الناجية سعدية خورشيد مجيد تقول: جردوا الرجال مما معهم.. كان الرجال حينها فقراء في حالة مزرية، لم يكن الناس كما الآن..ثم جاؤوا بالأصفاد، ولكن الأصفاد لم تكف...في تلك الأيام كان كل رجالنا الكورد يتحزمون بالقماش... كانوا يشقون الأحزمة ويقسمونها ثلاثة أقسام يوثقون بها أيديهم.. وكانوا يضربونهم....
كشفت ناجية من جريمة الأنفال التي قام بها نظام البعث برئاسة صدام حسين، منذ 32 عاماً، والتي راح ضحيتها 132 من الكورد.
وقالت الناجية سعدية خورشيد مجيد،، في صباح أحد الأيام ارتفعت أصوات صخب وضجيج من جهة تلك المرتفعات، وفوجئنا بهم يطلقون النار علينا... لذنا بالفرار باتجاه (عزيز قادر) وعندما بلغنا (عزيز قادر) بدأ إطلاق نار وهوجمنا من الجحوش فكانت هناك معركة كبرى في (أومربل) و(تيكول) و(عزيز قادر) فررنا باتجاه (عليان) و(بنةكة) ومن هناك ذهبنا إلى (هوارة رقة) و(هوارة قولة) واختلط الحابل بالنابل، كانت وكأنها القيامة، وكانت الهيليوكوبترات تحوم فوقنا وتطلق النار، وكانت هناك معركة، حتى وصلنا إلى (ملة سورة).
وتابعت، في (ملة سورة) جاؤوا بشاحنات (إيفا) العسكرية وحملوا كل من كان هناك في شاحنات إيفا...حمّلونا ونقلونا، ثم أنزلونا في مقر الفرقة، مقر الفرقة هناك في (ميدان) حشدوا هناك كل الناس صغاراً وكباراً، فكان من وقع تحت الأقدام ومن دهسته السيارات ومن قتلته الطائرات...الرعاة والقطعان والجرارات، جمعوهم كلهم إلى بعضهم البعض...بعد ذلك نقلونا... كان الناس يتساءلون أين نحن، فقال أحدهم لقد أخذونا إلى (طوبزاوا)..في طوبزاوا... بدأنا نصرخ ونستنجد ونطلب منهم أن لا يأخذوا رجالنا...كان المترجم الكوردي يقول: كفوا عن هذا، سنأخذهم ونسجل أسماءهم فقط...كانت كتابة الأسماء تلك التي أخذوهم لها ولم يعودوا...شاهدنا في تلك الأنحاء وأمام أنظار الناس... كانت تمطر، وكان الناس في هرج ومرج، الذي لا قدم له وذو القدم والمريض.. كان مثل يوم القيامة....
وأضافت، جردوا الرجال مما معهم.. كان الرجال حينها فقراء في حالة مزرية، لم يكن الناس كما الآن..ثم جاؤوا بالأصفاد، ولكن الأصفاد لم تكف...في تلك الأيام كان كل رجالنا الكورد يتحزمون بالقماش... كانوا يشقون الأحزمة ويقسمونها ثلاثة أقسام يوثقون بها أيديهم.. وكانوا يضربونهم.
واسترسلت، خيّم علينا الليل... ولم نعلم ما جرى، زجوا بنا في قاعات وأغلقوا أبوابها علينا، كانت صيحات الناس تبلغ عنان السماء..هناك امرأة تعاني المخاض وهناك أخرى تحتضر وأخرى.. كان الجميع في هلع...أخذونا إلى طوبزاوا وهذا ما فعلوه بنا...ثم بقينا في طوبزاوا ثلاثة أيام كانوا يضربوننا ويعذبوننا...بعد ذلك نقلونا إلى (الدبس(.
واسهبت في شرح الأحداث، قائلةً كان أحدهم يحمل خيزرانة في يده وآخر سلكاً كهربائياً، كل يحمل شيئاً يضرب به الناس لا يلتفتون لكوننا نساء...كانوا يضربون كل من تبلغه أيديهم...كانوا يضربون الأطفال الصغار فيسقطون على وجوههم...كان يوم قيامة... أخذونا إلى طوبزاوا وسجنونا هناك وأوصدوا الأبواب علينا، وفصلوا عنا الرجال...الرجال المساكين لا أعرف ماذا فعلوا بهم بعدما أخذوهم إلى تلك الساحة...فصلوا الشابات والبنات اليافعات وجمعونا معاً، كنا حينها شابات...وأخرجوا الشيوخ والعجائز من بيننا...لم يكونوا يشعرون بخجل أو وجل كانوا كلما وصلوا إلى أحدنا جلدوه وضربوه.
وزادت، بقينا هناك ستة أشهر...هاجمنا القمل فلم يكن هناك صابون ولا طعام...كانوا كل يومين أو ثلاثة يأتوننا ببعض الصمون اليابس... كانت حالة بائسة...في الليل كنت تجد طفلاً قد مات، وفي الليل كانت العجائز وخاصة اللواتي فقدن أسنانهن وكن في ديارهم يأكلن من الطعام اللين، متن جميعاً.
وأكملت، عندما فصلوا الرجال عنا، اقتادوا زوجي أيضاً، فقال: محبوبة، وكانت زوجة أخيه صالح، وناولها عملة من فئة 25 ديناراً تلك التي كانت تحمل صور خيل، قال لها هذا للأطفال ف(سعدة) ميتة لا محال...كان ذلك كل لقائنا به... قالوا سنسجل أسماءهم ونعيدهم... لكن عيوننا لم تقع على الرجال مرة أخرى...لم نعرف أيها الرجال ماذا فعلوا بهم، ولا ما جرى أو حصل.
