2020-07-04 17:56
المسرحي جعفر راضي / ما اقسى وما أصعب على النفس أن يستذكر الانسان مآثر وخصال صديق مبدع يخطفه غدراً فايروس خبيث((كورونا)) من بين يدي ذويه ومحبيه وينتزع روحه من حياة سخرها في نقل هموم الناس الى الادب والمسرح.
ففي يوم السبت العشرين من شهر حزيران الماضي توفي واحد من كبار الادب والفن المسرحي العراقي وهو الاستاذ حيدر الحيدر بعد ان تدهورت حالته الصحية قبل ايام من وفاته وتم نُقِلَه إلىٰ مستشفىٰ الكندي وأظهرت الفحوصات بأنه مصاب بفايروس كورونا، ولعدم وجود الأوكسجين في تلك المستشفى تم نقله إلىٰ مستشفى النعمان الأعظمية ومن سوء قدره لم يكن الاوكسجين في هذه المستشفى متوفراً فتمكن اولاده من جلب الاوكسجين له من خارج المستشفى فتحسنت حالته نسبياً ولكن بعد أيام قليلة فارق الحياة فجأة وترك فراغاً في عالم الادب والمسرح ...
الفقيد حيدر الحيدر من مواليد العام 1950 ومسقط رأسه زرباطية ومن عائلة كوردية فيلية، تعرفت عليه في مرحلة الدراسة الابتدائية المسائية بمدرسة الفيلية عندما سكنت عائلته بغداد، وكان حينذاك يداوم نهاراً في محل خياطة ((عبد الامير منصور)) المشهور لخياطة البدلات الرجالية في شارع البنوك ببغداد، والعائد الى خاله المرحوم عبد الامير منصور، وقد انهى مرحلتي الدراسة المتوسطة والثانوية في ((ثانوية الجعفرية المسائية))، ولم يتوقف طموحه الدراسي عند ذاك الحد، فدخل الى معهد إعداد المعلمين وحصل علىٰ دبلوم تربية وعلم النفس، ثم مارس مهنة التعليم في عدد من مدارس بغداد.
كان المرحوم حيدر إنساناً طيباً ذو أخلاق عالية والإبتسامة لاتفارق وجهه ويتمتع بروح الدعابة والنكتة وسرعة البديهية ومدمن على القراءة والكتابة وحب الشعر مما جعله ان يدخل عالم المسرح والادب والشعر ممثلاً وكاتباً مسرحياً واديباً.
فالاديب حيدر الحيدر شب عوده في مجتمع تفاصيل حياته الصغيرة كانت شغفه وهمه الكبيرين وعاش ناكراً للذات ناذراً حياته للآخرين ومقت كل تقديس أو تحنيط للأفكار أو للأفراد أيا كان شأنهم وكان باحساسه المرهف يسرح وينقل ادق ما يلتقطه من مسرح الحياة الحقيقية الى صفحات الادب وخشبة المسرح.
وكان على تواضعه ووداعته,مناضلاً ووطنياً شريفاً يقاوم الظلم، وقد عانى جراء ذلك الكثير في حياته العامة والخاصة و المهنية , ولكنه واجه كل أشكال المضايقات والتعسَف والتهميش بصبر طويل، فعاش عزيزا وكريم العطاء.
وكانت البوصلة الوحيدة التي تقوده هي الانحياز الكلي والمطلق وآللا مشروط لأبناء شعبه المسحوقين ولحقًهم في الكرامة والحرية والسيادة، والثبات على الوفاء للقيم النبيلة في تحديث المجتمع وتحريره من كافة أشكال التخلف والاستغلال والتبعية وهي الوقوف ضد التيار في زمن المتاجرة بالمبادئ، فكان لا ينفكً عن تأكيد رابطة الأخوة الانسانية وقيم الحرية والعدالة, وعالم يخلو من الاستغلال و الاضطهاد و الاستعباد.
وعندما إندلعت الحرب العراقية الإيرانية دُعيَ الراحل حيدر للخدمة العسكرية في جبهات القتال، فالتحق متجهاً للدفاع عن ارض وطنه العراق وكان حظه كما الالاف من الجنود العراقيين الأسرعلىٰ يد القوات الإيرانية فبقيَ في الأسر لعدة سنوات ولما كان يتمتع به من موهبة التعلم والتعليم، وشمول اللغة الفارسية على مفردات كثيرة من اللغتين العربية والكوردية تمكن من اتقان الكثيرمن اللغة الفارسية خلال فترة ألاسر، لذا كان قد سجل الذكريات وما حدث من قصص مؤلمة اثناء الحرب وطرائف حدثت بسبب اختلاف المعاني بين اللغتين العربية والفارسية خلال سنوات الاسرعلى قصاصات من الورق واثر عودته الى العراق من الاسر نقلها الى كتاب من تأليفه.
