المتتبع لمسيرة الكاتب والمفكر المولود ب اربيل جودت هوشيار سيجدها حافلة، وربما خلقت جل اعماله للنتاجات البحثية والفكرية والادبية وباستحقاق عال، واخصها عنده التي اولاها اهتماما متميزا، الساحة الادبية الروسية الموازية بعظمتها ورفعتها ما افرزته قارات الدنيا من كتاب وشعراء وفلاسفة والكثير...
يحيى الشرع*
المتتبع لمسيرة الكاتب والمفكر المولود ب اربيل جودت هوشيار سيجدها حافلة، وربما خلقت جل اعماله للنتاجات البحثية والفكرية والادبية وباستحقاق عال، واخصها عنده التي اولاها اهتماما متميزا، الساحة الادبية الروسية الموازية بعظمتها ورفعتها ما افرزته قارات الدنيا من كتاب وشعراء وفلاسفة والكثير، وهوشيار اثرى المكتبة بلمسات واعمال ومقالات وبحوث رصينة تستحق التأمل والقراءة.
يتميز الكاتب جودت هوشيار بلغة سحرية جميلة بسيطة تسابكت مفرداتها اللغوية بدقة عالية كأنها نوتات موسيقية، ويخيل انه يمتلك عصا سحرية تدله لتنير له كل قواميس اللغة لاختيار الكلمات والمفرادات لكتاباته وبحوثه الشيقة عن الادب الروسي او الخاصة به بكم هائل من المعلومة لتنتهي بمتعة بصرية وبمخيلة خصبة جموح لمن يقرأها .
بحوثه ومقالاته الفكرية والأدبية والعلمية، وجدت الطريق امامها سالكة لرصانتها وجودتها منذ عام 1969 في مختلف المطبوعات العراقية والعربية، ك الثقافة - الثقافة الجديدة - المثقف العربي- المثقف الجديد - شمس كوردستان - ألف باء ، كاروان العربي ، أجراس - صوت الآخر والكثير لا مجال لحصرها، كما ترجم عدداً كبيراً من روائع الأدب العالمي الى اللغة العربية ونشرت بمجلة الأديب المعاصر التي كانت تصدر في الثمانينات عن اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين، ويعد كاتبنا أول من ترجم عديد قصص كافكا، وإيفان بونين، كما لا يخفى انه عضو إتحاد الكتاب والأدباء العراقيين، وعضو بعدة اتحادات أدبية أجنبية، ويجيد الإنكليزية والروسية والتركية والعربية، اضافة الى اللغة الكوردية.
دواڕۆژ، ارادت ان تستنير بمعلومات شخصية عنه، رفض بتواضعه وادبه الجم التحدث عن نفسه، بقوله لا اعتقد ان من الكياسة ان يتحدث الكاتب عن نفسه، وكل حديث من هذا النوع غير مستساغ، اما ما يقوم به البعض من تضخيم شخصيته ومنجزاته عبر الموسوعة الحرة او خلال مقالات المنافقين والمداحين، أمر يدعو الى الرثاء والسخرية، فيقول ابداع الكاتب هو الذي يتحدث عنه، ويعبر عن شخصيته الحقيقية ومدى اصالة وحجم موهبته، اما الأمور الحياتية الأخرى المتعلقة بالكاتب فهي امور شخصية لا علاقة لها بجمهوره .
مكتبي هو مكان اقامتي اينما كنت سواء في العراق أو في موسكو أو أي مكان آخر، اقرأ الأدب الكلاسيكي والمعاصر باللغات العربية والانكليزية والروسية، اكتب صباحا وأقرأ مساءً و ليلاً، لا يوجد عندي مشروع ثقافي، فأنا اكتب عندما يتملكني هاجس الكتابة في موضوع ما، البعض يسمي هذا الهاجس بالالهام الذي لا وجود له لأن اساس العمل الأدبي هو الموهبة والعمل الدؤوب الشاق بلا كلل أو ملل واعادة النظر فيما نكتبه المرة تلو الأخرى.
وقدم الكاتب جودت هوشيار للمكتبة الثقافية العديد من الكتب الادبية، منها دراسات معاصرة، بغداد، 1973، وذخائر التراث الكوردي في خزائن بطرسبورغ، اربيل، 2011، و السلطة الخامسة ( نبض الحياة في القرية العالمية )، دار الزمان، دمشق 2017، والرواية بين الخيال والواقع لدار الزمان دمشق 2018، ومأساة الكتّاب الروس لدار الزمان دمشق 2019، وجي دي موباسان ايضا لدار الزمان دمشق 2019، ويقول كتبت أكثر من 400 دراسة ومقالة، نشرت في المجلات والصحف العربية والعراقية، منها مجلة الفيصل ومجلة فكر ومجلة روز اليوسف والعديد من الصحف منها المدى العراقية و رأي اليوم اللندنية و مكة السعودية وحديث المدينة الكويتية وغيرها.
