت لوحة ثالثة للفنان عن هموم محلية تنحصر في تناول المجتمع الكوردستاني لهذا الوباء واسقاطاته على سكان البلد. هذا العمل يبدو اكثر عمقا من حيث توسيع مدى الخطاب الفني والغوص في اعماق السرديات التي تروى في الوسط الاجتماعي الكوردستاني وربما بالتحديد في الوسط الاجتماعي لمدينة كركوك. مفردات ورموز عدة وظّفها الفنان من اجل زيادة مجسات خطابه البصري مع اضفاء الرصانة عليه عبر تكثيف التقنية واستخدام امثل للالوان وما فيها من قدرات تعبيرية ورمزية ومديات جمالية.
لوحة رابعة للفنان تتناول منتسبي الصحة، زهرة ذات الوان ذهبية وسط جوّ من الزرقة، حيث ان لكل من هذين اللونين دلالاتهما، ونحن اذ نجد ان ملامح وجه سيدة ملثمة بالازرق وكأنها الامل وسط تهديد الوباء، انها رمزا لملاكات الخير التي تعبر عن صورة سامية لتضحيات الانسان الفرد من اجل الانسان الجماعة.[1]