وقالت سعدية بصوتٍ متعب إي والله... إن قصة الأنفال صعبة، لا أدري عم أحدثكم...كانت أوضاعاً سيئة وحدثاً مؤلماً.. أحدهم يحتضر هنا وآخر يموت هناك، ولا نعلم هل كانوا يدفنونهم أم لا... كانوا يأخذونهم...والله كان لي عم (حاجي حميد) كان يتحاشى مجالس الناس تجنباً للتورط في الغيبة... افترسته الكلاب السود في (نكرة السلمان)...يتراءى لي كثيراً وهو يرتدي زياً كوردياً أنيقاً وهو يتمشى في (توكن)...كانت أوضاعاً مزرية سيئة.
وتابعت، إي والله يتراءون لنا في أحلامنا وكيف لا فهم أبناء عمومتنا وأهلنا وجيران لنا وأصدقاء...أصابت قذيفة مدفع ابن (حاجي إبراهيم) في عزيز قادر، مع (بفراو) والآخرين...تولى دفنه ثلاثة أشخاص فقط، اكتفوا بحث التراب عليه، كانوا أخاه حسن وحمة شوان وابن عم له اسمه أمين...كان المسكين أمين معلماً هناك وهو من (جاواخال)... عين معلماً ليذهب ضحية للأنفال...كان الناس يمرون بالثلاثة سراعاً ولم يكن أحد يلتفت ليساعدهم في دفن الجثة...أصابته قذيفة في عزيز قادر.
وأضافت، مات ابني وزوجي وبنت لي في الدبس... ابني الأكبر وزوجي... أعتقلونا جميعاً...ولكن رحمة الله شملت هؤلاء الأولاد كانوا صغاراً وخرجوا معي...فقدت القدرة على المشي ثلاثة أشهر في نكرة السلمان، لا في الدبس فنحن لم نذهب إلى نكرة السلمان...أنا كنت مصابة برصاصة، ولم أر ابنتي إلا وهي ميتة... ماتت لما أصابتني الرصاصة ونزفت وسال دمي لم أكن أدري بما يجري...هناك، كان للطيف وهو ابن أخ لزوجي، ابن، كان المسكين يطلب الطعام كانت أمه تعثر له عليه، مات متألماً كان اسمه (يادكار)... إي والله... كثيرون.
وزادت، نقلونا إلى (مجمع صمود) ترافقنا سيارات شرطة، وأخلوا سبيلنا عند ذلك المكان العائد لرفعت، لا أدري ما هو كان كمقر...بعد ذلك كان الناس يأتون ويصحب كل منهم من يتعرف عليه إلى داره...والله عندما أخذونا، ولأننا لم نكن قد أكلنا الطعام المطبوخ منذ فترة طويلة... كنا نكاد نموت شوقاً عندما وقعت عيوننا على الطبيخ...كان كل يأتي فيتعرف هذا إلى أقاربه ويصحبه معه ويفعل ذاك مثله وهكذا...لم نكن قادرين على التعرف على الأماكن... عندما جاؤوا بنا إلى نفق (دربند) لم نكن نعرفه... فلم نكن قد رأينا السليمانية وغيرها من قبل...بدأنا نصيح وننتحب، كان الظلام قد حل ولم نر من قبل هذا المكان.
وتابعت، كان قد أشيع في الدبس أنهم سيلقون بنا في النهر، وما أن رأينا نهر سيروان ولم نكن قد رأينا المنطقة سابقاً، حتى بدأت النساء بالنحيب والصراخ...كان معنا صبي يقولون له (ابن مام خورشيد) كان صهر عائلة (حمة كوهر)، قال يا أمهاتي لم الصراخ والنحيب هذا نفق دربند، وقد جاؤوا بنا من جهة شهرزور..نحن لم نكن نعرف الأماكن، فلم تكن النساء حينها تسافر وتذهب إلى المدن...بكينا وصرخنا كثيراً... أعادونا...أطلقونا هناك، وجاء الناس يبحثون عن معارفهم ويصحبونهم إلى بيوتهم...كنا لا نحتكم على شيء، وكانت كل واحدة معها بعض أولادها، ولا شيء سوى ذلك.
وذهبت في حديثها إلى زمن سابق، قبل الأنفال كنا نعمل، وكان الرجال يزرعون ويحصدون بالمناجل، لم تكن الحاصدات متوفرة كما الآن، وكنا نحن نجلب الحطب والعكوب ونغزل الصوف وننسج البسط ونعمل ونربي الغنم والدجاج...وكان البيشمركة يأتون كل يوم على وجبتين إلى هذه القرية، كل وجبة مؤلفة من نحو 100 شخص في هذه القرية وفي توكن وكل القرى يتناولون الطعام...كان الناس يطعمونهم... كان طعامهم على الناس فلم يكن عند البيشمركة شيء ولم يكونوا كما هو حالياً.
وختمت، كانوا (السجانون)، يقولون أنتم مثل هذه الأشجار... كانت هناك أشجار يوكالبتوس عالية بين القاعات...كانوا يقولون: أنتم الكورد مثل أشجار اليوكالبتوس هذه... كان الكوردي يترجم...كان يقول لو تم قطعكم من الأصل تعودون لتنبتوا من جديد... وكان كما قال...نبتنا من جديد...[1]