اهتمامه كبير وعطاؤه باذخ للجمهور عن الساحة الادبية الروسية، فيجيب قائلا، الأدب الروسي الكلاسيكي، أغنى واجمل واعمق أدب في العالم، انا مهتم بهذا الأدب اهتماما شديداً، ويكفي ان نشير الى عمالقة مثل تولستوي، ودوستويفسكي وتورغينيف، وتشيخوف، وبونين، وبابل اذ لا يوجد كاتب على وجه الأرض قديما وحديثا من لم يقرأ لهم باعجاب، ويتأثر بهم الى هذا الحد أو ذاك، فكيف لا اهتم بهذا الأدب، والمثقفون من جميع انحاء العالم يتوجهون الى روسيا لدراسة لغتها لاجل قراءة اعمال هؤلاء باللغة التي كتبت بها، وانا درست في روسيا وعشقت اللغة الروسية باذخة الثراء والجمال بحسب وصفه.!.
قراءته للمشهد الادبي الروسي القيصري وما نسميه بالحقبة السوفيتية او الستالينية، يقول أصبح الادب الروسي منذ عصره الذهبي، في القرن التاسع عشر، شبيهاً بالدين، يحمل عبئًا أخلاقيًا هائلًا، ومثل الفلسفة، أخذ على عاتقه التفسير الفكري للعالم المحيط، وتحول الأدب من ظاهرة فنية- جمالية الى كتاب الحياة، وكان الكاتب محل اجلال وتقدير عظيمين، او معلما للشعب قادرا على التأثير في النظام القائم وتغيير المجتمع، والروس شغوفون بالقراءة وحضور اللقاءات الادبية ويصغون باهتمام بالغ الى آراء الكتاب والشعراء .
وشهد الربع الاول من القرن العشرين - وهي الفترة الإنتقالية من العصر الذهبي بمعطياته الفكرية والفنية الكلاسيكية الى عصر جديد بتياراته الحداثية وتنوعه الشعري والنثري، التي اصطلح على تسميتها بالعصر الفضي - إزدهاراً أدبيا تمثل في تيارات الحداثة والإتجاهات الأدبية المتنوعة وبخاصة في الشعر (الرمزية، المستقبلية، التصويرية، التكعيبية وغيرها)، وثورة اكتوبر عام 1917 وضعت حداً للحريات الديمقراطية، لكنها لم تستطع أن تغيّر على الفور الحياة الثقافية، ومنذ عشرينيات القرن العشرين، أخذت ظاهرة ثقافية جديدة تتبلور في البلاد، اطلق عليها مصطلح الأدب السوفيتي، وجرى تقييم الكتّاب من حيث موقفهم من السلطة السوفيتية التي كانت تريد منهم الإشادة بالثورة، وإبراز مزايا النظام الجديد، مقارنة بالنظام الرأسمالي، وليس إنتقادها أو التحليق خارج السرب، لقد مارس ستالين شتى صنوف الترهيب والترغيب والترويض والإغراء بحق الكتّاب الأحرار الذين حاولوا الحفاظ على حريتهم الداخلية ولم يستجيبوا لدعوات البلاشفة .
فيما المشهد الثقافي محليا وعربيا، يقرأه هوشيار ب الأدب العربي المعاصر – وبضمنه الأدب العراقي - زاخر بالمواهب الكبيرة في القصة والرواية والشعر، وتتمثل فيه التيارات الأدبية السائدة في الأدب العالمي المعاصر، لكن الأدب العربي يلقى اهتماماً أقل مما يستحقه، في الدول الغربية، وفي روسيا، وان العائق الكبير امام ترجمة جزء كبير من الأعمال الأدبية العربية الى اللغات الأجنبية هو أن الأدباء العرب يستخدمون الأسلوب الزخرفي، الذي لا عمق فيه، وألفاظا عائمة، ويلجأون الى الغموض المفتعل، والتلاعب الشكلاني في البناء الروائي والقصصي، وهذه كلها أمور لا تخل بالمعنى فقط، بل تشل قدرة الذهن على التفكير الناضج المحدد.