ولما عاد الاديب الفقيد حيدر الى بغداد بعد توقف الحرب بين العراق وايران في العام 1988 وتبادل الاسرى حدث له مالم يكن في حسبانه وهو الفنان والكاتب المسرحي الذي كان ينقل قصص وحكايات من خياله او من احداث قاسية تحدث للناس الى الادب او تعرض على المسرح للمشهادة ان يفاجأ بحدث مأساوي كان قد وقع لعائلته في غيابه بالاسر.
فحين وصل بغداد وفق اتفاقية تبادل الاسرى بواسطة الصليب الأحمر الدولي استقبل من قبل اهله بلهفة فرحين لعودته سالماً، وكان من بين الحضور إبن خالته الفنان المسرحي جبار النزاري، فدارت بينهم الأحاديث المختلفة .. فجأةً نظر حيدر إلىٰ زاوية معينة رأىٰ إمرأة جالسة علىٰ كرسي متحرك ، فسأل إبن خالته جبار ( مَن هذه المرأة ) ؟! فاخبره، بأنها جارتهم ومصابة بالشلل وأولادها قد سافروا وتركوها عندهم لحين عودتهم من السفر، وفي هذه الأثناء كانت الدموع تسيل من عيون المرأة دون حركة او كلام ، بعد ذلك لاحظ حيدر عدم وجود أمه وأبوه وشقيقيه صلاح وصباح ، فعاد يسأل إبن خالته وهو في حالة من الشك والغموض في اجوبة قريبه وخاصة عن سبب عدم وجود ابويه واشقاءه وسط هذا الحشد من الاقارب والجيران والاصدقاء، فشعر إبن خالته جبار بالإحراج فلم يبق له اي عذر على عدم الافصاح عن حقيقة الامر، فأستأذن من حيدر أن يرافقه الى الغرفة المجاورة، وحينها أخبره بتفاصيل محزنة عن وفاة والده، حزناً عليه وإستشهاد شقيقه صلاح في الجبهة، واعدام شقيقه الآخر صباح بعد ان ألقي القبض عليه من قبل رجال الأمن بتهمة انتماءه الى الحزب الشيوعي واعدم بعد محاكمة صورية بمدة قصيرة وكان يبلغ العشرين عاماً من العمر،وحين اخبر جبار الراحل حيدر اصابة والدته بجلطة دماغية وشلل الاطراف وفقدان النطق وانها موجودة في الصالة على كرسي متحرك، فعلى اثر سماعه ذلك نهض الفقيد حيدر الحيدر وكأنه يؤدي مشهداً لحالة مفجعة وصار يلعن الساعة التي تم فيها فُكَ أسره وخرج من الغرفة كالمجنون باتجاه امه فرمىٰ بنفسه عليها وأخذ يقبل قدميها ويديها ورأسها في مشهد محزن وسط بكاء الحضور وإنقلب فرح عودته إلىٰ مأتم وحزن..
وبعد عدة أشهر إنتقلت والدته إلىٰ جوار ربها ، فدخل حيدر في حزن عميق لفترة من الزمن لم يستطع فيها القيام بأي نشاط أدبي أو فني،
فصار يشغل نفسه بكتابة القصص القصيرة والمسرحيات والبحوث الإجتماعية والخواطر، ثم دخل أكاديمية الفنون الجميلة، وحصل علىٰ شهادة بكلوريوس فنون مسرحية ( إخراج ) وكان من ضمن خريجي دورة الدكتور جبار جودي نقيب الفنانين الحالي، والفنانة هناء محمد والفنان علاء رشيد والعديد من الفنانين الكبار. وشارك في عدد من المسرحيات كما أخرج مسرحيات للأطفال.
وللفقيد مؤلفات عديدة منها:
1- الكورد وكوردستان في الشعر العربي المعاصر من ( جزئين )
2- أسماء النساء والرجال في مضارب الأمثال
3- مدونة الشاعر الزرباطي الراحل علي حمزة ، تحقيق وشرح وتعليق حيدر الحيدر
4- حكايات وطرائف من رفوف الذاكرة
5- محطات الحزن والفرح ( مسرحيات )
6- وللأصدقاء بقايا
7- أصداء تدوي في فضاءات أحلامي ( قصص قصيرة )
وله مؤلفات أخرىٰ.
وكان الفقيد عضو عامل في
1- نقابة الفنانين / المقر العام
2- إتحاد المسرحيين العراقيين / بغداد
3- نقابة صحفيي كوردستان
4- إتحاد الإذاعيين والتلفزيونيين العراقيين
5- الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
6- كان عضو الهيئة الادارية لفرقة مسرح اليوم وشارك في عدد من المسرحيات التي قدمتها الفرقة.
كان يعمل في قناة الحرية منذ تأسيسها إدارياً ومخرجاً ومعداً للبرامج
وكانت له مشاركات فعالة في الندوات الثقافية التي كانت تقام في إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وله مكانة مرموقة بين المثقفين العراقيين
نُشِرَتْ بعض أعماله في الصحف والمجلات العراقية .[1]