الجيل الجديد يتعجل النشر والشهرة قبل الأوان، وقبل امتلاك التقنيات الأساسية للفنون السردية، وبينهم من لا يعير اهتماما كبيرا للغة التي يكتب بها، ويتركز اهتمامه على نسج العلاقات التواصلية مع أصحاب النفوذ في الساحة الثقافية والوسائل الإعلامية، ومانحي الجوائز الأدبية، أما قيمة العمل الأدبي فتأتي في المرتبة الأخيرة، لأن الكتاب الأدبي في العالم العربي أيضاً تحول الى سلعة في السوق، وتحول المتلقي الى مجرد مستهلك، والهدف الأساسي لدور النشر التجارية العربية هو نشر الكتاب الرائج وتحقيق أقصى الأرباح بصرف النظر عن قيمته الفكرية والفنية، إن مثل هذا الأدب يقود الى مزيد من الاستسهال والركود بحسب قوله.
ويقول عن الحركة النقدية، آلاف النصوص الجيدة تهمل لأسباب شخصية، ولا تأخذ حقها من التنويه والإشارة والإضاءة، وتفتقر الساحة الثقافية العربية الى نقاد يقيمون العمل الادبي تقييماً موضوعياً، ومعظم ما ينشر من نقد حول الإصدارات الجديدة مبني على علاقات شخصية، وكثيراً ما نقرأ مراجعات لأعمال أدبية منشورة حافلة بالمديح للنصوص ولاصحاب النصوص، لكن عندما يقتني القارئ الكتاب ويقرأه بتمعن يصاب بخيبة أمل، لأن الدعاية المصاحبة للكتاب لا علاقة لها بمستواه الفني.
اما على المستوى العالمي كما يقول اديبنا جودت هوشيار، الكثير من المحتوى الأدبي الإبداعي قد انتقل الى الشبكة العنكبوتية والأجهزة الذكية، ما أدى الى خلق نوع من الفوضى وفسح المجال لكل من يريد تجربة حظه في عالم الأدب، وان كان يفتقر الى الموهبة، والحد الأدنى من الثقافة، ولا يمتلك التقنيات المطلوبة للعمل الأدبي الناجح، ومن يقرأ احصاءات منظمة اليونسكو سيكتشف أن عدد العناوين المنشورة سنوياً لكل مليون شخص في اميركا وانجلترا وفرنسا واسبانيا مثلاً تصل الى حوالي (10 – 15) ألف كتاب، واجمالي عدد العناوين المنشورة في اسبانيا وحدها يفوق اجمالي العناوين المنشورة في العالم العربي، اما المشهد الثقافي الكوردي، فقد مر الاقليم بأزمة مالية حادة بين عامي 2014 ، 2018 أدي الى توقف دور النشر الحكومية والحزبية، وحتى عدد من دور النشر الأهلية عن اصدار الكتب الجديدة، لكن يبدو ان الأمور بدأت تتجه نحو الانتعاش التدريجي للنشاط الثقافي، وكان اتحاد الأدباء الكورد نشطا في اصعب الظروف، ويقيم كل خميس ندوة ثقافية يحضرها جمهور كبير من المثقفين، ولا شك ان مواقع التواصل الأجتماعي قد انتزعت المبادرة من دور النشر، كما هو الحال في كل انحاء العالم، ومعظم الأدباء الشباب يتخذون من تلك المواقع منصات لنشر نتاجاتهم، لكن البيروقراطية و( موظفو الثقافة ) عائقان أمام الأدباء لنشر اعمالهم الابداعية، ولا توجد في الأقليم حتى دار واحدة متخصصة في توزيع الكتب، ولهذا عندما يلجأ الكاتب الى نشر أعماله على نفقته الخاصة يجابه بمشكلة التوزيع، كما لا يوجد في الأقليم أديب واحد يعيش من دخل ما ينشره من أعمال ابداعية.
يقول أنا أقرأ بشغف لكل كاتب عراقي أصيل ومتفرد في موضوعاته ولغته واسلوبه، لكن لكل كاتب حقيقي عالمه الخاص، وأنا لي عالمي الخاص الذي لا يشبه عالم أي كاتب آخر، وبتعبير آخر أنا لم أتأثر بأي كاتب عراقي مع تقديري العالي لكل الكتّاب العراقيين من ذوي الموهبة الكبيرة والأسلوب المتفرد.
يختتم حديثه الشيق لنا بقوله، يثير فضولي كل عمل أدبي رفيع المستوى من رواية، وقصة قصيرة، وقصيدة شعرية، ومسرحية، وكذلك أهتم بالفنون الأخرى، مثل النحت والتشكيل، والباليه، وأشياء كثيرة أخرى، ولا يمكن عزل أي فن عن الفنون الأخرى، فهي مجتمعة تشكل العالم الروحي والجمالي لأى مبدع، سواء كان كاتبا أو شاعرا أم فنانا تشكيليا أو مسرحيا.
* دوارۆژ[1]